حازم سعيد :

كثرت دعوات المصالحة هذه الأيام داخل معسكر الانقلابيين ، وداخل بعض مؤيدي الانقلاب من الطبقات المقتاتة عليه ، مع تبريرات داخلية فيما بينهم من نوعية أن الإخوان جيرانهم وأحبابهم ، وفيها إيه لما يتصالحوا معهم .. .الخ

وكثرت الأحاديث على الصفحات الاجتماعية المؤيدة للانقلابيين أو التي لا ظاهر لانتمائها حول مبادرات للإصلاح مع الإخوان وأن دولاً ما ستتوسط في هذا الموضوع ، وتحدث البعض في التفاصيل حول إعطاء الإخوان ديات لشهدائهم ، بل وتوغل البعض في تفصيل رقم الدية وأنه يصل إلى 300 ألف جنيه لكل شهيد .. إلى آخره .

لي مع هذه الدعوات والمبادرات –  المزعومة  –  مجموعة من الوقفات :

 

أولاً : ما بيننا وبين الانقلاب :

إن ما بيننا وبين الانقلاب ليس خلافاً حول قطعة أرض ( بنقسمها ) ، وليس خلافاً حول مسألة اجتهادية يسعنا الخلاف فيها فنختلف ثم نصطلح .

إن ما بيينا وبينهم اختلاف أيديولوجي حول هوية مصر الإسلامية ، وإن ما بيننا وبينهم اختلاف حول دماء سفكت غدراً وولدت ثارات ، إن ما بيننا وبينهم أعراض انتهكت وبنات ونساء اغتصبن على يد مجموعة من الخنازير .

إن ما بيننا وبينهم أعمار وحريات مهدرة داخل السجون ، إن ما بيننا وبينهم خيرة أفذاذ وصالحي وعلماء الأمة مطاردين ومشردين .

بيننا وبينهم مئات وآلاف النفوس البريئة التي شوهت سمعتها ، ومئات الحقائق المطموسة والأجيال الممسوخة على يد إعلامهم وتعليمهم إفكاً وزوراً وتضليلاً .

بيننا وبينهم مليارات منهوبة مسروقة من مقدرات هذه الأمة ، إن ما بيننا وبينهم بلد تسرق ويبيعونها بثمن زهيد للصهاينة وللإماراتيين ولكل تاجر نخاسة يشتري البلد بثمن بخس دراهم معدودة .

بيننا وبينهم خيانة عهود ومواثيق وأيمان مغلظة انتهكوها .

أيحق لعاقل بعد هذا أن يفكر في مصالحة أو مهادنة أو موادعة .!!

لقد وضعنا العسكر بحر إرادتهم على طريق المعركة الصفرية التي لا تبقى لثورتنا مجال اختيار ، إن الثأر والقصاص وتطهير مصر من أولئك الخنازير المجرمين عملاء الصهاينة  ليس فضولاً من القول أو العمل ، بل هو حتم ومصير لازم لا فكاك عنه ولا رجوع ، وهو اختيار استراتيجي محسوم .

 

ثانياً : قصاص أم دية  :

مع الجرائم التي سردتها في النقطة السابقة ، لا يمكن لعاقل أن يخوض فيما يسمى الدية ويجعله سقف مطلب لنا نحن الثوار ، القضية بالنسبة لنا ليست قضية " فلوس " نعوض بها غياب أحبابنا ورفاقنا .

وشهداؤنا الذين غدروا لم يكونوا قتلى بالخطأ حتى نتحدث عن دياتهم ، إنما هم مغدورون بيد خنازير تنظيم الخونة ( العسكر ) ، شهداؤنا في كل مذابحهم بميادين مصر وعلى رأسها رابعة والنهضة ، أو في المظاهرات في كل المناسبات ، وفي السجون والمعتقلات بالتعذيب ، أو في السجون والمعتقلات بتعمد الإهمال الطبي معهم ، أو في السجون والمعتقلات بأحكام إعدام خسيسة وغير نزيهة من قضاء مأجور يأتمر بأمر تنظيم الخونة وينفذ ما يريدون دون ضابط ولا قيد .

أفيحق لعاقل بعد هذا الغدر أن يساوي بين القصاص الثوري العادل الناجز الرادع وبين دية نضحك بها على ذوي الشهداء وأصحاب الدم والثكلى ؟ تلك إذاً قسمة ضيزى .

 

ثالثاً :  العهد والميثاق :

وإن من تربى مثل تربيتنا نحن الإخوان ، ومن عرف قيمة الأخوة في الله ، ومعنى الحب الذي تكنه قلوبنا لبعضنا البعض ، يتيقن من معنى الثكل الذي نعانيه ويجعل مجرد أن يحلم الواهمون أننا يمكن أن نفكر في قبول ما يطلقون عليه " الدية " مقابل دماء إخواننا التي سفكت .. أقول : يتيقن أن مجرد الحلم أن نفكر في ذلك هو من الوهم والسراب ، بل هو والخيال سواء .

إن ما بيننا وبين ربنا الكريم ، ثم إن ما بيننا وبين ديننا القويم ، ثم إن ما بيننا وبين إخواننا الذين قضوا أو اعتقلوا أو شردوا وطوردوا عهود ومواثيق مغلظة ، وما لا يعلمه العسكر الخائنون أننا نموت ولا نخلف عهدنا وميثاقنا ، وموت كريم حر شريف ( سماه إمامنا ومؤسس هذه الدعوة المباركة : الموتة الشريفة ) أقول أن هذه الموتة الشريفة أحب إلينا من أن نخون دم إخواننا الذين عشنا معهم ( الحلوة والمرة ) ، حلمنا سوياً وفكرنا سوياً أكلنا وشربنا وثرنا وسافرنا وتآخينا وتعلمنا معهم ومنهم الحب والإيثار ... إن ما بيننا وبين هؤلاء عهود ومواثيق ، ولهم في رقبتنا ثأر وقصاص ، فلا فكاك عنه ولا محيص .

فلنمت ميتة شريفة عزيزة نلقى بها ربنا الكريم الذي نحب لقاءه – سبحانه – خير لنا من أن يتوفانا بخيانة ونكص عهود ومواثيق ، والله إن بيننا وبين ذلك بعد المشرقين .

 

رابعاً : لماذا نثور ؟

وإن الذي ينظر في ثورتنا وأسبابها ودوافعها يتيقن له أن مثلنا لا يقبل بهذه الدعوات ، فلم تكن ثورتنا لنحقق ملكاً أو نستزيد وجاهة ، أو نحقق منصباً أو مغنماً ، إنما ثورتنا نوع من جهاد السلطان الجائر الظالم عميل الصهاينة وأعني به النظام الفرعوني الذي أسسه العسكر وانتهكوا به البلاد والعباد والحرمات .

لقد ثرنا من أجل أن تكون لنا الكرامة في أوطاننا ، فأي كرامة نحققها ونحن نقتل ونغتصب ونشرد ثم يعرضون علينا الدية ويظنون أننا سنقبل صاغرين !

لقد ثرنا من أجل حرية بلادنا وأن يكون غذاؤها ودواؤها من كسب يدها ، وأن تزدهر وتتقدم وتكون في مصاف الأمم الرائدة ، فكيف يتم ذلك على يد متخلفي العسكر الذين يقودون البلد بالخيانة والغش والتدليس والتزييف والفهلوة .

لقد ثرنا من أجل أن يتوقف بيع مصر بثمن بخس ، ومن أجل أن يتوقف مجموعة البلطجية من تنظيم الخونة الذين يسمون بالعسكر عن سرقتهم ونهبهم المنظم المستمر لخيرات ومقدرات البلد ، فكيف يستقيم ذلك وهم يجثمون على صدرها ويظنون أننا سنكتفي بدفعهم للدية !

لقد ثرنا ضد كم من المظالم والخيانة والقهر والانتهاك تتعرض له بلادي على يد تلك الفئة الطاغية الجبانة فكيف نرضى بأن نضع أيدينا في أيديهم ، والله ليس ذلك بالإنصاف ، أن تقول للمغدور المقتول المشوه سمعته والمسروق بلده وأرضه ومكانته المستحقة بالغدر والدس والتآمر والخيانة .. اقبل بكل ذلك وسندفع لك الدية ! تلك إذاً قسمة فاشلة جائرة !

ما الذي تحقق مما ثرنا لأجله حتى نرضى ونقر للعسكر بوجودهم ونقبل بدياتهم .. والله لا نقبل إلا بالثأر والقصاص منهم وهم المجرمون الآثمون ، ولا نقبل إلا بنسفهم نسفاً ، وإزالتهم إزالة لا تبقى ولا تذر  .

إن ثورتنا أيها السادة قرار استراتيجي وليست فضولاً من الوقت أو المال ، إنما هي نوع من الجهاد ، وهي من كلمة الحق عند السلطان الجائر ، وهي مما لا نتنازل عنه ولا نتخلى إلا أن نموت شهداء لاحقين بركب من سبقنا من إخواننا .. ولأني أعرف أن هذه هي روح الإخوان كل الإخوان هم ومن تخندق معهم في صف ثورتهم ، لذلك فإني على ثقة من موعود ربي الكريم العزيز بالنصر ، ويسئلونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً .

 

 كبسولات :

1. حدثني بعض الأحباب عن خشيته من أن يقوم الأهبل الهاشتاج بتكرار سيناريو إخوان الأردن المعتمد على إصدار تصريح بجمعية للإخوان لبعض المفتونين ( يطلق عليهم الإعلام منشقين ) كالهلباوي أو نوح  أو الخرباوي  ، ليوصل رسالة للعالم أنه لا يحارب الإخوان ، وأنه مصرح للإخوان بممارسة أنشطتهم ، خاصة بعد لقائه مع بعضهم .

ومع أني تعلمت من تجربة الانقلاب ألا أستبعد فكرة أبداً ، مهما بدت غريبة ،إلا  أني لست مع الذين يقولون أن علينا أن نستعد لذلك ، ذلك أنك إذا تدبرت الموضوع فستجده صعب المنال للانقلابيين بشدة ، لأسباب منها : تماسك صف الإخوان وتلاحمه الذي أعطاه الله سبحانه لهذه الجماعة المباركة والتواصل المتين بين الصف والقيادة ، ومنها تهافت ( وتفاهة ) الشخصيات الانقلابية التي انتمت سابقاً للإخوان ووضوح فتنتها وافتقادها لأي رصيد شعبي أو إعلامي أو قبول .. البيئة مختلفة والأجواء غير ممهدة فهي فكرة فاشلة من الأساس ، ولا أرى أن علي الإخوان أي خطوات استعدادية ، فلقد استعدوا من قبل على مدار عشرات السنين بالتربية وتمتين الصف والأخوة الصادقة .

2. من يريد أن يفهم كيف يفكر الانقلابيون يسمع لسميح ساويرس على القاهرة والناس وهو يقول : إن فساد الاقتصاديين بمصر خير لها من وقف الحال وأقل ضرراً ، ولا أدري كيف انقلب المنطق والمعقول من الأمور لهذه الدرجة ، كيف يمسخ هؤلاء عقل مشاهديهم لهذا الحد ، وكيف يصدقهم الناس ؟ أوصلت الخفة لمن يشاهدهم لهذا القدر ؟!!!!!

3. إعدام المظلوم محمود رمضان هو خطوة من خطوات طريق اللا عودة الذي سلكه تنظيم الخونة ، والطريقة التي غدره بها القضاء الفاسد مع الانقلابيين لهي من العوامل التي تورثنا العزيمة على الاستمرار في ثورتنا وألا ننفك عنها أو نحيد ، ولسوف يأتي اليوم الذي نثأر فيه لدمه ولكل الدماء التي سفكها تنظيم الخونة منذ خالد سعيد وما قبله وما بعده .. لسوف يأتي اليوم الذي نثأر فيه لكل شهدائنا ومغدورينا إن شاء الله .. والنصر صبر ساعة .

==========

[email protected]