كشف تقرير حقوقي جديد صادر عن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، يغطي الفترة من 1 إلى 30 نوفمبر 2025، عن صورة شديدة القتامة لأوضاع السجون ومراكز الاحتجاز وسط موجة متصاعدة من الوفيات يمكن تفاديها، وانتهاكات ممنهجة تطال السجناء السياسيين والمحتجزين الجنائيين على حدّ سواء.
التقرير، الذي يعدّ من بين أكثر التقارير توثيقاً خلال العام، يشير إلى استمرار تدهور الظروف الصحية والإنسانية داخل أماكن الاحتجاز، وتصاعد حالات الوفاة الناتجة عن الإهمال الطبي وسوء المعاملة، في ظل غياب رقابة مستقلة وفعّالة.
ثلاث وفيات في نوفمبر تُضاف إلى سلسلة ممتدة من الضحايا
بحسب التقرير، شهد شهر نوفمبر وحده ثلاث حالات وفاة مؤكدة داخل مقار الاحتجاز، لترتفع الحصيلة الإجمالية لعام 2025 إلى ما لا يقل عن 16 حالة وفاة موثقة في السجون وأقسام الشرطة المصرية منذ مطلع العام. وتشمل قائمة الضحايا شباناً في مقتبل العمر، وآخرين في أواخر الخمسينيات والستينيات، بالإضافة إلى طفل؛ ما يعكس، وفق التقرير، أنماطاً متكررة من الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز وحرمان المحتجزين من حقوقهم الأساسية.
وفاة السجين حمدي محمد: تدهور صحي بلا رعاية
أولى الوفيات التي وثّقها التقرير تعود إلى يوم 31 أكتوبر حين فارق السجين السياسي حمدي محمد محمد (63 عاماً)، وهو مزارع من محافظة الفيوم، الحياة داخل سجن ليمان المنيا، بعد تدهور حالته الصحية. كان الراحل قد خضع سابقاً لعملية قلب مفتوح وتغيير دعامات، وكان بحاجة إلى متابعة طبية دورية، إلا أنه نُقل إلى السجن دون توفير أي رعاية صحية مناسبة.
وتؤكد شهادات من معتقلين أن إدارة السجن اكتفت بوضعه في غرفة إسعافات غير مجهزة، رغم الاستغاثات المتكررة التي أطلقها رفاقه بنقله إلى المستشفى، إلى أن توفي بعد تأخر الاستجابة لساعات طويلة.
محمد جمعة… إعدام مؤجل وانتهاء مأساوي
بعد أقل من 24 ساعة، في 1 نوفمبر، توفي السجين السياسي محمد جمعة، المحكوم عليه بالإعدام في قضية «قسم العرب»، داخل سجن وادي النطرون، بعد أكثر من 13 عاماً من الاحتجاز في ظروف وصفها التقرير بأنها "قاسية وغير إنسانية". عانى الراحل من آلام حادة في الصدر، واستغاث بزملائه الذين أبلغوا إدارة السجن، لكن الاستجابة جاءت متأخرة ولم تُقدم له أي رعاية طبية، ما أثار شبهات قوية بوجود "إهمال طبي متعمد" أدى مباشرة إلى وفاته.
وفاة أحمد محمود… ضحية جديدة لـ «تدوير المحتجزين»
وفي 8 نوفمبر، التحق السجين السياسي أحمد محمود محمد سعيد (من محافظة الجيزة) بقائمة الضحايا، بعدما توفي داخل محبسه إثر سنوات طويلة من الاحتجاز. وأشار التقرير إلى مفارقة مؤلمة: رغم صدور قرارات متعددة بإخلاء سبيله، إلا أنه كان يُعاد احتجازه في قضايا جديدة تُعرف حقوقياً باسم «التدوير»، لمنع تنفيذ الإفراج وإبقائه رهن الاحتجاز إلى أجل غير معلوم. وانتهت رحلته بين السجون بوفاة غامضة وسط أوضاع احتجاز وصفت بأنها «بالغة السوء».
انتهاك الحق في التواصل الأسري… مأساة مضاعفة
لم تتوقف المأساة عند الوفيات داخل السجون، بل امتدت إلى محيط الأسر. ففي 6 نوفمبر توفيت والدة السجين السياسي محمد القصاص (محبوس منذ 2018) دون أن يتمكن نجلها الوحيد من رؤيتها أو توديعها، بسبب عدم قدرتها الصحية على زيارته وحرمانه من الخروج لرؤيتها قبل رحيلها.
وفي 25 نوفمبر، توفي الشقيق الأصغر للسجين السياسي والصحافي والنائب السابق محسن راضي، الذي يعيش منذ أكثر من 12 عاماً في «عزل كامل بلا زيارات أو تواصل». وحتى اللحظة، لا يُعرف ما إذا كان قد تم إبلاغه بوفاة شقيقه أو بقية أفراد أسرته الذين رحلوا خلال سنوات حبسه الطويلة.
موت أحمد مصطفى داخل قسم إمبابة… اتهامات بالتعذيب
وفي 10 نوفمبر سجل التقرير وفاة جديدة أثارت صدمة واسعة، حيث توفي المواطن أحمد مصطفى (35 عاماً) داخل قسم شرطة إمبابة بمحافظة الجيزة، وسط شبهات متزايدة بتعرضه للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازه. وأكد شهود عيان أن الراحل كان بصحة جيدة قبل القبض عليه بثلاثة أسابيع فقط، قبل أن تتدهور حالته في ظل ظروف احتجاز وصفت بأنها «قاسية وغير آدمية». كما أشارت أسرته إلى تعرضها لضغوط للتوقيع على أن الوفاة سببها «هبوط حاد في الدورة الدموية» مقابل تسلّم جثمانه.
اكتظاظ خانق ومعاملة مهينة: 700 محتجز في 4 غرف فقط
عزز التقرير شهادات صادمة حول أوضاع قسم شرطة إمبابة، حيث يتم احتجاز نحو 700 شخص في أربع غرف فقط من أصل 11 غرفة متاحة، بما يعني أن نصيب كل شخص لا يتجاوز 35 سنتيمتراً من المساحة. إضافة إلى ذلك، وثّق المحتجزون حرمانهم من الطعام والزيارات والرعاية الصحية الأساسية، في ظروف تُشكّل، وفق التقرير، خطراً مباشراً على حياتهم وسلامتهم.
نداء عاجل لإصلاح جذري ومراقبة مستقلة
في ختام التقرير، حذر مركز الشهاب من أن هذه المؤشرات المتصاعدة تمثل «علامة خطيرة على الانهيار التام لمنظومة الرعاية الصحية داخل السجون المصرية»، داعياً إلى تدخل فوري عبر:
- تحقيقات مستقلة وشفافة بشأن أسباب الوفيات.
- فتح السجون أمام هيئات رقابية دولية.
- إلزام المؤسسات العقابية بتوفير الرعاية الطبية العاجلة.
- إنهاء سياسة التدوير وإطلاق سراح المحتجزين بقرارات قضائية نافذة.
واعتبر المركز أن «التكلفة الإنسانية لاستمرار الوضع الراهن تفوق كل الحدود»، وأن صمت المؤسسات عن هذه الانتهاكات يفاقم الأزمة ويهدد بمزيد من الضحايا ما لم يتم التحرك سريعاً لإصلاح جذري وشامل لمنظومة الاحتجاز والعدالة في مصر.
https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1254264500081328?ref=embed_post

