في مشهد يلخص طبيعة الحكم في مصر اليوم، اعتقلت السلطات الأمنية سعيد عتيق، أحد أبرز أبناء قبيلة السواركة في شمال سيناء والمتحدث السابق باسمها، ووضعتْه في الحبس الاحتياطي، بعد أن وجّه انتقادات علنية للبلطجي السابق ورجل الأعمال الحالي إبراهيم العرجاني ومشاريع الإمارات الاقتصادية المثيرة للجدل في سيناء.
اعتقال عتيق، المعروف بولائه السابق لنظام عبد الفتاح السيسي، يفضح حجم القبضة الأمنية التي لم تترك مساحة حتى لحلفائها المقربين، ويكشف كيف تحولت سيناء إلى ساحة مغلقة تتحكم فيها شبكات مصالح مرتبطة بالسلطة ورجال الأعمال وشركات خارجية.
من صوت قبيلة السواركة إلى متهم في زنازين الأمن
سعيد عتيق كان لسنوات واجهة إعلامية لقبيلة السواركة، كبرى قبائل شمال سيناء، ووقف علنًا إلى جانب الدولة في حملاتها الأمنية، بل ردد خطاب السيسي حول "الحرب على الإرهاب".
هذا الولاء لم يشفع له عندما انتقد العرجاني، رجل الأعمال المقرب من النظام، والذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى رمز للنفوذ الاقتصادي والعسكري في سيناء.
عتيق، في تصريحات علنية، حذّر من أن سيطرة العرجاني وشركاته المدعومة من الإمارات على المشاريع الحيوية في سيناء تهدد مصالح الأهالي وتقصي أبناء القبائل أنفسهم من المشاركة في مستقبل أرضهم. لكن صوته قوبل بالقمع السريع، ليصبح "المتحدث باسم السواركة" متهمًا خلف القضبان.
العرجاني والإمارات: مشاريع تثير الشكوك
إبراهيم العرجاني، الذي انطلق من خلفية قبلية ليصبح أحد أعمدة المال والنفوذ في مصر، بات اسمه مقترنًا بمشاريع اقتصادية وأمنية مرتبطة بسيناء.
هذه المشاريع، التي تشارك فيها شركات إماراتية، تثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية: هل هي لتنمية المنطقة لصالح سكانها أم لإعادة تشكيلها بما يخدم مصالح سياسية وأمنية إقليمية؟ سعيد عتيق كان من الأصوات القليلة التي تجرأت على التشكيك في جدوى تلك المشاريع، معتبرًا أن ما يجري هو عملية "إحلال اقتصادي" تُقصى فيها القبائل لحساب رجال أعمال محسوبين على السلطة وداعميها الإقليميين.
القلق من انكشاف الصفقات السرية
الاعتقال السريع لسعيد عتيق يؤكد أن النظام لا يخشى فقط الأصوات المعارضة، بل يخاف أكثر من كشف أسرار الصفقات الاقتصادية في سيناء، خصوصًا تلك التي تتم برعاية إماراتية. فسيناء تحولت إلى منطقة مغلقة تُدار بعقود استثمارية غامضة، لا يعرف الشعب عنها شيئًا، بينما يعرف أبناء القبائل بعض تفاصيلها بحكم وجودهم في الميدان.
انتقاد عتيق لم يكن مجرد اعتراض على "العرجاني"، بل كان فضحًا لمسار كامل من بيع الأراضي والمشاريع لجهات خارجية، وهو ما جعل النظام يسارع إلى إسكات صوته قبل أن تنتشر الحقائق على نطاق أوسع.
قمع الحلفاء: رسالة تخويف للجميع
اعتقال عتيق يحمل دلالات أعمق من مجرد إسكات صوت معارض. فهو رسالة مباشرة لكل من يفكر في الاعتراض، حتى لو كان من داخل الدائرة التي ساندت السيسي في أحلك الظروف.
إذا كان الرجل الذي تبنّى خطاب الدولة ومثّل واحدة من كبرى قبائل سيناء لم يسلم من الاعتقال، فماذا عن الأصوات المستقلة أو المعارضة أصلًا؟
هنا يظهر نمط واضح: النظام لا يسمح بانتقاد رجاله الأقوياء، وفي مقدمتهم العرجاني، حتى لو جاء النقد من حليف قديم.
سيناء: أرض تتحول إلى رهينة مصالح
سيناء اليوم ليست فقط ساحة عسكرية مغلقة، بل أيضًا مسرح لتداخل المصالح الاقتصادية بين السلطة المصرية وحلفائها في الخليج. دخول الشركات الإماراتية بقوة عبر بوابة مشاريع العرجاني يجعل الكثير من أبناء القبائل يشعرون أن أرضهم تُباع وتُدار بقرارات فوقية لا تراعي حقوقهم ولا مستقبلهم.
اعتقال سعيد عتيق جاء ليؤكد هذا الشعور: من يتحدث يُسجن، ومن يعترض يُقصى، فيما تبقى مشاريع الإمارات ورجال السيسي ماضين في إعادة تشكيل المنطقة وفق حسابات لا علاقة لها بتنمية حقيقية أو بتمكين أهلها.
انكشاف اللعبة
قضية سعيد عتيق ليست مجرد حادثة فردية، بل انعكاس لبنية حكم تقوم على الإقصاء والتخويف. فمن كان يومًا صوتًا داعمًا للنظام وناطقًا باسم قبيلة كبيرة، أصبح متهمًا فقط لأنه انتقد "رجل الدولة المفضل" ومشاريع شركاء السلطة في الخليج.
هذه المفارقة تكشف أن النظام لا يعرف حليفًا دائمًا، بل يعرف فقط من يلتزم الصمت. أما من يرفع صوته، حتى لو من داخل الصف، فمصيره الاعتقال.
في النهاية، يظل السؤال مطروحًا: إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا النهج في إدارة سيناء؟ وهل يدرك السيسي أن قمع الحلفاء قبل الخصوم قد يؤدي في النهاية إلى انفجار صامت داخل مجتمع يعاني أصلًا من التهميش والإقصاء؟