شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا جديدًا في نهج السلطات الانقلابية ضد الأصوات المعارضة بالخارج، إذ أقدمت الأجهزة الأمنية على اعتقال شقيق الإعلامي المصري المقيم في تركيا عماد البحيري ونجله، في خطوة اعتبرها مراقبون استمرارًا لسياسة العقاب الجماعي واستهداف أسر المعارضين الذين ينشطون في المنصات الإعلامية المعارضة للنظام.
 

تفاصيل الواقعة.. ضغوط لكتم الصوت المعارض
بحسب مصادر حقوقية، داهمت قوات أمنية منزل أسرة البحيري في مصر واقتادت شقيقه ونجله إلى جهة غير معلومة حتى الآن، وسط غياب أي تهم رسمية معلنة.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب نشاط البحيري الإعلامي المكثف وانتقاده سياسات الحكومة، لا سيما ملفات الفساد والديون والغلاء.
ويرى مقربون أن هذه الاعتقالات تهدف لإجباره على التراجع عن خطابه الإعلامي، تحت ضغط التهديد بعائلته.

هذه ليست الحالة الأولى، إذ وثقت منظمات حقوقية منذ سنوات نمطًا ممنهجًا من الاعتقالات والملاحقات لأقارب الإعلاميين المعارضين المقيمين بالخارج، في محاولة لإسكاتهم أو ابتزازهم للتوقف عن النقد.
 

سياسة قديمة تتجدد.. أسر المعارضين في مرمى القمع
منذ عام 2013، اعتمدت السلطات المصرية نهجًا يقوم على توسيع دائرة العقاب لتشمل أسر المعارضين السياسيين والإعلاميين بالخارج.
ففي الوقت الذي يصعب فيه الوصول إلى هؤلاء بسبب وجودهم في دول مثل تركيا وقطر وأوروبا، يتم اللجوء إلى الضغط على أقاربهم في الداخل عبر الاعتقال أو تجميد الأموال أو الملاحقة القضائية.

ومن أبرز الحالات التي شهدتها السنوات الأخيرة:

  • معتز مطر: الإعلامي المعروف بقناة "الشرق"، تعرضت أسرته في مصر لسلسلة مداهمات واعتقالات، شملت والديه وأشقائه في أوقات مختلفة.
  • محمد ناصر: واجهت أسرته التضييق الأمني، بما في ذلك مصادرة ممتلكات واعتقال أقارب، في إطار الضغط عليه لإسكات برامجه النقدية.
  • حمزة زوبع: رئيس تحرير قناة مكملين سابقًا، لم يسلم أقاربه من الاستهداف، وتم اعتقال بعضهم لفترات قصيرة.
  • هيثم أبو خليل: الناشط الحقوقي، أُدرجت عائلته في أكثر من قضية سياسية، وتعرض أشقاؤه لملاحقات.
  • عبدالله الشريف: صانع المحتوى الشهير، الذي كشف بنفسه في أكثر من تسجيل عن تعرض أشقائه للاعتقال والتعذيب لإجباره على التوقف عن إنتاج الفيديوهات الناقدة للنظام.


أهداف سياسية.. ورسائل تخويف
يرى خبراء أن هذه السياسة تهدف إلى إرسال رسائل تخويف إلى جميع المعارضين في الخارج، مفادها أن "أمن عائلاتهم في الداخل مرهون بصمتهم". الباحث السياسي عمار علي حسن اعتبر أن هذه الممارسات تعكس "عجز السلطة عن إدارة خلاف سياسي بشكل حضاري، واعتمادها منطق الثأر والانتقام بدلًا من الحوار".

من جهته، يشير المحامي الحقوقي نجاد البرعي إلى أن هذه الاعتقالات تخالف الدستور المصري الذي ينص على عدم جواز معاقبة أي شخص على جريمة لم يرتكبها، مؤكدًا أن ما يجري يدخل في إطار "العقوبات الجماعية المحظورة بموجب المواثيق الدولية".
 

خلفيات خطيرة.. انعدام الأمان الاجتماعي
التداعيات الاجتماعية لهذه السياسات عميقة، إذ يعيش مئات الأسر تحت تهديد دائم، ما يدفع البعض للصمت خوفًا من الأذى الذي قد يلحق بأقاربهم.
ويرى مراقبون أن هذا المناخ يوسع الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويكرس صورة السلطة ككيان يعتمد القمع لا القانون.

كما أن استمرار هذه الإجراءات يضعف سمعة مصر الدولية في ملف حقوق الإنسان، خصوصًا في ظل تقارير المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية التي وثقت هذه الانتهاكات.
 

معركة مفتوحة بلا أفق
واقعة اعتقال شقيق ونجْل عماد البحيري تفتح الباب مجددًا للتساؤل حول مستقبل المعركة بين النظام ومعارضيه بالخارج: هل ستدفع هذه السياسات إلى إسكات الأصوات الناقدة أم ستزيد من إصرارها على المواجهة؟

حتى الآن، يبدو أن المعركة مستمرة، وأن ثمنها يدفعه الأبرياء من عائلات المعارضين، في مشهد يكرس حالة الانتقام السياسي على حساب دولة القانون.