في "جمهورية الضباط" التي أسسها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالحديد والنار، سقطت آخر ورقة توت كانت تستر عورة النظام، وتأكد للقاصي والداني أن الولاء في قاموس العسكر لا يشفع لصاحبه، وأن آلة القمع العمياء لا تفرق بين معارض في المنفى وبين من عمل يوماً داخل أروقة قصر الاتحادية.
ففي واقعة تؤكد أن مصر تحولت إلى "عزبة" تديرها الأجهزة الأمنية بعقلية العصابات لا بمنطق الدولة، أطلقت الإعلامية قصواء الخلالي صرخة استغاثة مدوية، كشفت فيها عن الوجه القبيح لنظام لا يتورع عن اقتحام البيوت وترويع النساء وخطف المواطنين، حتى لو كانوا من المحسوبين على دائرته، لمجرد أنهم تجرأوا على كشف جزء يسير من فساد "مسرحية الانتخابات".
زوار الفجر الملثمون.. إرهاب الدولة في غرف النوم
لم تكن القوة الأمنية "الكبيرة والملثمة" التي اقتحمت منزل الخلالي تنفذ عملية قانونية، بل كانت تمارس إرهاباً ممنهجاً يحمل بصمات "قطاع الطرق". تفاصيل الرعب التي روتها الإعلامية، من مصادرة الأجهزة والكاميرات إلى إجبارها على مرافقة القوة بسيارتها الخاصة ثم إلقائها في الطريق، تعكس استعلاءً إجرامياً من أجهزة باتت ترى نفسها فوق القانون والمحاسبة.
إن اختطاف شقيقها، منذر الخلالي، دون الإفصاح عن جهة الاحتجاز أو التهمة، هو رسالة إرهاب صريحة لكل من تسول له نفسه الخروج عن النص، مفادها: "لا حصانة لأحد". حتى من امتلك عقوداً استشارية مع الحكومة أو عمل في مكتب الرئاسة، سيُداس بالأحذية العسكرية بمجرد أن تتعارض مصالحه مع "المافيا" الحاكمة.
الجريمة: "إيجبتك" وكشف عورات التزوير الانتخابي
السر وراء هذه الهجمة المسعورة ليس لغزاً؛ فقد جاءت بعد أيام قليلة من تدشين موقع "إيجبتك" الإخباري، التابع لشركة عائلة الخلالي. الجريمة الحقيقية التي لا يغفرها السيسي ونظامه ليست مخالفة إدارية، بل هي نشر الموقع لتقارير وفيديوهات تفضح "مخالفات انتخابية" ووقائع "شراء أصوات" فجة مع انطلاق انتخابات مجلس النواب.
رغم أن رئيس تحرير الموقع، الكاتب الصحفي أحمد رفعت، معروف بتوجهه الداعم لمؤسسات الدولة، إلا أن النظام الهش لم يحتمل حتى "النقد الناعم" أو كشف الحقيقة من داخل البيت. فاعتقل رفعت، ولاحق أصحاب الموقع، في دليل دامغ على أن الانتخابات القادمة يراد لها أن تكون "جنازة صامتة" للديمقراطية، لا يعكر صفو تزويرها أي صوت، حتى لو كان صوتاً موالياً.
النقابة العاجزة.. وسقوط دولة القانون
في المقابل، يقف المشهد النقابي عاجزاً وشاهداً على انهيار دولة المؤسسات. تصريحات أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، إيمان عوف ومحمود كامل، عن عدم إخطار النقابة بالقبض على الزميل أحمد رفعت، وتجاهل تعليمات النائب العام، تؤكد أن النيابة والقضاء والشرطة باتوا مجرد أدوات تنفيذية في يد "الضابط" الذي يدير المشهد.
الحديث عن "طرق قانونية" و"إجراءات" في عهد السيسي أصبح ضرباً من العبث؛ فالقانون الوحيد الساري هو قانون القوة، والتعليمات الوحيدة المتبعة هي تلك التي تصدر عبر الهاتف من الغرف الأمنية المغلقة لتأديب كل من يخرج عن الطوع.
استغاثة للجلاد.. والنهاية الحتمية
تضمنت استغاثة قصواء الخلالي مفارقة مؤلمة، حين وجهت نداءها إلى "السيسي" لوقف ما وصفته بـ"تصفية الحسابات". لقد غاب عنها، أو ربما أدركت متأخرة، أن من تناشده هو رأس النظام الذي أسس هذه القواعد الوحشية. إن ما تتعرض له من "حملة ممنهجة" منذ أغسطس 2024، شملت المنع من الظهور وقطع الأرزاق، ليس تصرفاً فردياً، بل هو نهج أصيل لنظام "يأكل أبناءه" بمجرد انتهاء دورهم أو خروجهم عن النص المرسوم.
رسالة ما حدث لقصواء الخلالي وأسرتها واضحة ومرعبة: في مصر السيسي، لا أمان لأحد، والكل مشروع "ضحية مؤجلة" في مسلخ الاستبداد الذي لا يشبع من التنكيل بكل صوت يغرد خارج سرب التطبيل.

