في حادثة جديدة تثير موجة من الغضب الشعبي وتسلط الضوء على ملف الانتهاكات الأمنية في مصر، قُتل المواطن محمد عادل عبد العزيز بالرصاص الحي على أيدي قوات الشرطة في منطقة القوصية بمحافظة أسيوط، وسط مزاعم رسمية باطلة بأنه اعتدى على الشرطة أثناء تنفيذ مأمورية. لكن شهادة أقاربه ومقطع فيديو متداول يروي القصة الحقيقية، ليكشف أن ما حدث ليس سوى تصفية جسدية ممنهجة خارج إطار القانون.
 

الواقعة: مزاعم رسمية... وحقيقة صادمة
محمد عادل، شاب في الثلاثينات من عمره، كان يعمل على استصلاح نحو 100 فدان من الأراضي الصحراوية في منطقة القوصية، ضمن مشروع خاص لتحسين مستوى معيشته وأسرته.

لكن صباح الحادث، داهمت قوة أمنية المنطقة، لتبدأ مواجهة انتهت بإطلاق الرصاص عليه بشكل مباشر. البيان الأمني ادعى أن الشاب بادر بإطلاق النار على القوات، في تكرار لرواية نمطية تستخدمها الأجهزة الأمنية لتبرير القتل الميداني.

غير أن فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي لأقاربه يكشف التفاصيل المروعة: أحد الضباط واجه أسرة الضحية قائلاً لهم بوقاحة: "جالي أمر بتصفيته". هذه العبارة القصيرة تلخص حقيقة ما يجري في الخفاء: التصفية بالقرار، لا بالمواجهة.
https://x.com/i/status/1962082841627369967
 

أهالي القوصية: قتل متعمد وانتقام
شهادات الأهالي في الفيديو نفسه تؤكد أن محمد لم يكن مسلحًا ولم يهاجم أحدًا، بل كان يعمل في أرضه بسلام. أحد أقاربه قال: "محمد كان بيحلم يعيش من خير الأرض، اتقتل غدر... جريمة مدبرة". آخر أشار إلى أن الشاب لم يكن عليه أحكام جنائية، ولم يكن مطلوبًا في أي قضية خطيرة.

الجريمة أثارت تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه المداهمة الدموية. هل الهدف تصفية حسابات؟ أم استعراض قوة الأجهزة الأمنية في المناطق الريفية والصحراوية التي يقطنها المواطنون الفقراء والمهمشون؟.
 

المجتمع في مواجهة الرعب
بعد انتشار فيديو أقارب محمد عادل، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالغضب، حيث أطلق النشطاء وسومًا مثل #حق_محمد_عادل و#التصفية_جريمة، مطالبين بتحقيق دولي ومحاكمة المسؤولين عن إصدار الأوامر بالتصفية. كثيرون ربطوا هذه الجريمة بحوادث مماثلة، مشيرين إلى أن العدالة في مصر باتت مغيبة بالكامل.

حزب تكنو قراط مصر تساءل " شاب عنده ١٠٠ فدان، كل يوم يعدي من كمين القوصية. فجأة ضابط يقتله ويبرر ذلك: "جالي أمر بتصفيته"! في #مصر فقط قد تذهب لبناء مستقبلك فيرجعوك جثة. الدم عندهم بلا ثمن السؤال هنا: من اعطى الامر بتصفية المواطن محمد عادل عبد العزيز؟ او بمعنى ادق من" الباشا" الذي طمع بأرضه فامر بقتله؟".
https://x.com/egy_technocrats/status/1962317124501705197

الإعلامي نور الدين عبدالحافظ " مقتل محمد عادل عبدالعزيز 35 عامًا برصاص الداخلية في القوصية بأسيوط وفق ما نقلت مراكز حقوقية و أضافت أن الشرطة نقلت الجثمان من مكان الحادث لجهة غير معلومة ويعمل عبدالعزيز في مشروع زراعي بالصحراء الغربية".
https://x.com/noureldinmoh/status/1962468006270767113

وقال عفرتيكو " شاب عنده أرض. ١٠٠ فدان بيستثمر فيها وبيعدي على كم.ين القوصية كل يوم.. فجأة الش.رطة قررت جاله أمر تصف .ٌية وقت.ُلوه! في بلدنا ممكن تبقى رايح تبني مستقبل يرجعوك  ج.ٌ ثة.. والد. .ٌم عندهم أوامر ابحث عن مين عايز ياخد ١٠٠ فدان منه".
https://x.com/SAGER160/status/1962082841627369967

المجلس الثوري المصري " تصفية الشرطة المصرية لمحمد عادل عبد العزيز في القوصية #أسيوط، وابن عمه يؤكد الخبر. الأخطر في حديثه هو أن القتل جاء بناء عن "أمر تصفية" مع أن القانون والدستور المصري لا يوجد به أمر تصفية. هذه جريمة قتل بدم بارد خارج إطار القانون تستوجب محاكمة وإعدام من أعطى الأمر ومن نفذه."
https://x.com/ERC_egy/status/1962082708462469298

الصحفي عمار الفتيري " الشرطة تقتل مواطن في أسيوط في مساء يوم السبت 23 أغسطس 2025، قُتل المواطن محمد عادل عبدالعزيز (35 عامًا) بعد أن أطلقت عليه قوة أمنية النار في مركز القوصية بمحافظة أسيوط، وفق ما أفادت به مصادر محلية. وأشارت المصادر إلى أن قوات الشرطة قامت بنقل جثمان الضحية من مكان الحادث إلى جهة غير معلومة، دون إخطار النيابة العامة أو تمكين أسرته من معرفة مكان الجثمان أو استلامه. ويعمل عبدالعزيز في مشروع استصلاح زراعي على مساحة 50 فدانًا بالصحراء الغربية منذ نحو سبعة أشهر، وكان يقيم في قرية عرب الجهمة، التي يمر عبرها يوميًا في طريقه إلى كمين القوصية الغربي."
https://x.com/OElfatairy/status/1962155504890716646
 

التصفية خارج القانون: نمط متكرر
ما حدث لمحمد عادل ليس واقعة استثنائية، بل حلقة جديدة في مسلسل القتل خارج نطاق القضاء في مصر. تقارير حقوقية، أبرزها من منظمة العفو الدولية والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وثّقت مئات الحالات التي تم فيها تصفية مواطنين تحت مزاعم الاشتباك المسلح. غالبية هذه الحالات لم تخضع لأي تحقيق مستقل، ولم يحاسب أي مسؤول.

وفق تقديرات حقوقية، شهدت السنوات الخمس الماضية أكثر من 750 حالة قتل خارج إطار القانون، معظمها في مناطق الصعيد أو الأطراف المهمشة، حيث يسهل تمرير الروايات الرسمية دون مساءلة إعلامية أو قضائية.
 

إحصاءات تكشف المأساة

  • 2020: نحو 143 حالة تصفية وفق تقديرات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
  • 2021: ارتفعت الحالات إلى حوالي 180 حالة.
  • 2022–2023: استمرار المعدل نفسه تقريبًا بزيادة طفيفة، رغم غياب الشفافية الرسمية.
  • 2024: التقارير الحقوقية تشير إلى استمرار النهج نفسه، مع الإفلات التام من العقاب.
     

أبرز 5 وقائع تصفية مشابهة خلال السنوات الأخيرة

  • شقة مدينة نصر – يناير 2015: مقتل 9 شباب من جماعة الإخوان داخل شقة، زعمت الداخلية أنهم في اجتماع مسلح، بينما الأهالي أكدوا أن الضحايا كانوا عُزّل.
  • شباب العريش – يناير 2017: تصفية 10 شباب بسيناء تحت مزاعم تنفيذ هجمات إرهابية، لاحقًا اتضح أن بعضهم كانوا معتقلين قبلها بشهور.
  • حادثة الوراق – يوليو 2017: مقتل مواطنين خلال اشتباكات مع قوات الأمن أثناء إزالة منازل الجزيرة.
  • منفذ الجيزة – ديسمبر 2018: تصفية 40 شخصًا في يوم واحد بزعم التخطيط لهجمات إرهابية، دون أي تحقيق أو أدلة منشورة.
  • شقة الأميرية – أبريل 2020: مقتل خلية مزعومة في تبادل إطلاق نار، بينما الصور المسربة أظهرت علامات تصفية.
     

الخلاصة: جريمة تحتاج لمحاسبة عاجلة
مقتل محمد عادل عبد العزيز جرس إنذار جديد بأن سياسة التصفية خارج القانون مستمرة في مصر دون أي محاسبة، بل بتشجيع ضمني من منظومة أمنية ترى في القتل وسيلة للسيطرة وبث الخوف. القصة ليست مجرد حادث فردي، بل فضيحة حقوقية تعكس حجم الانهيار القانوني والإنساني.

المطلوب اليوم ليس فقط التضامن، بل الضغط الدولي والغضب الشعبي لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وإجبار السيسي على وقف سياسة الرصاص أولًا... والتحقيق بعد التصفية.