عاد الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح إلى الإضراب عن الطعام مجدداً، احتجاجاً على ما وصفه بـ"خديعة جديدة من حكومة السيسي"، بعد أن أخلفت السلطات وعدها بالإفراج عنه في أعقاب موجة الاحتجاجات التي نُظّمت مؤخراً أمام السفارة المصرية في عدد من العواصم العالمية للمطالبة بحريته.

هذه الخطوة أعادت قضيته إلى واجهة النقاش العام من جديد، وسط مخاوف حقوقية على حياته المتدهورة بسبب سنوات من السجن وسلسلة الإضرابات الطويلة التي خاضها خلال العقد الأخير.
 

وعود لم تُنفذ
خلال الأشهر الماضية، تداولت تقارير إعلامية وحقوقية أن مسؤولين حكوميين لمحوا إلى إمكانية الإفراج عن عبد الفتاح في إطار "خطوات لتهدئة الغضب الشعبي"، لا سيما بعد تصاعد الأصوات الدولية التي طالبت القاهرة بالإفراج عن سجناء الرأي.
وجاءت هذه التسريبات عقب احتجاجات أمام السفارة المصرية في لندن وباريس، رفعت خلالها لافتات تندد بالاعتقال التعسفي وتتهم الحكومة المصرية بتضليل المجتمع الدولي.
لكن هذه الوعود، وفق أسرته ومحاميه، لم تكن سوى محاولة لامتصاص الضغوط، حيث لم يُنفذ أي إجراء ملموس حتى الآن.

يُعتبر علاء عبد الفتاح أحد أبرز رموز ثورة يناير 2011، وواحداً من الأصوات القليلة التي واصلت الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان رغم حملات الاعتقال والقمع.

قضى علاء سنوات طويلة خلف القضبان في فترات مختلفة، بتهم اعتبرتها المنظمات الحقوقية "مفبركة وسياسية"، بينها "نشر أخبار كاذبة" و"الانتماء إلى جماعة محظورة".
وفي كل مرة كان يلجأ إلى الإضراب عن الطعام كوسيلة احتجاج سلمية للفت الانتباه إلى قضيته وقضايا السجناء السياسيين في مصر.
 

احتجاجات دولية وضغط متجدد
عودة علاء إلى الإضراب تزامنت مع احتجاجات جديدة أمام السفارات المصرية في عدد من العواصم الأوروبية.
المتظاهرون اعتبروا أن القاهرة تواصل "خداع المجتمع الدولي"، عبر إطلاق وعود لا تتحقق، فيما يتواصل "النزيف الحقوقي" داخل السجون.

منظمة العفو الدولية بدورها أكدت أن "حياة علاء عبد الفتاح باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى"، داعية الحكومات الغربية إلى ممارسة ضغط حقيقي على النظام المصري، وعدم الاكتفاء بالبيانات الإنشائية.
 

مأساة عائلية مفتوحة
أسرة علاء تعيش منذ سنوات بين الأمل والخذلان.

والدته ليلى سويف، التي خاضت إضرابات تضامنية معه، قالت في تصريحات سابقة إن "النظام يستعمل علاء كورقة تفاوض سياسية، بينما يتجاهل حياته ومعاناة آلاف المعتقلين الآخرين".

شقيقته منى سيف أعادت نشر رسالة مفتوحة على مواقع التواصل تؤكد فيها أن "الإضراب ليس خياراً، بل صرخة أخيرة في وجه ظلمٍ مستمر".
 

نظام قمعي
يرى محللون سياسيون أن تراجع النظام المصري عن وعوده يكشف عن ازدواجية في الخطاب: فمن جهة يحاول تقديم نفسه أمام المجتمع الدولي كحكومة منفتحة تتبنى الحوار السياسي، ومن جهة أخرى يستمر في قمع المعارضين واعتقال النشطاء.

الباحث في الشأن المصري حسام الحملاوي وصف ما جرى بأنه "نموذج متكرر من أسلوب النظام: تقديم وعود فارغة لإخماد الضغوط، ثم العودة إلى القمع كالمعتاد".

وأخيرا فإضراب علاء عبد الفتاح الأخير ليس مجرد معركة شخصية من أجل الحرية، بل مرآة تكشف حجم الأزمة الحقوقية التي تعيشها مصر منذ سنوات.
إخلاف السلطة لوعودها يؤكد أن القمع ما زال أداة رئيسية في إدارة المشهد السياسي، وأن الثمن هذه المرة قد يكون حياة أحد أبرز رموز الثورة.

وبينما يتشبث النظام بمقعده، يزداد الضغط الشعبي والحقوقي، لتبقى حياة علاء وغيره من آلاف المعتقلين شاهداً صارخاً على مأساة الحرية في بلد يتنفس القهر.