27/01/2010
د. عصام العريان
فى مقال "بالمصرى اليوم" الخميس 14/1/2010م دعا الأستاذ الكبير والمفكر د. محمد أبو الغار "الإخوان المسلمين " إلى التحرك العاجل الفورى لمحاصرة العنف بين المسلمين وبين المسيحيين والمناخ الطائفى الغريب على مصر والعمل الجاد لإزالة المشاعر المحتقنة فى المجتمع المصرى.
وأنا أضم صوتى من موقعى كمسلم وعضو فى الإخوان وقيادى مسئول بها إلى دعوته النبيلة وأذكّر إخوانى العاملين فى قافلة الإخوان المسلمين بالقاعدة التى وضعها الإسلام وذكّرنا بها الإمام الشهيد "حسن البنا" كأساس لمعاملتنا مع المواطنين المسيحيين فى مصر والبلاد الإسلامية وهى قوله تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الممتحنة:8) وكان ذلك فى إطار هام يجب أن نتذكره أيضاً، فقد فنّد الإمام أهم العقبات التى يتصورها الناس وتقف فى طريق النهضة الإسلامية على أصول وقواعد الإسلام وهى :
- موقف الإسلام من الأقليات غير المسلمة.
- موقف الإسلام من العلاقة مع الغرب.
- دور رجال الدين.
فقال عن الأولى وهى ما يهمنا فى هذ الصدد :
" يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافى وجود أقليات غير مسلمة فى الأمة المسلمة، وينافى الوحدة بين عناصر الأمة، وهى دعامة قوية من دعائم النهوض فى هذا العصر، ولكن الحق غير ذلك تماماً، فإن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل ، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذى لا يحتمل لبساً ولا غموضاً فى حماية الأقليات".
وقد أصدر المجتمعون فى مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين المنعقد فى 19 ذو الحجة 1356 / 20/2/1938م قرارات هامة منها.
يعلن المؤتمرون فى صراحة ووضوح وقوة أنه ليس معنى الرجوع إلى المنهاج الإسلامى نقض الاتفاقات الدولية، ولا العدوان على الأقليات المواطنة والأجنبية، ولا الإخلال بنظام الحكم النيابى، ولا إحياء مظاهر رجعية لا تتفق مع المدنية الصحيحة، فإن الإسلام خير كله ، وقد وضع لذلك أفضل النظم وأعدلها { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الانبياء:107)
مجموعة الرسائل / صـ247، دار البصائر / طبعة أولى 2006
وتكملة تلك القاعدة الإسلامية الجليلة هى الآية الثانية:
{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الممتحنة:9) وهذا هو الإنصاف والعدل لأن ذلك الصنف هم مفسدون يبغون الفتنة، وفى العصر الحديث يكون إعمال القانون العادل وإرساء دولة القانون هو الذى يمنع الفتنة ويحاصر الخطر، وبسبب إهمال تنفيذ القانون والتراخى فيه تتصاعد المخاطر وتتفاقم المشاكل كما نرى الآن ومنذ بدأت أحداث الفتنة عام 1972 بالخانكة وحتى يومنا هذا .
ما الذى يجب على الأخ المسلم عمله فى هذه القضية الخطيرة ؟
أولاً: أن يستشعر الخطر المحدق بوطنه وبمشروعه الإسلامى الذى نذر نفسه من أجل إحيائه وتطبيقه.
ثانياً: أن يستحضر الفهم الصحيح لتلك العلاقة كما أرساها الإسلام وألا يقع فى فخ التصعيد الإعلامى والإشاعات والتعميم وأخذ الأبرياء بجريرة وذنوب أقلية فى الخارج أو الداخل.
ثالثاً: أن يتذاكر ويتدارس مع إخوانه فى الإخوان ومع غيره من المسلمين أسس العلاقة السليمة مع غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى.
وفى هذا عليه أن يتصدى للأفكار الأخرى والمدارس الفقهية التى لم تعرف فى مجتمعاتها تنوعاً فى الأصل وتعتمد فتاوى كان لها أثرا خطيرا فى توتير العلاقة بين المسلمين والنصارى، وتستحضر فى الذاكرة عهوداً كان لها ظروفها التاريخية ولا توازن بين خطر محتمل تغذيه الشائعات وبين خطر حال داهم تعيشه الان يقع بسببه قتلى وضحايا.
وهنا أذكر أخوانى بآخر ما كتبه العلامة القرضاوى فى سفره الجليل الأخير "فقه الجهاد" المجلد الثانى حول العلاقة مع النصارى تحت عنوان: علاقتنا مع النصارى: حوار أم صدام ؟ سواء فى خارج المجتمعات الإسلامية أم داخل المجتمع الإسلامى، وقد كتب من قبل كتاباً هاماً هو "غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى" والكتابان من نشر مكتبه وهبة.
ويقرر هنا القرضاوى ما قرره الإمام البنا من قبل : أن الجزية هى ضريبة مقابل الدفاع والجهد الحربى والعسكرى، فإذا شارك المسيحيون فى الجيش كما هو الآن فلا محل للجزية كضريبة دفاع.
ويجيب القرضاوى على سؤال خطير: هل يمكن أن تنشأ مودة بين المسلم وغير المسلم ؟ أو بطريقة أخرى : هل يمنع الدين من المودة فى التعامل الإنسانى وحسن العلاقة التى تنعقد بين الناس بعضهم وبعض بحكم الطبيعة البشرية، وإن اختلفت دياناتهم ؟ صـ1145/ جزء2
ويجيب بتساؤل :
" لو كانت مودة غير المسلم ممنوعة فى الإسلام بصفة مطلقة : ما أجاز الشرع الإسلامى للمسلم أن يتزوج الكتابية، والزوجية فى الإسلام تقوم على أساس وأركان منها: المودة والرحمة"
إذن الممنوع من مودتهم هم الذين يحادون الله ورسوله، ويحاربون المسلمين، وليس السبب مجرد كفرهم بالإسلام، بل إيذاء المسلمين وحصارهم وتعذيبهم وفتنتهم فى دينهم.
وذكر القرضاوى بآية جليلة ينساها المسلم ولا يتدبر فيها وهى قوله تعالى : " { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (الممتحنة:7) ويشرح القرضاوى معنى الولاء المذكور فى الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ } (المائدة: من الآية51) لان تلك شبهة اخرى يقع فيها الكثير.
حيث يدل السياق القرآنى على أن المقصود هم يهود ونصارى معادين للمسلمين محاربين لدعوتهم، ومنهم من أعلن الحرب على الإسلام، وهزأ بعقيدة المسلمين وسخروا من شعائر الإسلام وأتخذوها هزواً ولعباً .
كما ينبه القرضاوى إلى خطورة عدم تدبّر الآيات وعدم التعمق فى فهم النصوص عندما يشير إلى الآية الكريمة { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } (البقرة: من الآية120)
فالآية خطاب خاص للنبى صلى الله عليه وسلم، ولو سلمنا أنها خطاب للجميع فهى لا تدل على أكثر من نفى رضاهم عنا الرضا الكامل والمطلق، وهذا متوقع من أهل كل ملّة ودين سواء رضى الناس أم سخطوا، ولن نبيع رضوان الله تعالى برضا أى مخلوق كان واخيراً فإن الإسلام برغم وجود هذه الآية لم يمنع المسلم أن يؤاكل اليهودى والنصرانى وأن يصاهره فيتزوج أخته وينجب منها أولاداً يكون أجدادهم وأخوالهم وخالاتهم وجداتهم من اليهود أو النصارى وينطبق عليهم قول الله : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } (الأنفال: من الآية75)
وفى فصل آخر من السفر الهام الخطير يفصل العلامة القرضاوى حقوق أهل الذمة وواجباتهم فيذكرنا بأهم الحقوق المكفولة لهم من جانب المسلمين كمجتمع وحكومة وأمة ودولة وهى:
1- الحماية من الاعتداء الداخلى.
2- الحماية من الظلم الداخلى.
3- حماية الدماء والأبدان
.
4- حماية الأموال.
5- حماية الأعراض.
6- التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر .
7- حرية التدين والعبادة وحرية بناء الكنائس التى تدعو إليها حاجة العبادة.
8- حرية العمل والكسب .
9- حرية الإقامة والتنقل .
10- تولى وظائف الدولة .
وفى مقابل ذلك هناك واجبات على النصارى فى المجتمعات الإسلامية منها:
1- الجزية إذا لم يشاركوا فى الجيش والخراج وهو الضريبة على الأرض كواجب مالى .
2- التزام أحكام القانون الإسلامى فيما لا يتعلق بأحوالهم الشخصية وعقائدهم أى فى الأحوال المدنية (كواجب مدنى).
3- مراعاة شعور المسلمين واحترام شعائر الإسلام (كواجب انسانى).
ثم ناقش القرضاوى أهم الشبهات التى تُثار حول تلك العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين.
فقال عن الجزية : " وتسقط الجزية أيضاً باشتراك أهل الذمة مع المسلمين فى القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام " صـ 816 / جزء 1
وعن التزام القوانين يقول : " إنهم بحكم حملهم لجنسية الدولة الإسلامية فعليهم أن يتقيدوا بقوانينها التى لا تمس عقائدهم وحريتهم الدينية " والمثال على ذلك : الزكاة والجهاد، والأحوال الشخصية التى يتبعون فيها شريعتهم .
ويناقش بعض الشبهات التى ترد على تلك العلاقة وأسسها الواضحة فيتحدث عن ابتداؤهم بالسلام إذا كانوا وحدهم :
" ذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام عليهم واستدلوا بالآيات القرآنية" ونقل عن القرطبى أن عدداً من السلف فعل ذلك مثل : ابن مسعود والحسن ، والنخعى وعمر بن عبد العزيز، وابن عيينة.
ونقل عن أبى أمامة: " إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا" ، وعن الأوزاعى عندما سُئل عن مسلم مر بكافر فسلم عليه فقال: " إن سلمت فقد سلم الصالحون ،وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك " . زاد المعاد 2/425
ورد على الاستدلال بالحديث الذى رواه مسلم " لا تبدأو اليهود بالسلام" بما رواه البخارى فى الأدب المفرد عن أبى بصرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنى راكبٌ غداً إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام" فبيّن هذا الحديث سبب ورود هذا النهى حيث قيّده بحالة الحرب ولقاء العدو فى المعركة، وهو مقام لا يُبدأ فيه عادة بالسلام.
ونقل كلاماً نفسياً عن العلامة محمد رشيد رضا فى تفسيره ( المنار) فليرجع إليه من أراد الاستزادة.
إذن وفى النهاية : ما الذي يجب عمله عملياً لوأد الفتنة ومحاصرة الخطر، هذا يمكن أن يتشاور فيه الإخوان كلٌ حسب بلده ووظيفته وقدرته وفى هذا فليجتهد المجتهدون.
لكنى اقترح ان يتعرف الاخ على جيرانه وزملاء العمل من المسيحيين وان يتفقدهم بالسؤال عن احوالهم وان يعود مريضهم ويواسيهم فى الاحزان ويشاركهم فى الافراح ويهنئهم فى الاعياد ويعطى من نفسه القدوة الحسنة فى العشرة بالمعروف والعيش المشترك وان يدفع عنهم الظلم وان يدعوهم الى المشاركة فى كل الامور المشتركة التى تحتاج الى جهد كل مواطن.