بينما أعلنت 14 دولة، بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، إدانتها الصريحة لقرار حكومة الاحتلال إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، واصفة إياه بانتهاك صارخ للقانون الدولي، تقف حكومة الانقلاب في مصر موقف المتفرج، بل الشريك بالصمت، أمام عملية تغيير تاريخي وجغرافي غير مسبوقة للأراضي الفلسطينية.

 

المشهد في الضفة لا يقتصر على "وحدات استيطانية" جديدة، بل يتجاوزه إلى عملية عسكرية وحشية ("السور الحديدي")، ومشروع جدار أمني عازل على حدود الأردن، وقرارات كنيست بضم رسمي.

 

كل هذا يجري بينما القاهرة، عاصمة القرار العربي المفترض، غارقة في صفقات الغاز والتنسيق الأمني، تاركة الضفة تواجه مصيرها وحيدة.

 

"19 مستوطنة" مجرد بداية.. و"العالم الحر" يكتفي بالقلق

 

بيان الدول الـ14، الذي نشرته الخارجية الفرنسية ووقعت عليه دول محورية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان، حذّر من أن "التحركات الأحادية" الإسرائيلية تقوض فرص التسوية وتؤجج عدم الاستقرار.

 

لكن هذه اللغة الدبلوماسية الناعمة تبدو منفصلة عن الواقع الدموي الذي تفرضه إسرائيل على الأرض.

 

فقرار "الكابينت" في 11 ديسمبر بالمصادقة على 19 مستوطنة ليس إلا غطاءً قانونياً لعملية "ضم زاحف" أوسع.

 

وفي هذا السياق، حذرت حركة حماس في بيان رسمي من أن المصادقة على هذه المستوطنات تمثل "تصعيداً خطيراً يهدف لابتلاع الضفة"، مؤكدة أن "التمادي الاستيطاني يعكس مخططات واضحة لإعادة رسم الجغرافيا الفلسطينية وعزل المدن والقرى عن بعضها، والدفع نحو تهجير صامت في إطار مشروع تفريغ الضفة".

 

هذا التحذير يتقاطع مع تقارير أممية توثق أن الاستيطان بلغ أعلى مستوياته منذ 2017، مما يعني أننا أمام "نكبة عمرانية" جديدة تتم بتواطؤ دولي وصمت عربي مطبق.

 

"السور الحديدي" وتهجير 32 ألفاً: حرب إبادة في جنين وطولكرم

 

بالتوازي مع البناء الاستيطاني، يشن جيش الاحتلال أوسع عملية عسكرية في شمال الضفة منذ عقود، تحت اسم "السور الحديدي". العملية التي انطلقت في يناير 2025 واستهدفت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، لم تكن مجرد حملة اعتقالات، بل عملية "تطهير مكاني" ممنهجة.

 

وكالة "الأونروا" وهيومن رايتس ووتش وثقتا نزوح 32 ألف فلسطيني قسراً من هذه المخيمات بعد تدمير مئات المنازل والبنى التحتية بشكل كامل، فيما تواصل الجرافات الإسرائيلية مسح أحياء بأكملها بحجة "الضرورة الأمنية".

 

هنا يبرز تعليق الكاتب الصحفي نظام المهداوي، الذي شن هجوماً لاذعاً على الموقف المصري المتخاذل تجاه هذه المجازر، معتبراً أن صمت السيسي هو جزء من فاتورة بقائه في السلطة.

 

وقال المهداوي في تدوينة له: "النيل والغاز في يد نتنياهو. قلنا إن السيسي سيسلم أمنه القومي تسليم اليد، فها هو يفعل، وسيترك مصر كما وصفها"، مؤكداً أن الأنظمة التي تعقد الصفقات في الغرف المغلقة بينما يُذبح الفلسطينيون ويُهجّرون من مخيماتهم هم شركاء فعليون في الجريمة.

 

جدار "الأردن" وضم الأغوار: خنق الضفة من الشرق

 

لم يكتفِ الاحتلال بالاستيطان والتهجير الداخلي، بل بدأ فعلياً في تنفيذ المخطط الأخطر: عزل الضفة عن عمقها العربي.

 

وزارة الدفاع الإسرائيلية أعلنت بدء العمل في "جدار أمني" جديد على الحدود مع الأردن يمتد لمسافة 500 كيلومتر من جنوب الجولان حتى إيلات، بتكلفة 1.5 مليار دولار.

 

المشروع يتضمن سياجاً ذكياً، خنادق، وحواجز ترابية، ويهدف لفرض سيطرة إسرائيلية مطلقة على منطقة الأغوار، مما يعني عملياً "خنق" أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً مع الأردن.

 

المحلل السياسي ياسر الزعاترة ربط هذا التغول الإسرائيلي بالضعف العربي والمصري تحديداً.

 

ففي تعليقه على المشهد، وصف حكومة نتنياهو بأنها "لص سرق غاز شعبنا وباعه لشقيقتنا الكبرى"، مشيراً إلى أن إضعاف مصر برهنها لصفقات مع العدو "لا يعني غير تسهيل المخطط الصهيوني الأمريكي".

 

وأضاف الزعاترة معلقاً على تسارع مشاريع الضم والجدار: "رغم طابعه الرمزي في القراءة الأولى، إلا أنه يعد تمهيداً واضحاً لمشروع الضم الذي يجري تنفيذه بصمت"، محذراً من أن "مهمة الأمة في المواجهة تصبح أصعب بكثير" في ظل هذا التواطؤ الرسمي.

 

الكنيست يشرعن "الضم".. والقاهرة تبيع الوهم

 

الغطاء التشريعي لهذه الجرائم اكتمل بتصويت الكنيست في يوليو 2025 لصالح مشروع قانون يدعو لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية وغور الأردن، معتبراً إياها "الوطن التاريخي للشعب اليهودي".

 

هذا القرار، الذي حظي بأغلبية 71 صوتاً، أسقط ورقة التوت الأخيرة عن "حل الدولتين" الذي ما زالت حكومة الانقلاب تتشدق به في المحافل الدولية.

 

بينما يوقع 14 وزيراً أوروبياً بيانات إدانة، وتتحرك جرافات الاحتلال لرسم حدود جديدة "بالدم والأسمنت"، يظل الموقف الرسمي المصري محصوراً في بيانات بروتوكولية لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.

 

إن الصمت على تهجير 32 ألف فلسطيني وبناء جدار يعزل الضفة عن الأردن هو في الحقيقة "ضوء أخضر" مصري لاستكمال المشروع الصهيوني، وتفريط في الأمن القومي العربي والمصري على حد سواء، مقابل وعود واهية بدعم اقتصادي أو رضا أمريكي لن يأتي.