بقلم: شعبان عبدالرحمن(*)
لم يعد القلم يستطيع ملاحقة مشاهد الدماء والدمار والإبادة الدائرة على المسلمين - المسلمين وحدهم - على امتداد العالم.. بل لا أبالغ إذا قلت: إن العين لم تعد قادرة على متابعة النعوش المحمولة على الأعناق ومئات الجثث بأكفانها البيضاء وهي توارى الثرى، وهذه الأحداث المتسارعة التي يزاحم بعضها بعضاً، من فلسطين إلى العراق، ومن كشمير إلى آراكان «بورما»، ومن الشيشان إلى أفغانستان، ومن مناطق المورو جنوب الفلبين إلى مناطق «يالاناراثوات» و«بتاني أوفطاني» في جنوب تايلاند، ومن آراكان في بورما إلى سريلانكا.. إلخ.
فالمقصلة تدور بأقصى سرعتها على رقاب الشعوب المسلمة وحدها؛ اضطهاداً وتطهيراً عرقياً في بورما (الروهينجيا)، واعتقالاً وتعليقاً على المشانق في بنجلاديش، ذات الأغلبية المسلمة، ويحكمها نظام علماني متطرف موال لهندوس الهند، ولا يقل حقداً عن الصهاينة، ومذابح واسعة للمسلمين في أنجولا وأفريقيا الوسطى، وحكومات مسيحية تحكم شعوباً مسلمة بالحديد والنار في القارة الأفريقية.
ولا تكاد الحملة البوذية في بورما ضد الوجود الإسلامي في آراكان تضع أوزارها حتى انطلقت حملة بوذية جديدة ضد المسلمين في سريلانكا.. ولا يمكن لعاقل أن يفصل بين هذه وتلك عن الحملة الشاملة ضد المسلمين في شبه القارة الهندية وفي جنوب شرق آسيا التي توجه ضرباتها ضد المسلمين بصورة منتظمة وعلى فترات متقطعة؛ حتى لا تبدو الحملة حرباً شاملة من القوى البوذية والهندوسية الحاكمة في معظم بلاد تلك المنطقة.
في بورما.. عمليات القتل والطرد الجماعي للمسلمين (الروهينجيا) في إقليم آراكان بعد حرق منازلهم وتأميم ممتلكاتهم حتى باتت مساكن الروهينجيا خاوية على عروشها تقريباً بعد أن فر معظم السكان من مساكنهم، وتجري في الوقت نفسه عمليات محو لهوية المسلمين (15% من عدد السكان البالغ 55 مليون نسمة)؛ سعياً لتطهير البلاد منهم، ولا ننسى أن تلك البلاد كانت يوماً مملكة إسلامية عادلة.
نفس السيناريو يتكرر اليوم في سريلانكا، حيث بدأت رحى حرب ضد المسلمين هناك (مليونا نسمة من بين 22.238.000 نسمة، إجمالي عدد السكان)، الجاني هو نفس الجاني في بورما (المتطرفون البوذيون)، والضحية هي نفس الضحية (المسلمون)، والصمت العالمي هو سيد الموقف فلا ضمير ولا عقل ولا حياء عند العالم المتحضر!
وقريباً من سريلانكا وبورما يعيش المسلمون في تايلاند، (6.3 مليون بنسبة، 10% من تعداد السكان البالغ 63 مليوناً) تحت القمع، فبين الحين والآخر - كما يحدث بين معظم الأقليات الإسلامية في العالم - تنفذ السلطات عليهم مخططها الديموجرافي الرامي إلى تفتيت كتلتهم السكانية وإضعافها بزرع موجات من البوذيين (غالبية السكان) حتى أصبح المسلمون أقلية داخل الرقعة الضيقة التي حشرتهم فيها.. هذا إضافة إلى الرقابة العسكرية الصارمة عليهم وحرمانهم من حقوق المواطنة وقطع الطريق أمام نهوضهم أو العيش في أمان واستقرار.
ولا شك أن ذلك التضييق والتعسف وسط حياة مليئة بالمرارات يحرك مشاعر الإحساس بالظلم والرغبة في مقاومته والتخلص منه، وتلك مشاعر مشروعة ورغبات طبيعية عند كل من يقع تحت نير الظلم.
وبدلاً من أن تعالج السلطات الأمر بحكمة وتُجري حواراً موسعاً مع المسلمين؛ وتميز بين الذين يحتجون على أوضاعهم المأساوية بطرق سلمية وغيرهم ممن يحملون السلاح، إذا بها (سلطة الحكم) تكشف عن عنصرية دفينة وعن عقيدة دموية حيال المسلمين، تم شحن غالبية السكان (بوذيين) بها وشحنها أكثر لدى قوات الأمن، حيث يتواصل مخطط التضييق والقمع وانتهاك الحقوق.
وغني عن البيان هنا، فقد كان المسلمون في تايلاند، كغيرهم من الأقليات عبر التاريخ أصحاب دولة قامت بالعدل ومارست القسط بين الناس، لكن حقبة الاستعمار التي اجتاحت العالم الإسلامي أسقطت دولتهم وجرفتهم نحو الجنوب.
وعلى أرض أفريقيا الوسطى، يموت الضمير الإنساني، وتمرغ مصداقية أدعياء حقوق الإنسان في التراب، وتذبح الإنسانية والكرامة والمواطنة، وتتواصل المجزرة الوحشية ضد المسلمين منذ تنحية الرئيس المسلم «ميشال جوتوديا»، وإقالة حكومته على يد القوات الفرنسية في شهر سبتمبر الماضي !
وإذا نظرنا تحت أقدامنا ومن حولنا، فلن نجد الحال في بعض بلاد المسلمين بأفضل من تلك البقاع، وإن اختلفت الصورة، لكنها تصب في ذات الحرب على الوجود الإسلامي، وعلى المسلمين، حتى وإن كانت تلك البلاد محسوبة على الخريطة الإسلامية.. ولله الأمر من قبل ومن بعد!
تلك مشاهد مأساوية تجسد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يدور اليوم هي حرب عالمية ضد الإسلام بامتياز، ولكنها تتنقل خطوة.. خطوة من أرض إلى أرض، ومن دولة لأخرى؛ حتى تظل الصورة مخففة ولا تبدو فجة، ولكن محصلتها الأخيرة بحار من الدماء تستنزف الجسد المسلم، بينما العالم صامت صمت القبور، وكأن عقداً غير مكتوبٍ قد تم إبرامه بين قوى الاستعباد الصغيرة والكبيرة، وأزلامها حول العالم، على تجريد المسلمين دولاً وشعوباً.. غالبية وأقليات، من كل مواطِن القوة وعوامل النهوض والانطلاق، والإبقاء عليهم ضعفاء متخلفين أو أقليات مشردة!
لكن المفاجأة أن موجات المقاومة أقوى من أمواج الدماء المتدفقة، وملاحم الصمود والبطولة التي تسطرها النساء والفتيات والشباب والأطفال، تهزم حملات البغي المدججة بأقذر الأسلحة.. مازال جسد الأمة حياً بل ويزداد حيوية.. مع تزايد توجيه الطعنات.. لقد أرادوا قتله، فإذا بالحياة تدبُّ فيه من جديد، ومع تزايد الطعنات يزداد تدفق الحياة ويقف شامخاً في الميدان.
-----------------------------------------
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
https://www.facebook.com/shaban.abdelrahman.1?fref=ts
twitter: @shabanpress