د. محمود مسعود
أستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم

   
ليس المقصد من هذا المقال الإجابة عن سؤال متى يسقط الانقلاب، الذي بدا لأكثر المتفائلين به والمستفيدين منه أنه على حافة الهاوية، فقد انهارت قيمته عند من صنعه، وعند من عمل كل ما في وسعه من أجل بقائه، لكن ماذا بعد نهايته؟ هناك مخاطر حقيقية بعد رحيل (جرثومة السيسي) فقد سبق رحيل هذه الجرثومة نهايات كثيرة مفجعة لأولياء الانقلاب منها: نهاية كفتة عبد العاطي وتحطيم كرسي الرسولية لوزير الداخلية (م إ)، وضياع حلم المليون شقة الإماراتي، وصولا إلى فنكوش العاصمة الجديدة، مرورا بتعسر القناة إذ تقول جريدة الانقلاب الرسمية أنها تحتاج إلى تسع عشرة مليار جنيه، وما فشا من غلاء الأسعار وضيق الحال أحبط الانقلابين فلم يبق لديهم حجة يقدمونها لأوليائهم فضلا عن غيرهم، وزاد الأمر سوءا فتناقص أرز الخليج، وبانت حيرة من يريد أن يمسك العصى من منتصفها في عاصفة الحزم؛ خوفا من ضياع ولائهم المكشوف لإيران وروسيا من جانب، وخوفا من قفل حنفية التسول الخليجي من جانب ثان.
لكن تعال معي أيها القارئ الكريم أوضح لك صعوبات ما بعد الانقلاب لنفكر معا في حلول، فلربما نتعاون كأمة في إدراك طرق الحل والتي نوقن بأنه (ليس لها من دون كاشفة):
-    فهناك جيش قد تعرى، فهل يصلح لصد عدوان قادم؟! بالطبع لا أربط جازما بين أبنائنا المجندين وبين العسكر الفاسدين، لكن الحالة النفسية لجنود علموا وتيقنوا أن قياداتهم كانت عميلة وخائنة أفلا يحتاج الأمر إلى مجهود مضن لرفع روحهم المعنوية، لكي يعاد لهم التوازن وتقدير الموقف لبناء الثقة في أنهم جند لوطن وليسوا جندا لفرعون قد هوى وغوي ثم اندحر واندثر.
-    قضاء قد تدني، فهل يصلح ليكون حكما بين الناس!!!، حتى لو كان بين القضاء شرفاء ألا يحتاج الأمر إلى وقت طويل لتأهيل شباب جدد ومحامين وطنيين لكي يعدلوا ميزانا قد انقلب وعدلا قد انسرب. 
-    جهاز شرطة قد تهري، فهل يمكنه العمل مع شعب جديد يريد حقه من هذا الجهاز قبل أن يسمع له، فكم مقتول أخوه وكم محروق له دار أو جار يريد حقه ممن يجب أن يكون حارسا له بعد زوال فتنة الانقلاب! ولا أظن أن بهذا الجهاز شرفاء إلا نادرا، فأمره من بلا شك من أصعب الأمور، ولا أدري كيف سيعاد بناء هذا الجهاز، فطرد خمسين ألف موظف بدرجة ضابط أو غيره يعملون بهذا الجهاز كارثة وتركهم في الجهاز كارثة أكبر, صحيح أنه سيسجن بعضهم ويعدم بعضهم ويهرب بعضهم، لكن غالبيتهم مجرد تابعين أقذار في بلد نظيف بعد الانقلاب، كيف يكون التعامل معهم لا يدري أحد منا حلا لهذه المعضلة !
-    إعلام قد تبذل وأمره هين، فالشرفاء في الإعلام رغم قلتهم قادرون على أعادة التوازن وفضح الدجالين، وربما هروبهم قبل الفضيحة، وقد أخذوه من الملايين ما يكفيهم لتسكع في بارات باريس حانات لندن.
-    وشعب قد تخوخ وتخمرت في رأسه مقولات الكذب حتى شك في العلم والعلماء وصدق الأسافل والحمقى، ماذا نحن فاعلون مع أمثال هؤلاء؟! هل سيدفنون رؤوسهم ويسكتون؟ لكنهم جزء من الشعب يُعد ميتا وهو يتنفس، سنضطر لحمله في نعشه سنوات نطعمه ونسقيه، فمنهم الأخ والزميل والجار والقريب!!!! وهو عبء على أمة ناهضة بلا شك تحتاج إلى جهد جبار لتفوق من كبوتها وتقوم من عثرتها.
وهاك نموذج لمن سنتعامل معه بعد سقوط  الانقلاب قد تتضح معه الصورة أكثر فأكثر:
قال لي أحد هؤلاء، ماذا أنتم فاعلون بنا بعد سقوط انقلابنا؟ وهو على يقين بسقوطه مثله مثل كثيرين من قيادات العسكر وحاخامات اليهود وقساوسة النصاري غير أن عبيدهم في الوهم نائمون و في الحلم تسمع لهم غطيطا.
قلت سنفعل بكم ما كنتم تنون فعله بنا؟
أشار إلى رقبته بالذبح.
قلت هذا قصاص عادل قد لا تستحقونه حينها.
لكن مثلكم ستذبحون كل يوم دون أن تموتوا إلا بأجلكم المحتوم.
قال كيف: قلت كما يفعل العامة بعاهر يبثقون عليها كلما مرت أمامهم، أو نفضحكم بالجلاجل؟ قال وما الجلاجل؟ قلت ألم تسمع المثل المشهور (فضيحة بجلاجل) قال ماذا يعني قلت له: كان هناك من ارتكب جريمة السرقة بحق أهالي إحدى القرية، فحكم عليه القاضى أن يركب الحمار مقلوبا ويرتدى ملابس المتشردين، ويقوم المارة بتعليق الأجراس أو الجلاجل فى رقبته، لتصدر هذه الأجراس أصواتا كلما تحرك الحمار، ويقوم الحمار بالسير في جميع أرجاء القرية، وتعرف عندنا بـ”زفة الحمار”. فأصبحت مثلا لمن تسول له نفسه سرقة أهل قريته، فما بالك بمن سرق حلم أمة وشعب أمثالكم.
ضحك وقال سأنضم إليكم يومها، قلت كان بإمكانك قبل الكاشفة، أم بعدها فلن تستطيع، قال وما الكاشفة؟ قلت فتنة الانقلاب التي فرحتم بها، فهي الكاشفة التي كشفت المنافقين والحاقدين على الإسلام من إندونيسيا شرقا إلى اشبيليا غربا وليس فقط في ربوع مصر المحروسة. وقد وثقنا ذلك في كل حي ونجع قرية ومدينة. ففي كل جامعة عُرف من هو صاحب الجلاجل وفي كل عائلة وثق أهلها أصحاب البراقع.
قال وهو يتنهد حسرة نعم اكتشفنا أنكم أكبر مما تخيلنا بكثير؟ لكنكم أعداء الوطن: قلت عدو الوطن من تتحقق فيه شروط أربع؛ لو كانت فينا نكون بالفعل أعداء الوطن ولو كانت فيكم تكونون أنتم أعداء الوطن قال اذكرها:
- الخيانة. قال أنتم الخونة، قلت لكن لم نتفق ما هي الخيانة؟ قال ما هي؟ قلت هي محاربة تراث الوطن دينا ودنيا. تابع ما جاء عن إعلامكم منذ الانقلاب.
-   العمالة، قال أنتم عملاء، قلت العالم كله يتهم إخوان العالم بأنهم عملاء لإخوان مصر، مع عدم صحة الاتهام، لكن إخوان مصر عملاء لمن؟! أليس من يفرح لوجوده أكبر أعداء الوطن هو بعينه عدو الوطن. تابع ما تكتتبه عنكم صحف بني صهيون وغيرها ممن يكره وطننا الغالي.
- النذالة قال وما نذالتنا؟ قلت قتل الناس العزل في رابعة والنهضة وغيرها ستطاردكم أينما حللتم وحيثما كنتم.
- أما رابعة الأثافي فهي قبول الدنية في الوطن وتقزيمه قال كيف؟ قلت راجع تسريبات عباس ترشدك أنه أصبح لمغتصبي حكم مصر كفيل يأتمرون بأمره! وسيد يلهثون لإرضائه ويلعقون رابطة حذائه.
فماذا نحن فاعلون مع صعوبات ما بعد الانقلاب؟ ولا تتخيلوه بعيدا: "إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب". فلن يترك فقط أجهزة متهالكة واقتصاد منهار، بل سيترك للأسف أيضا شعب سيفوق من السكرة يطالبكم بالأجرة، وشعب آخر سيطالب بحقوق كان راض - تحت السوط والعصا- بغيرها تمام الرضا، وغيرها من المشكلات وأهمها وحدة صف الأحرار، وحسن استثمار الثورة، وما هذا المقال إلا تنبيه وتنويه لما يجب أن يفكر فيه الأحرار قبل اندحار العار. فيجب أن ندشن وسائل قوية وحلول عملية، فلا يكفي الانتظار أيها الأحرار.
 

المقالات المنشورة تحمل وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع