أحمد القاعود

فيديو بشع تداوله قطاع من مستخدمي التواصل الاجتماعي فى مصر، لعدد من الأشخاص يعذبون كلبا ثم يذبحونه، بمنطقة الهرم بالجيزة، كفيل بالكشف عن حالة من التردي والانحطاط الانساني انتشرت مع موجة 30 يونيو التى جاءت بانقلاب على القيم الانسانية ككل، وليس انقلابا عسكريا على سلطة منتخبة فقط.

الفيديو البشع الذي عرفت قصته فيما بعد، أن مشاجرة حدثت بين صاحب الكلب وعدد من الأشخاص، تدخل الكلب فيها لمناصرة صاحبه وفاء له، كان الأبشع فيها أن اتفاقا للصلح جرى بين طرفي النزاع، انتهى إلى أن يقدم الكلب قربانا من صاحبه لخصومه، ويذبح بهذه الطريقة المأساوية، دون رحمة ورأفة.

قسوة المشاهد ومأساوية الحدث، وخيانة صاحب الكلب، استدعت إلى الذهن على الفور جرائم وحشية وقعت بحق بشر ينتمون لنفس العرق والوطن والدين، حرقت جثثهم وألقيت فى أكوام القمامة من قبل سلطة همجية، لكنها لم تثر كم الفزع والتعاطف الذى ناله المشهد الرهيب لذبح الكلب.

فالضحايا المصريون، وهم شهداء الحرية لوطن طامح وبقوة لعزل تلك الفئة البعيدة كليا عن أي معايير وقيم انسانية، كانوا جيرانا وأقارب وأصدقاء لأناس رقصوا على جثثهم وفرحوا لموتهم، بتوجيهات من دعاية نازية سوداء، لا تقل ارهابا عما فعله النظام العسكري بمعارضيه.

واقعة الكلب، صاحبها مقتل اثنين من المعتقلين السياسين تعذيبا فى أقسام الشرطة التابعة للنظام، أحدهما محام، تجاهلته نقابته، والقائمين عليها، الذين صدعوا الرؤوس يوما ما بقضايا وهمية، وطالما رددوا شعارات من قبيل "كرامة المحامي"، لكن معارضي السلطة أي كانت مهنهم، فانهم لا بواكي لهم.

التعذيب الوحشي المستمر منذ 30 يونيو، وخرست أمامه كل الألسنة التى تاجرت بكافة القضايا، بدء من سد النهضة، واحتكار الدين، وحرية الاعلام، وحقوق المرأة وحتى حمادة المسحول، لا يجد الآن من يوقفه أو يتصدى له، فى بلد صار دستورها العبث، وقانونها هو قانون الغابة.

وليس أسوأ من جرائم النظام ونخبته، الا احالة الطفل محمد مجدي، وهو لم يكمل بعد عامه الثامن الى محاكمة عسكرية بتهمة تفجير محولات كهرباء، هذا الخبر الذى قد يعتبره البعض نكتة ثقيلة الظل، أو ادعاء من معارض للسطلة على خصومه، وقع بالفعل ليكشف أمام التاريخ أن مرحلة الانحطاط والتردي أخذة فى الاتساع، بصورة لن يتمكن أحد من رتقها فى مستقبل قريب، ولن تندمل جروحها فى زمن يأمل قدومه.

واقعة الطفل المحال لمحاكمة عسكرية وصوره التى يتم نشرها وهو يمسك بيده لعبة على هيئة دب، أعادت للأذهان أولئك الذين اتهموا جماعة الاخوان المسلمين بالعدوان على الأطفال والمتاجرة بهم ابان اعتصام رابعة العدوية، عندما حملوا أكفانا للفت نظر العالم المتعامي، قصدا، عن عدة مذابح متكررة وقعت ضد ذويهم والمنتمين اليهم.

الواقعة المذكورة أثارت جوقة النظام وسدنته، للتنديد بها على اعتبار أنها ضد حقوق الطفل، وضد الأعراف والقوانين المحلية والدولية. هذه الجوقة نفسها، التى تحركت بأمر من أجهزة السلطة وقتها، هى نفسها التى تعامت عن مهزلة تاريخة، بدأت عندما سمح رجل أمن لضميره أن يلقي القبض على طفل لم يبلغ الثامنة، مرورا بقبول رجل قضاء أن يجري معه تحقيقا من الأساس، وحتى احالته لمحاكمة عسكرية.

ومابين واقعة الكلب المروعة واحالة طفل الي القضاء العسكري، وبينمها ألاف الحالات من الانتهاكات والجرائم الوحشية ضد الانسانية، يثور التساؤل عن مستقبل الضمير المصري تحت حكم 30يونيو العسكري؟! اذ تحت "بيادة" هذا الحكم ظهر على السطح لأول مرة فى التاريخ الحديث أن مصريا يقبل أن تمارس السلطة كل هذه الوحشية بحق جار له أو صديق وربما قريب، ويظل هو فى صمته ان لم يكن يوجه الشكر لسلطة ارهابية تنتهك كل القوانين والأعراف.

والواقع يقول أن جرائم النظام العسكري واتهاكاته المتتالية، وتأثير وسائل الدعاية التابعة له على المصريين، لن يزول أثرها قريبا بعد سقوط النظام، فعملية تقسيم الشعب، ونزع الضمير عن قطاع لدفعه لقبول القتل والتعذيب الوحشي، فى مقابلة قطاع أخر مصمم على التمسك بضميره، سيكون أثرها كبير، والتعامل معها لن يكون سهلا.