رغم تصاعد النداءات الحقوقية والإعلامية والدولية قبل رمضان الماضي، يستمر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في إغلاق ملف نحو 60 ألف معتقل سياسي، معتمد على سياسة الإبقاء التعسفي كأداة ردع بنيوية ضد أي معارضة محتملة.
هذه السياسة، التي امتدت لأكثر من 12 عاماً منذ انقلاب يوليو 2013، أدت إلى معاناة ملايين الأسر ووفيات متزايدة داخل السجون، حيث وثقت منظمات حقوقية 54 وفاة في 2025 وحدها بسبب الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب الممنهج. التعنت المستمر، الذي يتجاهل مناشدات مثل تلك من الداعية العوضي الذي ناشد السيسي "مدّ يدك بالرحمة إلى الأسر المصرية التي تعيش على أمل اللقاء"، وعمرو أديب الذي عبر عن أمله في "عودة الإفراج عن سجناء الرأي"، ونقيب الصحفيين خالد البلشي الذي طالب بالإفراج عن 25 صحفياً على الأقل، بالإضافة إلى منظمة العفو الدولية في فبراير 2025، يكشف ارتباطاً عميقاً بحسابات داخلية وإقليمية تفوق الاعتبارات الإنسانية والقانونية، مما يحول مصر إلى "أكبر سجن سياسي" في العالم بأكثر من 100 ألف معتقل.
أزمة إنسانية تشمل ملايين.. معاناة الأسر واستمرار حملات الاعتقال الترهيبية
يؤكد محامٍ مصري مجهول الهوية: "قضية المعتقلين تمثل الأزمة الأكثر قسوة على أكثر من خمسة ملايين مصري، أسر وأقارب 60 ألف معتقل منذ 2013، وهذه المعاناة الممتدة لـ12 عاماً استنزفت طاقتهم نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، مع تشريد أبناء المعتقلين وملاحقتهم أمنياً". يضيف الحقوقي محمد زارع، مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: "استمرار حملات الاعتقال بوتيرة أقل من السنوات الأولى، مع أكثر من ألف فتاة معتقلة حالياً، واعتقال زوجات وأقارب معتقلين سياسيين في الأسابيع الماضية، يؤكد أن الرفض جزء بنيوي من النظام، ولا تشمل المبادرات الإنسانية الغالبية العظمى خاصة أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين".
شهدت 2025 ارتفاعاً في وفيات المعتقلين، حيث وثقت "Human Rights Egypt" 54 حالة بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب، مع 1266 وفاة إجمالية من 2013 إلى 2025، و20 ألف مختفٍ قسرياً. يحذر يحيى سعد، حقوقي بارز: "الاعتقال السياسي واسع النطاق في 2025 يهدد استقرار المجتمع بأكمله، مع عشرات الآلاف محتجزين لأسباب سياسية فقط، وهذا الإهمال الممنهج يكشف وجه النظام الحقيقي داخل جدران السجون". كما وثقت منظمة العفو الدولية اعتقالات تعسفية لمستخدمي وسائل التواصل بدعم دعوات إنهاء حكم السيسي، مع عقاب للاحتجاج على ظروف السجون مثل سجن العاشر من رمضان الذي يفتقر لأدنى معايير الإنسانية. هذه الأرقام والوقائع تكشف كارثة إنسانية ممتدة، حيث أصبحت الأسر فريسة للاستنزاف اليومي، مع حملات اعتقال جديدة بلغت 1205 شخصاً في النصف الأول من 2024 وفق "دارج ميديا".
أهمية الضغط المستمر.. ثلاثة أسباب حاسمة للمطالبات الدولية والمحلية
يرى السياسي محمد عماد صابر: "النظام يتعمد خنق الملف ليحوله إلى أداة ردع جماعي، رسالة ترهيب دائمة للمجتمع بأكمله، والمطالبة المستمرة ضرورية لمنع النسيان، والضغط على الشركاء الدوليين، وكشف غياب استقلال القضاء الذي ينعكس سلباً على مناخ الاستثمار والسياحة، فالدولة التي تسجن مواطنيها تعسفياً لا تجذب المستثمرين". يؤكد محمود شلبي، باحث في منظمة العفو الدولية: "بدلاً من معالجة ظروف الاحتجاز المروعة في سجون مثل العاشر من رمضان، تعاقب السلطات المحتجين لإخماد أصواتهم، مما يثبت عمق الانتهاكات المنهجية والحاجة إلى ضغط دولي مكثف".
تضيف خلف بيومي، حقوقي مصري: "لماذا يعتمد السيسي على اعتقال كل معارض سياسي وملاحقة أسره؟ هذا النهج يكشف خوفه المرضي من أي صوت معارض، والمطالبات تحول القضية من حقوقية إلى سياسية تهز شرعية النظام أمام العالم". هذه المطالبات تمنع تمييع القضية، خاصة مع حملات اعتقال جديدة وثقتها منظمات مثل "دارج ميديا" بلغت 1205 شخصاً في النصف الأول من 2024، مع 95 في حبس احتياطي بتهم ملفقة، واستدعاء كتاب ومثقفين مؤخراً. الضغط المستمر هو السبيل الوحيد لكسر الإغلاق، حيث يحول الملف إلى ضغط سياسي دولي يهز شرعية النظام أمام شركائه الغربيين والإقليميين، ويبرز تكلفة التعنت على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
مؤشرات الرفض الأربعة.. ارتباط إقليمي مشبوه وانتهاكات مستمرة ضد النساء والأطفال
يستبعد محمد زارع أي انفراجة قريبة بأربعة مؤشرات واضحة: "أولها تكرار المطالبات 12 عاماً دون استجابة حقيقية، ثانيها غياب أي ترتيبات رسمية مثل تشكيل لجان إفراج أو إعداد قوائم، ثالثها عدم وجود استحقاقات انتخابية قريبة تفرض تهدئة، ورابعها استمرار تضييق حرية الرأي كما في وقائع استدعاء وتحقيق مع كتاب ومثقفين خلال الفترة الأخيرة، مما يؤكد أن الاعتقال سياسة مستمرة". يشمل ذلك 20 ألف مختفٍ قسرياً و1266 وفاة من 2013 إلى 2025، مع انتهاكات جسيمة ضد النساء والأطفال كما وثق "القدس العربي".
يطرح مراقبون تساؤلات حول ارتباط التعنت باصطفافات إقليمية أوسع ضد الإسلام السياسي، تشارك فيها أطراف خليجية وتُعاد إنتاجها دولياً عبر تصنيف الإخوان كإرهابيين، مما يجعل الملف ورقة سياسية مركزية لضبط المجال العام والتوازنات الداخلية والإقليمية. هذا النهج يجعل الملف جزءاً بنيوياً من منظومة الحكم، على حساب العدالة وحقوق الإنسان. في المحصلة، تتفاقم الكلفة الإنسانية مع احتمالات انفراج مؤجلة إلى أجل غير معلوم، مما يفرض على النشطاء والمنظمات استمرار الضغط كواجب أخلاقي وسياسي لإنقاذ آلاف الأرواح واستعادة الكرامة الوطنية.

