في مشهد يعكس مأساة متكررة في مصر، أُفرج أمس عن الصحفية دنيا سمير بعد أن قضت ثلاث سنوات كاملة رهن الحبس الاحتياطي، على ذمة إحدى القضايا السياسية التي باتت تُعرف بين الحقوقيين بقضايا "الثلاجة"، حيث يُحتجز المتهمون لسنوات بلا محاكمة فعلية.

الإفراج عنها أثار موجة واسعة من التفاعل، خصوصًا أن قصتها ارتبطت باتهامها العلني لأحد كبار المسؤولين، اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء وصهر عبد الفتاح السيسي، بالتحرش بها، لتتحول بعدها من شاهدة وضحية إلى متهمة خلف القضبان.
 

بداية القصة: من التحرش إلى الاعتقال
تعود جذور القضية إلى عام 2020، حينما نشرت دنيا سمير عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تحدثت فيها عن تعرضها للتحرش الجنسي من قبل المحافظ خالد فودة، ووجهت له اتهامات مباشرة، مؤكدة أنها لن تصمت رغم نفوذ الرجل وصلاته العائلية بالسيسي.
https://x.com/i/status/1640232181829074945
https://x.com/i/status/1742496817114169775

هذه الفيديوهات، التي سرعان ما انتشرت على نطاق واسع، وضعت دنيا في مواجهة مباشرة مع السلطة، حيث شنت الأجهزة الأمنية حملة ضدها.
لم يمض وقت طويل حتى اعتُقلت هي نفسها، ووجهت إليها اتهامات فضفاضة من قبيل "نشر أخبار كاذبة" و"الانضمام لجماعة إرهابية"، وهي الاتهامات التي باتت سيفًا مسلطًا على كل من يرفع صوته بالنقد أو الفضح.
 

اعتقال الأبناء وإسكات الصوت
اللافت أن الانتقام لم يتوقف عند دنيا وحدها، بل طال أيضًا أسرتها.
فقد نشرت لاحقًا مقاطع أخرى توثق اعتقال اثنين من أبنائها، في محاولة للضغط عليها وإجبارها على التراجع عن أقوالها.
هذه المشاهد زادت من تعاطف الرأي العام معها، لكنها في الوقت نفسه أكدت أن ثمن التجرؤ على كشف الفساد أو التحرش على مستوى كبار المسؤولين قد يكون باهظًا.
 

ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي
منذ اعتقالها، تنقلت دنيا بين أكثر من سجن، وظلت لثلاث سنوات قيد الحبس الاحتياطي دون محاكمة عادلة، في خرق صريح للقانون المصري نفسه الذي يحدد مدة الحبس الاحتياطي بعامين كحد أقصى.
ورغم النداءات الحقوقية المتكررة، تجاهلت السلطات هذه المطالب، لتظل الصحفية خلف القضبان إلى أن جاء قرار الإفراج عنها أخيرًا في سبتمبر 2025.
 

ردود الفعل الحقوقية
منظمات حقوق الإنسان، محلية ودولية، أدانت بشدة اعتقال دنيا. فقد اعتبر حقوقيون بارزون مثل جمال عيد ومحمود رفعت أن اعتقالها "رسالة تخويف" لكل صحفي يفكر في الاقتراب من دائرة السلطة أو كشف أي فساد أو انتهاكات جنسية تطال كبار المسؤولين.
وأكدوا أن إطلاق سراحها بعد كل هذه السنوات لا يُلغي الانتهاك الذي تعرضت له، بل يضيف إلى سجل النظام المزيد من الأدلة على طبيعته القمعية.
 

غضب السوشيال ميديا
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تحولت قصة دنيا سمير إلى قضية رأي عام، حيث تداول النشطاء هاشتاغات حملت اسمها، مذكرين الناس بأنها "سُجنت لأنها قالت لا للتحرش"، بينما كتب آخرون أن الإفراج عنها لا يُعتبر منّة أو مكسبًا، بل حق أصيل انتُزع منها ظلمًا. بعض المغردين شبّهوا حالتها بحالات أخرى لصحفيين وصحفيات مثل صفاء الكوربيجي وسولافة مجدي، ممن واجهن المصير ذاته بسبب آرائهن.

الكاتب الصحفي جمال سلطان كان قد كتب " بمناسبة الإفراج عن ثلاث صحفيات مصريات قبل يومين، كن تحت قيد الحبس الاحتياطي بدون جريمة ولا تهمة حقيقية، يذكر أن الصحفية دنيا سمير فتحي، كانت قد اشتكت في فيديو من تحرش محافظ جنوب سيناء اللواء أركان حرب خالد فودة بها جنسيا، فودة المعروف بصداقته للإسرائيليين أوعز للنيابة للتنكيل بها، فأمرت بالقبض عليها وحبسها في مايو 2022 ، ووجه لها النائب العام "الشامخ" تهمة الانضمام لجماعة إرهابية!!!، "دنيا" أم لأربعة أطفال منعت من رؤيتهم، وما زالت في سجن القناطر حتى اليوم، بلا جريمة ولا تهمة، فقط لإرضاء السيد اللواء أركان حرب !"

 

وقال نوح " الصحفية "دنيا سمير" اشتكت من تحرش محافظ جنوب سيناء بها، اللواء أركان حرب خالد فودة، فتم اعتقالها فى 27 مايو 2022 ولُفق لها تهمة الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، ويُذكر أن الصحفية دنيا لديها أربعة أبناء لم تراهم منذ اعتقالها. #الحرية_لدنيا_سمير".

 

الصحفية غادة نجيب ايضا كانت قد كتبت " امن الدولة اعتقل السيدة دنيا سمير من منزلها ف شرم الشيخ اول امبارح لمن لا يعرف مشكلة السيده دنيا هى ام لاربع اطفال وهى العائل الوحيد ليهم عملت فديو من كذا يوم بتستغيث من تحرش محافظ جنوب سينا اللوا خالد فوده نسيب السيسي نظام قذر مسابش دنيئيه الا ما عملها"
 

دلالة سياسية
يرى مراقبون أن الإفراج عن دنيا بعد ثلاث سنوات ليس إلا محاولة من السلطة لتخفيف الضغوط الدولية التي تزايدت في الآونة الأخيرة بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، خصوصًا مع تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية التي تنتقد بحدة أوضاع المعتقلين السياسيين.
كما أن القضية تكشف بجلاء التناقض بين الخطاب الرسمي عن "تمكين المرأة" وحماية حقوقها، والواقع الذي يُسجن فيه الضحايا بدلًا من محاسبة المتحرشين النافذين.

قصة الصحفية دنيا سمير تعكس مأساة مركبة: ضحية تحرش تحولت إلى متهمة، وأم دفعت ثمن شجاعتها بحرمانها من حريتها وأبنائها لسنوات.
الإفراج عنها اليوم يطرح أسئلة أعمق حول العدالة الغائبة، وحول ما إذا كانت مصر تستطيع أن تفتح صفحة جديدة تقوم على حماية النساء والصحفيين بدلًا من التنكيل بهم.

لكن الأكيد أن تجربتها ستظل علامة فارقة في سجل الانتهاكات، ودليلًا إضافيًا على أن الحبس الاحتياطي في مصر لم يعد وسيلة قانونية، بل صار أداة انتقامية لإسكات الأصوات الحرة.