في حلقة نقاشية عبر "زووم" نظمتها مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان"، حمّل حقوقيون وصحفيون الإمارات المسؤولية المباشرة عن تفاقم العنف الجنسي والانتهاكات بحق النساء والفتيات في السودان، بسبب دعمها المستمر لقوات الدعم السريع بالسلاح منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

 

الحلقة التي حملت عنوان "تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع وانعكاساته على انتهاكات حقوق المرأة في السودان"، كشفت بالوثائق والشهادات كيف تحولت الأسلحة الإماراتية إلى أدوات ترهيب واغتصاب جماعي، وكيف أن استمرار تدفق السلاح ساهم بشكل مباشر في إطالة أمد العنف وحرمان الضحايا من الوصول إلى العلاج والحماية.

 

شهادات الرعب.. اغتصاب وتشويه وانتحار

 

قدمت شهد محمد عبد الحميد، مؤسسة مبادرة "العدالة لهن" المعنية بدعم الناجيات من العنف الجنسي، شهادات مروعة لنساء تعرضن لاعتداءات وحشية على يد قوات الدعم السريع. وصفت الحالات التي استقبلتها المبادرة بأنها تضمنت اغتصابًا صاحبه تشويه للأعضاء التناسلية باستخدام آلات حادة، في جريمة تعكس مستوى الوحشية التي وصلت إليها هذه القوات المدعومة إماراتيًا. الانتهاكات لم تقتصر على النساء فقط، بل شملت توثيق حالات اعتداء جنسي بحق رجال أيضًا، في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية.

 

الصحفية إسراء الشاهر، المتخصصة في قضايا النوع الاجتماعي، أكدت أن النزاع المسلح أسفر عن ارتفاع غير مسبوق في العنف الجنسي، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. الانتهاكات الموثقة كانت ممنهجة وواسعة الانتشار، وشملت الاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي، والاحتجاز القسري، والتهديد بالعنف لإجبار العائلات على النزوح. وحذرت من أن آلاف الحالات لم تُبلِّغ بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي، مما يعني أن الأرقام الحقيقية أكثر فزعًا مما هو موثق.

 

محمد مختار، مدير وحدة نزع السلاح بمؤسسة ماعت، كشف أن انتشار السلاح فاقم حالات الاغتصاب الجماعي منذ عام 2023 بشكل مرعب، ما دفع بعض الضحايا إلى الانتحار هربًا من الألم النفسي والجسدي. المؤسسة وثقت عبر شهادات محلية وقائع اغتصاب جماعي وزواج قسري للنساء في عدة مناطق بالسودان، وأكد أن عناصر قوات الدعم السريع استخدموا السلاح كوسيلة مباشرة للترهيب والاعتداء قبل تنفيذ الجرائم، كما حال دون وصول الضحايا إلى العلاج. التقديرات تشير إلى أن نحو أربعة ملايين امرأة سودانية معرضات لخطر العنف الجنسي في ظل استمرار الحرب.

 

شرايين الموت.. خريطة تدفق السلاح الإماراتي إلى الدعم السريع

 

الصحفي السوداني محمد كامل بن عبد الرحمن كشف خريطة تفصيلية لمسارات تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، والتي تشمل الشرق الليبي والمثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان، ومعبر أدري التشادي، ومطار أم جرس، وقاعدة مطار بوصاصو في صوماليلاند. هذه المسارات تمثل شرايين رئيسية لتغذية الحرب وإطالة أمد المعاناة الإنسانية في السودان.

 

محمد مختار أضاف أن معظم الأسلحة التي تعتمد عليها قوات الدعم السريع مصنعة في الصين وبلغاريا، سواء عبر تدفق مباشر أو تحويل غير مباشر، مؤكدًا أن الدول المزودة بالأسلحة، وعلى رأسها الإمارات، تتحمل مسؤولية مباشرة عن آثار استخدامها وفقًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. استمرار تدفق الأسلحة ساهم بشكل مباشر في إطالة أمد العنف، خصوصًا في المناطق التي تفتقر للشرطة والخدمات الطبية، مما جعل النساء والفتيات فريسة سهلة للانتهاكات.

 

ازدواجية إماراتية.. دعم الجريمة والتظاهر بصناعة السلام

 

انتقد الصحفي محمد كامل بن عبد الرحمن بشدة دور اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر) لعدم معالجتها جذور النزاع، مشيرًا إلى التناقض الصارخ في السلوك الإماراتي: فالإمارات تُساند الدعم السريع بالسلاح في الوقت ذاته الذي تحاول فيه لعب دور في فرض السلام. هذه الازدواجية تكشف النفاق السياسي للإمارات التي تدعي السعي للاستقرار بينما تغذي الحرب فعليًا.

 

الاتهامات ضد الإمارات ليست جديدة. في مايو الماضي، قررت الحكومة السودانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات وأعلنتها دولة عدوان. سفير السودان في القاهرة عماد الدين مصطفى عدوي اتهم الإمارات في نوفمبر الماضي بتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي لعناصر الدعم السريع لارتكاب جرائمهم، محملًا المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية في منع استمرار هذه الإبادة الجماعية ومحاسبة مرتكبيها ومموليها.

 

رغم محاولة السودان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، إلا أن المحكمة رفضت دعوى السودان ضد الإمارات بشأن "انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال دعم القوات شبه العسكرية في دارفور"، وأعلنت أنها لا تملك صلاحية اتخاذ تدابير تأديبية. الإمارات من جانبها تنفي هذه الاتهامات نفيًا قاطعًا، واصفةً القضية بأنها "مسرحية سياسية" و"حيلة دعائية ساخرة"، لكن الشهادات والوثائق تروي قصة مختلفة تمامًا، قصة نساء وأطفال يدفعون ثمن الطموحات الجيوسياسية الإماراتية بأجسادهم وأرواحهم.