تتواصل الممارسات الأمنية في مصر ضد النشطاء والمعارضين، ليس فقط عبر ملاحقتهم المباشرة، بل أيضاً من خلال استهداف أفراد عائلاتهم بهدف الضغط عليهم وإسكات أصواتهم.
هذه السياسة التي وثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، برزت مجدداً مع قضية الناشط المصري المقيم في هولندا عبد الغني ناجي الفاجومي، الذي كشف عن اعتقال السلطات لشقيقه الأكبر منذ أربعة أشهر، في محاولة واضحة لإجباره على التراجع عن مواقفه السياسية المعارضة.
خلفية عن القضية
وأوضح الفاجومي في تصريحات صحفية لأحد المواقع العربية، أن شقيقه الأكبر سيد خميس رجب السيد اعتُقل منذ أربعة أشهر، مشيراً إلى أن الهدف من ذلك هو ممارسة الضغط المباشر عليه لإسكاته.
وأكد أن السلطات أرسلت له رسائل غير مباشرة عبر أسرته، مفادها أن الإفراج عن شقيقه مرهون بتقديم اعتذار علني لعبد الفتاح السيسي، والإشادة بما يُوصف بإنجازاته.
عبد الغني، الذي غادر مصر قبل عشر سنوات، قال إنه يدرك جيداً خطورة نشاطه السياسي والإعلامي، لكنه أصر على أن حرية التعبير حق مكفول بالدستور والقانون الدولي، وأن اعتقال شقيقه لن يجعله يتراجع عن مواقفه.
اتهامات مفبركة ورسائل تهديد
أوضح الفاجومي أن شقيقه الذي لا يعرف عنه أي نشاط سياسي أو حقوقي، وُجهت له اتهامات بالانضمام إلى "جماعة إرهابية" وتمويلها، وهي التهم التي درجت السلطات المصرية على استخدامها ضد كثير من المعتقلين السياسيين. وأضاف أن قوات الأمن قامت بتكسير محتويات منزل شقيقه أثناء عملية الاعتقال، ومصادرة ممتلكاته، دون مراعاة لسنّه أو وضعه الاجتماعي.
وتابع قائلاً: "اعتقال أخي رسالة تهديد مباشرة لي، لكنني لن أصمت ولن أتوقف عن فضح هذه الانتهاكات، حتى لو دفعت عائلتي الثمن".
موقف الأسرة والمنظمات الحقوقية
وفق ما وثقته منظمات حقوقية محلية، فقد ظهر سيد خميس لأول مرة أمام نيابة أمن الدولة العليا في 15 مايو 2025، حيث أُحيل إلى قضايا ذات طابع سياسي بحت.
الأسرة أكدت أن ابنها لم يكن يوماً ناشطاً أو معارضاً، وأن اعتقاله جاء فقط بسبب علاقة القرابة بالناشط عبد الغني.
من جانبها، قالت منظمة الشهاب لحقوق الإنسان إن ما جرى يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق سيد، ويعكس استمرار السلطات المصرية في استخدام أسلوب "العقاب الجماعي" ضد أسر النشطاء في الخارج.
وأضافت أن هذه الممارسات تمثل خرقاً للمواثيق الدولية، وتكشف عن منهجية ثابتة في تحويل ذوي المعارضين إلى رهائن.
أما منظمة نجدة لحقوق الإنسان فقد شددت على أن استهداف أسر النشطاء جريمة مضاعفة، إذ لا ذنب للمعتقل سوى صلة القرابة بمعارض سياسي.
وأكدت المنظمة أن هذه السياسة تهدف إلى نشر الخوف والردع داخل المجتمع، وإسكات كل صوت معارض عبر ترهيب عائلاته.
معاناة مستمرة في المنفى
الناشط عبد الغني ناجي أشار في تصريحاته إلى أنه غادر مصر منذ عشر سنوات خوفاً من الملاحقة، ولم يعد يتواصل بانتظام مع عائلته حتى لا يتسبب لهم في مشاكل أمنية.
ومع ذلك، فإن اعتقال شقيقه يبرهن ــ بحسب قوله ــ أن النظام "لم يتركه في سلام حتى في المنفى".
وأضاف: "هذه رسالة واضحة أن أي معارض لن يكون في مأمن، حتى لو ابتعد آلاف الكيلومترات عن البلاد".
دلالات أوسع
قضية الفاجومي ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن وثقت منظمات حقوقية عدة حالات مشابهة، تم فيها اعتقال أقارب معارضين مصريين بالخارج للضغط عليهم.
هذه السياسة، التي تصفها منظمات العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بأنها "ابتزاز سياسي"، تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بغياب سيادة القانون، وتحوّل الأجهزة الأمنية إلى أداة للانتقام من الخصوم.
وتشير هذه الممارسات إلى أن السلطات المصرية لا تكتفي بإسكات الأصوات الداخلية، بل تلاحق حتى المعارضين في الخارج عبر أسرهم، في رسالة واضحة إلى كل من يفكر في انتقاد النظام.
وأخيرا فاعتقال سيد خميس رجب السيد ليس مجرد قضية فردية، بل هو نموذج صارخ لسياسة ممنهجة تستهدف أسر النشطاء المصريين في الداخل والخارج.
وبينما يصر عبد الغني ناجي على مواصلة نشاطه من هولندا، فإن استمرار احتجاز شقيقه يكشف عن الثمن الباهظ الذي تدفعه عائلات المعارضين.
وبحسب مراقبين حقوقيين، فإن هذه الممارسات لن تُسكت الأصوات المعارضة، بل قد تؤدي إلى مزيد من فضح الانتهاكات وتعميق عزلة النظام المصري على الساحة الدولية.