في انتهاك صارخ للقوانين المحلية والمعايير الدولية، كشفت 14 منظمة حقوقية محلية ودولية عن احتجاز ما لا يقل عن 15 طفلًا مصريًا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، بتهم تتعلق بالإرهاب، دون تقديم أي دليل، بسبب أنشطتهم على منصات الألعاب الإلكترونية، وعلى رأسها لعبة PUBG.
وأكدت المنظمات أن هؤلاء الأطفال تعرضوا لسلسلة من الانتهاكات الجسيمة شملت الإخفاء القسري والتعذيب والحرمان من الرعاية الطبية، وهو ما يثير موجة من الغضب والقلق بشأن اتجاه السلطات المصرية نحو استهداف القُصَّر بذريعة الأمن القومي.
تفاصيل الانتهاكات: أطفال في قبضة القمع
وفقًا للبيان المشترك الذي أصدرته المنظمات أمس، فإن جميع الأطفال المقبوض عليهم تم توقيفهم من منازلهم دون أوامر قضائية أو توضيح الأسباب، قبل أن يتم إخفاؤهم قسريًا لفترات تراوحت بين أيام وشهور.
وخلال فترة الإخفاء، حُرم الأطفال من الاتصال بذويهم أو بمحاميهم، في انتهاك واضح للقانون المصري والدستور، الذي ينص على ضرورة إبلاغ الأهل والأقارب بمكان الاحتجاز.
وأشارت المنظمات إلى أن السلطات وجهت للأطفال تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية، دون تقديم أي أدلة ملموسة.
الأسوأ من ذلك، أن كثيرًا منهم لم يُعرض على المحاكم لجلسات تجديد الحبس، بينما لا يزال 13 طفلًا رهن الاحتجاز حتى الآن، بعضهم في أقسام الشرطة مع بالغين، في مخالفة صريحة للمادة 112 من قانون الطفل المصري، التي تحظر احتجاز الأطفال مع البالغين.
الذريعة: ألعاب إلكترونية تُحوّل إلى تهم إرهاب
البيان كشف عن أن السلطات بررت القبض على هؤلاء الأطفال بأنهم انضموا إلى جروبات على وسائل التواصل الاجتماعي أو قبلوا طلبات لنشر محتوى، مقابل الحصول على مكافآت داخل اللعبة.
وزعمت أن هذه المجموعات مرتبطة بجماعات متطرفة، في اتهامات وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها "باطلة ومبنية على خيال أمني بعيد عن أي منطق".
إحدى الحالات التي أبرزها البيان هي حالة محمد عماد (17 عامًا)، الحاصل على الجنسية الأمريكية، والذي اعتُقل في أغسطس 2024 أثناء زيارته لمصر في العطلة الصيفية.
ووفقًا لعائلته، كان عماد يلعب PUBG عندما تواصل معه أشخاص عرضوا عليه مكافآت داخلية مقابل نشر محتوى.
بعدها، داهمت الشرطة منزل والدته، صادرت أجهزة إلكترونية، وأخفته قسريًا لعشرة أيام قبل أن يظهر في قسم شرطة بنها.
رغم كونه قاصرًا، لا يزال محمد رهن الحبس الاحتياطي منذ عام تقريبًا، ويعاني من الربو الحاد دون تلقي الرعاية الطبية اللازمة، ما حرمه من التخرج من مدرسته الثانوية في الولايات المتحدة.
مطالب عاجلة بالإفراج والمحاسبة
المنظمات الحقوقية، ومن بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مؤسسة سيناء، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، طالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأطفال المحتجزين، وفتح تحقيق نزيه وشفاف في الانتهاكات التي تعرضوا لها، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والإخفاء القسري، ومحاسبة جميع المتورطين.
كما حذرت من أن استغلال الألعاب الإلكترونية لاستدراج الأطفال ثم اتهامهم بالإرهاب يمثل سابقة خطيرة ستفاقم حالة القمع وتزيد من عزلة مصر الدولية، خصوصًا في ظل التزاماتها القانونية بموجب اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب.
نمط متكرر من القمع
القضية تكشف عن نمط متزايد من الممارسات الأمنية التي تستهدف حتى القُصَّر، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
الخبراء الحقوقيون يؤكدون أن هذا النهج يضع مصر في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي، ويضر بصورتها أمام العالم، خاصة أن الحملة تزامنت مع تصاعد الانتقادات الغربية لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، واشتراطات متعلقة بالقروض الدولية والاستثمارات الأجنبية.
في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، يبدو أن النظام يختار تصعيد القبضة الأمنية على حساب أبسط الحقوق الإنسانية، ما يثير مخاوف من أن تكون هذه الممارسات بداية لتوجه أوسع يشمل فئات عمرية أصغر.