حازم سعيد :

قمت بزيارة خاطفة لقلب الدلتا طنطا وجلست مع بعض الأحباب من الإخوان – وكل الإخوان أحباب – نتذاكر السير العطرة لشهداء طنطا والغربية الكرام وكثير منهم أعرفه وتعاملت معه خاصة الكريمين العظيمين أيمن الشافعي وعادل العناني ، وتذاكرنا معهم محمد العزب وأسامة رشاد وصلاح الحجري وأيمن أبو رحمة ...

كان أكثرهم ذكراً في هذه الجلسة – وكلهم لا يغيب عنا – الشهيد – بإذن الله – المهندس أيمن الشافعي حيث كل من كان يجلس له عشرات ومئات المواقف مع هذا العظيم الراحل بجسده ، الباقي بروحه ومواقفه وأخلاقه وآثاره الرائعة .

طبعاً كنت أسمع كلامهم عن الشهيد خاصة ذلك الأخ الفاضل الذي قلد لنا أسلوبه وهو يكلمه .. كنت أسمع هذا الكلام بدمع قلبي ، وما أن تركت الجلسة وركبت سيارتي في طريق عودتي إلا وسيول من الدموع تنهال جراء ما تذكرته لأخي الحبيب من مواقف خاصة معي .

كان آخرها قبل استشهاده بيومين داخل رابعة وقد التقيته أثناء تجوالي بالميدان ، وكنت قابعاً بالمركز الإعلامي كلما مللت أنزل لأتجول بالميدان بين خيمة وأخرى لأي محافظة فأقابل أخي فلان من المحافظة الفلانية وأخي علان من الأخرى ...

وكان أكثرهم نصيباً من تجوالي خيمة الأحباب في طنطا ، حيث كنت كثيراً ما أمكث مع كل شعبها .. والتقيته داخل خيمة شعبته الإخوانية قبل استشهاده بيومين ، وقلت له أنا عندي ليك وصية ملزمة ، فقال لي : حقك ، فقلت له : بجد ، قال : طب بس قول . فقلت : لو ربنا أعطاني الشهادة في هذه الأيام ، أو مت قبلك فوصيتي أن تمكث عند قبري بعد دفني ساعة كاملة ، ولا تغادر قبري إلا بعد الساعة ، وبعد أن تطمئن إلى أني خلاص سئلت وتقعد تدع لي . فضحك ، وقال : هو انت مفكر الشهادة تتاخد بالساهل كده ، وأشاح بوجهه إشاحة مداعبة ، وقال : بطل الكلام دا ، أهو دا اللى انتوا شاطرين فيه كلام وخلاص ، يقولها ممازحاً مداعباً ثم يحتضنني ، ويقول : رغم أني أريد لك الخير والشهادة ، بس مش عاوزك تموت ، علشان مش عاوزك تفارقني ، أنا أحبك وأريد أن تكون معنا قاعد كدا على قلبنا .......

أحفظ الحوار عن ظهر قلب وكأنه يدور الآن وأنا أكتب هذه السطور ، ولا أنسى لأخي الحبيب حواراً أو موقفاً على كثرتها معي .

كان أكثر ما يميزه بسمته الصافية ، لا أكاد أراه يقهقه فما كان مازحاً قط ، بل كان مجاهداً جاداً ينطبق عليه سلوك المسلم الصادق المجاهد ، ولكنه كان بسوماً خلوقاً ، لا تغادر البسمة وجهه .

كان الإخوان في طنطا حريصين على صناعته كرمز – لما له من طيب الخلق وحسن المعاملة مع الجميع – وكان بحق أفضل رمز إخواني يعرفه أهل طنطا .

ورغم ذلك لم يضعه الإخوان بالقائمة لاعتبارات متعلقة بالتحالفات مع الأحزاب وترتيب الأفراد في القائمة في انتخابات مجلس الشعب التي أعقبت 25 يناير ، والتقيته بعدها وداعبته لأرى مدى تأثره بعدم الترشح ، فإذا به يتبسم بسمته الرائعة الصافية ، ويقول لي : يا بني اسكت ، هو أنا مش كده باعبد ربنا ، وكده باعبد ربنا ، يبقى مش فارقة ، زي ما إخوانك يقولوا هنعمل ، هو احنا داخلين الإخوان علشان نبقى أعضاء في مجلس الشعب ؟

كان الحبيب أيمن الشافعي صادقاً مع نفسه ، لقد حسب الحسبة جيداً ووزنها مع نفسه ( كويس قوي ) ، وقطع التذكرة ، وركب القطار لآخر محطة ، ولم يتململ ولم يغادر إلا للمحطة النهائية .

تواصلت معه من أجل صديق عائد من السعودية أراد أن يقيم مبنى قديم عنده ليرممه أو يهدمه من الأساس ، وكان يحتاج لرأي مهندس ، فقلت له لو ترسل لي أحد المهندسين عندك في الشركة ، على اعتبار أنه مشغول وصاحب أعمال ولم يدر بخلدي أن يأتي هو أبداً ، وكان الأمر يستلزم سفراً منه ، فإذا به يقول لي : وليه مهندس من عندي وميكونش أنا .

فقلت له : معقول يا باشمهندس ، ميصحش أنا عارف مشاغلك ربنا يكرمك . قلتها وأنا في قمة الخجل والكسوف ، فإذا به يقول : وتحرمني من الصحبة وإني أقعد معاكم ليه ؟ وبالفعل سافر سفره الطويل في الموعد المضروب والتزم به وأنا وصديقي تأخرنا ، وقابلته وهو هاش باش مبتسم متواضع كعادته .

المهندس أيمن الشافعي كله خلق حسن ، وعشرة سهلة لينة ، وتواضع ، وكرم ، وجهاد ، ومثابرة ، وبذل للمال ولصدقة السر ، لو أردت أن تبحث عن القيمة الحسنة في أي مجال فابحث عن أيمن الشافعي تجدها ، لكني ومنذ استشهاده يسيطر علي صفة واحدة طالما أحببتها فيه وطالما أحبها فيه إخوانه ، وهيجها علي من زرتهم بطنطا ، ألا وهي البسمة اللطيفة الخفيفة الصافية الصادقة التي كان يتمتع بها .

إن أعجب من شئ فلن يفوق عجبي من أناس تحجرت قلوبهم وملكوا جرأة أن يدوسوا الزناد ليقتلوا مثل هذا الملاك الذي عاش بيننا يوماً ما وكأنه تاه عن دياره ، فلم يلبث بيننا طويلاً ليغادر إلى موطنه الأصلي هناك في الجنة ( بإذن الله ) .

حبيبي أيمن الشافعي : لا أتخيل أني لن أستطيع أن أراك ثانية في هذه الحياة الدنيا ، صحيح أن وجهك ومواقفك حية في قلبي ، ولا يمكن أن تغيب أو أنساك ، ولكن يبقى أني لن أستطيع أن أجدد مواقفي معك ولا أن ألتقيك في مواعيد ، ولا أن تزورني عند سفرك وتنتقد مقالاتي وتلومني على الإطالة وتهددني بالكف عن القراءة لي ...

أخي الحبيب : أسرد مواقفك ، وبسمتك الصافية أمام عيني ، وكلي أمل أنك الآن حي هناك عند المليك المقتدر ، روحك بجوف طائر أخضر تسرح في الجنة نهاراً وتأوي إلى ظل عرش الرحمن ، أسأل الله لك ذلك وأن يجمعني وإياك وكل أحبابنا العناني والعزب ورشاد والحجري وأبو رحمة وكل من تذكرنا من الشهداء مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة وأن يثبتنا حتى نلقاك غير مبدلين ولا مغيرين ...

------------

[email protected]