كشف نجل المعتقل السياسي أمين الصيرفي عن تعرّض والده ورفيقه الدكتور محمد البلتاجي لعملية "قتل بطيء" داخل زنازينهما الانفرادية، بعد دخولهما في إضراب مفتوح عن الطعام استمر ما يقارب الشهرين. الصيرفي والبلتاجي يواجهان اليوم موتًا بطيئًا، ليس بالرصاص أو المشانق، بل عبر حصار مدروس في زنزانة انفرادية، يُحرم فيه الجسد من الغذاء والدواء، وتُحاصر فيه الروح بالصمت والإهمال.


 

من هم المعتقلون؟

أمين الصيرفي هو سكرتير مكتب الرئيس الراحل محمد مرسي، يقبع خلف القضبان منذ عشر سنوات، تحت أحكام قاسية واتهامات سياسية لا تنفصل عن إرث ثورة يناير. أما الدكتور محمد البلتاجي، فهو أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وواحد من أبرز وجوه الميادين في 2011. سنوات طويلة قضاها الرجلان بين جدران الزنازين، واليوم يجدان نفسيهما أمام اختبار البقاء، بعدما تحولت زنزانتهما إلى غرفة إعدام صامت.

 

الإضراب عن الطعام.. صرخة أخيرة

دخل المعتقلان في إضراب عن الطعام قبل شهرين، احتجاجًا على ظروف الحبس الانفرادي والإهمال الطبي ومنع الزيارات. الإضراب ليس خيارًا عابرًا، بل وسيلة استغاثة أخيرة، رسالة تقول للعالم إن الأجساد تُستهلك، والأرواح تُحاصر، بينما لا يصل صوتهم إلى الخارج إلا عبر كلمات عائلاتهم. لكن هذا الإضراب، الذي كان يفترض أن يكون ورقة ضغط إنسانية، تحول إلى أداة قتل بطيء بيد السلطات التي تركت الزمن يفعل فعله.

 

القتل البطيء كسياسة

ما يجري للصيرفي والبلتاجي ليس جديدًا. فقد سبقهما آخرون: الرئيس الراحل محمد مرسي الذي سقط في المحكمة بعد حرمان من العلاج، والدكتور عصام العريان الذي لفظ أنفاسه في محبسه. جميعها حالات تكشف أن الإهمال الطبي والحرمان من الحقوق ليس عشوائيًا، بل سياسة ثابتة: إعدام بطيء بلا محاكمات علنية ولا مشانق، بل في صمت الزنازين الانفرادية.

 

القانون والدستور.. غطاء مثقوب

الدستور المصري ينص على أن "السجن دار إصلاح وتأهيل"، لكن الواقع يحوّله إلى مقبرة مغلقة. ما يجري يخالف أيضًا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى اتفاقية مناهضة التعذيب. لكن الانتهاكات تستمر بلا مساءلة، فيما تلتزم الأجهزة الرسمية الصمت، ويتحوّل القضاء إلى شاهد زور على قتل بطيء يتم بغطاء قانوني.

 

صمت الداخل.. صخب الخارج

في الداخل، الإعلام الرسمي يتجاهل أو يبرر. لكن في الخارج، تتحدث منظمات حقوقية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش عن "مقابر أحياء" داخل السجون المصرية، وعن حرمان ممنهج من الرعاية الطبية والإنسانية. عائلات المعتقلين تتحدث عن أجساد أنهكها الإضراب، عن زيارات ممنوعة، وعن أصوات مكتومة لا تجد من ينصت إليها.

 

لماذا الآن؟

السؤال الأهم: لماذا الإصرار على قتل البلتاجي والصيرفي ببطء؟ الجواب يكمن في السياسة. النظام يرى أن تصفية رموز يناير والإخوان داخل السجون هي الضمانة لإغلاق أي صفحة من صفحات المعارضة، حتى لو كانت المعارضة مجرد ذكرى. إنها عملية إبادة صامتة، تحاول أن تنهي أثر هؤلاء الرموز من الحياة العامة، لا عبر أحكام علنية تثير الضجيج، بل عبر موت بطيء لا يلفت الأنظار إلا حين يسقط الجسد نهائيًا.

 

الخاتمة: موت معلن ببطء

الصيرفي والبلتاجي ليسا وحدهما. هما جزء من مشهد أوسع، مشهد عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يعيشون في زنازين تُدار كغرف إعدام مؤجلة. ما كشفه نجل الصيرفي ليس مجرد نداء شخصي، بل شهادة على جريمة دولة، تُمارس القتل ببطء كأداة سياسية.