في أحدث ظهور له داخل الأكاديمية العسكرية المصرية، أثار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي موجة جديدة من الجدل بعد أن أعلن أن مشروع “إعادة هيكلة مؤسسات الدولة” يهدف إلى “تصويب العَوَر الموجود في البني آدمين”، مؤكداً أن “أي دماء جديدة لن تدخل مؤسسات الدولة إلا بعد المرور بعمليات انتقاء وتأهيل ورعاية”.

تصريحات السيسي، التي رددها أمام مجموعة من الضباط والطلاب العسكريين، أعادت إلى الواجهة لغته المتعالية على الشعب المصري، ومحاولاته المتكررة لتبرير فشل سياساته بإلقاء اللوم على المواطنين لا على منظومته الحاكمة.

 

الشعب متهم والنظام بريء

فيما سارع إعلام النظام إلى تفسير تصريحاته بأنها “حديث عن العيوب البشرية العامة”، رأى محللون أن كلام السيسي ليس إلا محاولة لتبرئة نفسه من مسؤولية الانهيار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه البلاد منذ عقد من حكمه.

ويقول مراقبون إن حديثه عن “العوار في البني آدمين” يعكس بوضوح طريقة تفكيره القائمة على إلقاء المسؤولية على الشعب، في حين يقدّم نفسه باعتباره “المخلّص” الذي يصلح ما أفسده الآخرون. فالمواطن هو المخطئ، والبيروقراطي هو الفاسد، أما الحاكم فهو المنقذ، رغم أنه من صنع الأزمة وأدارها بكل أدوات القمع والاحتكار.

ويرى محللون أن السيسي يحاول بهذا الخطاب أن يبرّر إخفاقاته في الملفات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، من تراكم الديون وبيع أصول الدولة، إلى التفريط في الأراضي والموارد، متجاهلاً أن سياساته هي التي أدت إلى هذه الأوضاع.

 

سخرية شعبية على المنصات

تصريحات السيسي فجّرت موجة واسعة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

الكاتب والناشط زاهي المحبوب كتب عبر منصة “إكس”: “يخرج السيسي مجددًا ليعيد على مسامعنا الأسطوانة ذاتها: أرمم السوءات والمشاكل منذ 2011! وكأن الثورة أصبحت الشماعة الذهبية لكل فشل وانهيار.”

وأضاف أن “مشروع إعادة صياغة مؤسسات الدولة” ليس سوى غطاء لإحكام القبضة الأمنية ودمج مؤسسات الدولة في جسد السلطة التنفيذية، لتصبح الدولة كلها صدى لصوت واحد هو صوت الحاكم.

أما الدكتور يحيى غنيم فغرّد ساخرًا: “العوار مش في الرئيس ولا الحكومة!.. العوار في الشعب! طيب يا زعيم، بدّل الشعب بآخر مش أعور، أو دور على شعب تاني يستحق عبقريتك الفذة!”

 

 

في حين كتب أحمد خالد مهاجمًا:

“عوار مين يا دجال؟! أنت اللي بعت تيران وصنافير، وخربت الاقتصاد، وضيّعت النيل، وبعت البلد حتة حتة، مش الشعب!”.

 

فشل انتخابي يفضح النظام

تزامنت تصريحات السيسي مع موجة إحراج سياسي بعد عزوف المصريين عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ.

وبحسب تقديرات الكاتب قطب العربي، لم تتجاوز نسبة المشاركة 15% رغم الدعاية الضخمة والحشد الرسمي. فيما أكد الحقوقي هيثم أبو خليل أن النسبة الفعلية “لم تتجاوز نصف في المائة”، قبل أن تُرفع “بجرة قلم” إلى 17% لتجميل الصورة.

هذا العزوف، كما يرى المراقبون، كشف حجم السخط الشعبي على النظام وفقدان الثقة في العملية السياسية برمتها، ليصبح “الصندوق الانتخابي” شاهداً على عزلة السلطة لا على شرعيتها.

 

حتى “التكنوقراط” يرفضون خدمته

في تطور لافت، أعلن حزب تكنوقراط مصر عبر بيان رسمي أنه مستعد لخدمة الشعب فقط لا النظام، وجاء في البيان:

“لن نساعد من دمّر قناة السويس، وتنازل عن تيران وصنافير، وباع مقدرات الوطن وسجن المصريين في سجن مفتوح. مشاريعنا لمصر وشعبها فقط، وليست لأشخاص.”

الموقف يعكس حالة التململ حتى في الأوساط التي كانت تُعتبر “حيادية” أو تكنوقراطية، ما يبرز اتساع الفجوة بين النظام ومختلف فئات المجتمع.

 

صناعة وعي جديد

الممثل عمرو واكد كتب منشورًا لاقى تفاعلاً واسعًا، قال فيه إن “من يحكم مصر اليوم هو الفساد لا العدل”، داعيًا إلى وعي شعبي جديد يرفض الخضوع. وأضاف:

“العلاج يبدأ بأن ترى الأمور كما هي… من يحكمك هو الفساد، والمشروع الذي تخدمه بخضوعك هو الإفساد… إن لم تسعَ للشفاء، فاعلم أنك أصبحت فاسدًا بدورك.”

خلاصة المشهد يرى المراقبون أن ما يقدّمه السيسي تحت عنوان “إعادة هيكلة مؤسسات الدولة” ليس مشروع إصلاح بقدر ما هو محاولة لتجميل فشله السياسي والاقتصادي وإعادة إنتاج سردية “المنقذ المظلوم”.

فبعد أكثر من عشر سنوات في الحكم، يبدو أن “مشروع العَوَر” ليس سوى تعبير جديد عن احتقار الحاكم لشعبه، وإصراره على أن يظل المصريون موضع اتهام دائم، بينما يحتفظ العسكر بصورة “المنقذين الأبرياء”.

وبينما تتفاقم الأزمات المعيشية وتتآكل الثقة في المؤسسات، يتزايد اقتناع المصريين بأن العَوَر الحقيقي ليس في الشعب… بل في النظام الذي يحكمه.