أحمد القاعود

قد يضاف فى يوم من الأيام عيد قومي جديد، لجملة من أعياد تحتفل بها مصر الرسمية، بجوار عيد انقلاب 23 يوليو، وعيد تحرير سيناء فى شهر أبريل، وعيد الشرطة فى يناير، العيد الجديد سيكون عيد ميلاد محمد بن زايد ولي عهد الامارات.

مصر الكبيرة تضاءلت لحد أن يستقبل القابع فى قصر رئاستها ولى عهد امارة من سبعة امارات، فى المطار، إذ لم تشهد البروتوكولات الرئاسية فى كافة دول العالم تقريبا، الاقدام على هذه الفعلة، المنافية لقاعدة أن الرئيس يستقبل رئيسا أو ملك، بينما قد يحدث العكس فى أحيان كثيرة أن يستقبل شخص على مستوى أقل من الرئيس، ضيفا كبيرا فى حجم نفس رئيس ونفس الملك.

وفى زمن الانقلاب، كل شئ انقلب!! فمطالعة لصحف وتقارير اخبارية وتصريحات لنجوم سياسة وفضائيات، لفترة زمنية ليست بالبعيدة، وهي فترة سابقة على الانقلاب العسكري بشهور، يمكنك الاطلاع على كمية واسعة من التشهير برئيس منتخب، وحجم ضخم من بذاءات هنا وهناك، بسبب استقبال مسؤولين أجانب، ليسوا رؤساء، له عند زيارة دولهم، الجديد الآن أن ما يسمى بالرئيس تضاءل حتى أصبح هو فى استقبال من يكون فى استقبالهم رؤساء مدن وربما أحياء، وأمامه حالة مخزية من صمت سيء النوايا، فى عتمة أشبه بعتمة ما قبل التاريخ.

فى مصر المغدورة، الواقعة تحت يوميات مرعبة، لعمليات قتل وتصفية جسدية لمعارضين يتطلعون للحرية، و شوارع تصحو وتغدو على أعداد لا تحصى من التفجيرات والقنابل، أصبح الاحتفال بعيد ميلاد نائب حاكم امارة، وطبع صورته على "تورتة" ليقطعها معه رئيس جمهورية، فى صورة مهينة لرمز الدولة، بعيدا عن كونها غير مقبولة فى مجتمع لا يشاهد مثلها الا بين عروسين، أمرا مهما للتغاضي عن أزمة بوتاجاز و وقود وطاقة، تضرب بعنف وقسوة، سلام الأسرة المصرية.

هذا التضاءل لدولة بحجم مصر، لتكون أقرب إلى حجم " تورتاية" لا مكانة لها بين الدول، ولا تأثير لها خارج الحدود وداخلها، لم يجد من يتصدى له من أبواق طالما قامت بعمليات نصب ودجل اعلامي، أصوات زعقت زورا باسم مصر والمصريين، والآن تؤيد وتخرس باسم مصر والمصريين.

وفى مجتمع انشغل اعلامه ونخبته بالدفاع عن كلب تعرض لخيانة صاحبه وتظاهرت سيدات طبقته العليا للقصاص له، لم يعد غريبا أن تكون عمليات القتل وتأييدها شيئا طبيعيا، اذ لا منطق يسود ولا قواعد تحكم.

صور التضاءل لم تقتصر على التهليل غير المسبوق لمؤتمر يسعى لجذب الاستثمارات، يستهدف النظام من ورائه جذب 50 مليار دولار، وكأن هذا المبلغ الضخم هو طوق النجاة له، وليس للشعب المغيب المخدوع تارة بانخفاض الأسعار، وأخرى بقناة السويس، وثالثة بمشروع المليون الوحدة سكنية، ورابعة بعلاج الايدز وفيروس سي بالكفتة، فمبلغ لا يقل عنه كثيرا انهمر على خزائن الحكام الجديد خلال عام ونصف تجاوز ال 30 مليار دولار، هذا المبلغ الضخم لا يعرف أحد أين أودع ولا أين أنفق، ولا من صاحبه.

صور التضاءل دشنها الانقلاب العسكري، بأكبر عملية تزييف فى التاريخ، عندما صور مخرجه السينمائي قطاع من المتظاهرين فى ميدان التحرير، وصفهم الاعلام ووسائل الدعاية المدارة من غرف مغتصبي السلطة الجدد على أنهم 33 مليون شخص على الأقل، لمكان لا يمكن بأي حال أن يستوعب أكثر من 800ألف شخص.

صور التضاءل كانت فى معظمها رهيبة ومروعة، كان الأكثر فزعا فيها هو قيام جرافات تابعة لجيش مصر، العشرات من جثث أبنائها بعد حرقهم أحياء فى أكوام القمامة، فى أبشع مذبحة انسانية فى العصر الحديث كله، هذه الصور تمثلت أيضا، فى تقييد المعتقلة دهب بالأصفاد فى سريرها أثناء عملية ولادة، وفى صورة طفل يستجدي أمه الشهيدة للعودة للحياة، وفى صورة طفل يجلس على درج منزله الغارق فى دم أبيه المقتول برصاص مليشيا الأمن.