د/ فتحى أبو الورد

يعد أدق وأخصر تعريف - وقفت عليه - لأهل البغى ما جاء عند بدر الدين العينى الحنفى بأنهم : الخارجون على إمام الحق بغير حق .

ويعنى الفقهاء بخروج أهل البغى على الدولة أى خروج طائفة بالسلاح ، لهم قيادة  وشوكة على الحاكم الشرعى بغية عزله عن الحكم ؛ فإذا وقع هذا ؛ فإن للحاكم الشرعى - ومعه الأمة - أن يقاتلهم ، ويردهم عما أرادوا وعزموا .

والأدلة على وجوب قتال أهل البغى ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة .

أما القرآن فقد قال تعالى:" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"  الحجرات 9 .

(قال الإمام القرطبي المالكى : " في هذه الآية: دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام ، أو على أحد من المسلمين". وقال ابن قدامة الحنبلى فى الآية السابقة : فيها خمس فوائد منها : أنه – تعالى -  أوجب قتالهم.

وأما السنة : فقد روى مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن أعطى إمامًا صفقة يده، وثمرة قلبه، فيطيعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر"  .

وروى مسلم – أيضا - بسنده عن عَرفَجَة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون هنات وهنات". ورفع صوته: "ألا ومَن خرج على أمتي وهم جميع، فاضربوا عنقه بالسيف، كائنًا مَن كان" .

وقد أجمعت الصحابة كما ذكر ابن قدامة على قتال البغاة ، فإن أبا بكر، رضي الله عنه، قاتل مانعي الزكاة، وعليٌّ قاتل أهل الجمل وصفِّين وأهل النهروان.

وقد التبس على كثير من الناس توصيف الخارجين بالسلاح على الحاكم ، أمن أهل البغى هم ، أم من أهل العدل ؟

ولكن تعريف بدر الدين العينى لأهل البغي المشار إليه سابقا بأنهم الخارجون على إمام الحق بغير حق ، يعتبر معيارا  صحيحا ؛ نستطيع أن نميز فى ضوئه بين البغى وعدمه . فهو خروج وصف بالظلم من طائفة على إمام – حاكم - عادل ، ومن هنا وجبت نصرته ومعونته والدفاع عنه . أما إذا كان الخارجون أهل عدل ، وأصحاب حق على إمام جائر فليسوا ببغاة ، بل هو الباغى الجائر، وإذا كان الخارجون ظالمين على حاكم ظالم جائر فهذا الذى نهى الإمام مالك عن إعانته بقوله : " دعه، وما يراد منه ، ينتقم الله تعالى من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما " .      

وقد رأينا من البغاة المعاصرين من يخرج على الحاكم الشرعى اتباعا للهوى ، وانتصارا لطائفة ، وارتهانا لعدو خارجى ، ليس لهم تأويل سائغ ، ولا لهجة صادقة .

وسيظل البغاة لاشرعية لهم ، مهما حاولوا أن يتهربوا من دائرة أهل البغى ، ويجملوا وجههم باكتساب مظلة رسمية مزيفة ، إنها محاولة الهروب من الواقع إلى الإيهام بتغيير المواقع ،  إلا أن ذلك لن يغير من الحقائق شيئا ، وسيبقى الباغى باغيا ، والشرعى شرعيا .