هشام المنصور


مع انطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن أنبرت الأقلام تبارك وتبرر هذه الضربات بمبررات هدفها كسب التعاطف الشعبي واستغلال الحدث لتحقيق أهداف متعددة, ومع اتفاق الكاتب على ضرورة هذه الضربة الموجعة لحلفاء الحوثيين الرئيسيين، وأنها تمت ببراعة واستطاعت أن تكتسب تعاطف وتفهم دوليين بعكس الفشل الذي تم من النظام المصري عندما قام بضرب المدنيين والأطفال في ليبيا مع فشله أيضاً في إيجاد أي تعاطف عالمي، على الرغم من التلويح بورقة الارهاب المحتمل التي بليت من كثرة الاستخدام، ولكن دعونا نسبح ضد التيار قليلاً لنحرر الأسباب الحقيقية وراء تلك العاصفة.
من الأسباب التي يسوقها الجميع لهذه الضربة أنها تمت لمساندة الشرعية الدستورية للرئيس المنتخب "هادي" كما أنها جاءت رداً على التدخل الغير معلن لإيران في القضية بمساعدة الحوثيين ومدهم بالسلاح، فأما عن الشرعية فيدحضها تأخر العملية نحو ستة أشهر وتحديداً منذ سقوط صنعاء في إيدي الحوثيين دون مقاومة تذكر في سبتمبر/أيلول 2014، أو عندما أعلن عبد الملك الحوثي في خطاب له يوم 20 يناير/كانون الأول حيث قال تصاً إن "طموحاتنا لا حدود لها والخيارات مفتوحة" فلماذا لم يأتي الرد عند كل ذلك؟، كما أن الحديث عن شرعية رئيس استقال في يناير/كانون الأول 2015 ثم عدل عنها يعيد للأذهان الموقف المصري في وجود رئيس ودستور ومجلس منتخب تم الانقلاب عليهم مع حبس الرئيس بمباركة ومشاركة ودعم وتدبيرعدة دول من المشاركين في عاصفة الحزم، إذا فالشرعية سبب واهي وغير منطقي، وجل ما يقدمه هو تسويق دبلوماسي للضربة، فهادي المستقيل أضعف شرعية من مرسي الذي رفض الاستقالة وتمسك بشرعيته.
وقبل التطرق للسبب الثاني يجدر الوقوف عند نقطة هامة تتعلق بنظام مجلس الأمن الذي يتأكد ضعفه ووقوعه تحت السيطرة الأمريكية، فلم يخول مجلس الأمن التحالف الجديد ضرب اليمن، ولم تصدر قرارات من جامعة الدول العربية، كما أن التحالف تعدى تلك الدول بانضمام باكستان له، ولكن مباركة أمريكا وفرنسا وأنجلترا تكفي للتدخل وضرب أي أهداف في دول مستقلة، كما أن تلك الضربات وإن حظيت برضا في المجتمع السني إلا أنها أثارت تساؤلات حول التناقض في الوقوف مع شرعية ما واسقاط غيرها، وحقن بعض الدماء ومباركة القتل في أماكن أخرى، لذا لم نرى مظاهرات شعبية مؤيدة لها مع الاقرار بقبولها.
أما السبب الثاني للضربة والذي يتلخص في تدخل إيران وانحيازها الواضح للحوثيين فقد تعدت المساعدات الإيرانية لنظام بشار الأسد من السلاح والعتاد إلى الجنود والمقاتلين، وقد تواترت الأنباء على وجود مقاتلين أيضاً من حزب الله اللبناني بجوار جيش بشار، كما أن القتل والحرق في سوريا فاق ما يحدث في اليمن، ولقد تخطى عدد اللاجئين السوريين حاجز الثلاثة ملايين. كل هذا لم يدعو لوجود تحالف لوقف نزيف المسلمين أو وقف المد الايراني في المنطقة، كما أن الحديث عن دماء المسلمين يدحضه أيضاً المذابح التي تمت من الانقلابيين في مصر في رابعة والنهضة، أو الحروب المختلفة التي يشنها الجيش الصهيوني على غزة ولم نسمع بمجرد التلويح بتحالف أو خروج طلعات جوية هنا أو هناك.
إذا فالأسباب الحقيقية لعاصفة الحزم تتعدى الشرعية أو حمل لواء السنة وحقن دمائهم من الخطر الشيعي، وإنما السبب الحقيقي هو أن هذا الخطر الشيعي وصل إلى حدود السعودية التي تستطيع بما تملك من موارد أن تجمع المتحالفين وأن تحيد أمريكا، ولو اكتفى المد الشيعي بصنعاء وسوريا والعراق ولبنان وفقط لهان الأمر.
ولابد من الاعتراف أن المملكة العربية السعودية قد نجحت في هذه العاصفة من أكثر من وجهة فهي لم تعتمد على (مسافة السكة) التي يقوم النظام المصري بالتلويح بها كل فترة كنوع من الابتزاز يحصل به على مزيد من المنح والأموال (الرز)، كما أنها أعطت هذا النظام الانقلابي درساً جيداً في كيفية عمل التحالفات، ففي الوقت الذي فشل فيه العسكر في مصر عسكرياً ودبلوماسياً في ضرب ليبيا، كما فشل في محاولة عمل جيش عربي موحد لاجتياح ليبيا لمساندة نظام انقلابي وبرلمان منحل دستورياً، كانت المملكة تقوم بتحالف يضم دول غير عربية مثل باكستان ويحظى بدعم دول كبيرة في المنطقة مثل تركيا.
قد لا تكون عاصفة الحزم هي نهاية المطاف وأغلب الظن ذلك، ولكن هل تؤسس تلك العاصفة وهذا التحالف لنظام جديد يوقف مهزلة سوريا، ويقف مع الشرعية أينما كانت؟.