يوافق 30 أغسطس من كل عام اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، وهو مناسبة عالمية لتذكير المجتمع الدولي بواحدة من أخطر الانتهاكات التي تمس الحق في الحرية والأمان الشخصي، وللتأكيد على ضرورة إدراك الأثر المدمر لهذه الجريمة على الأفراد والأسر والمجتمعات بأكملها.
وتنص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي دخلت حيز النفاذ في عام 2010، على أن هذه الجريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف استثنائي، سواء في حالات الحرب أو الاضطرابات السياسية أو حالات الطوارئ.
مصر والالتزامات الدولية: فجوة كبيرة
رغم وضوح هذه الالتزامات، لا تزال السلطات المصرية بعيدة كل البعد عن الوفاء بها.
فالقوانين المصرية لم تُجرّم الاختفاء القسري بشكل شامل حتى الآن، ولم يتم إدماج أحكام الاتفاقية في التشريعات الوطنية.
وفي الوقت ذاته، يظهر القضاء، الخاضع لهيمنة السلطة التنفيذية، عزوفًا عن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، في حين تُستخدم قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب بشكل منهجي لتوفير الحماية للجناة بدلًا من محاسبتهم.
659 حالة موثقة منذ 2013
منذ يوليو 2013، وثّقت منظمة كوميتي فور جستس (CFJ) أكثر من 659 حالة اختفاء قسري في مصر لم يظهروا حتى الآن.
وتؤكد المنظمة أن السلطات تمارس سياسة إنكار ممنهجة، وتعرقل التحقيقات، وتستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين الذين يسعون لكشف الحقائق.
وفي تقريرها الأخير المقدم إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، أبرزت المنظمة الأبعاد الجندرية لهذه الجريمة، مؤكدة أنها أصبحت أداة مؤسسية للقمع السياسي.
إذ غالبًا ما تُستهدف النساء بسبب نشاطهن الحقوقي أو لانتمائهن العائلي لمعارضين سياسيين. ومن الحالات المتكررة في هذا السياق شيماء طه عبد الحميد وسلمى عبد المجيد عبد الله، اللتان تعرضتا للاختفاء القسري أكثر من مرة.
أثر يمتد إلى الأسر والمجتمع
لا تتوقف مأساة الاختفاء القسري عند الضحايا فقط، بل تطال أسرهم بشكل مباشر. إذ تواجه العائلات، خاصة الأمهات والزوجات، مضايقات أمنية مستمرة، وتهميشًا اقتصاديًا، ووصمة اجتماعية في أثناء بحثها عن الحقيقة وتحقيق العدالة، ما يفاقم من معاناتهم النفسية والاجتماعية بشكل حاد.
دعوات لإنهاء الإفلات من العقاب
بمناسبة هذا اليوم، جددت منظمة كوميتي فور جستس دعوتها للسلطات المصرية لتجريم الاختفاء القسري بشكل صريح في القانون الوطني، وضمان استقلال القضاء، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب التي باتت متجذرة في الممارسة الأمنية.
كما طالبت المنظمة المجتمع الدولي بمواصلة الضغط على مصر لضمان حماية الضحايا وكشف مصير المختفين قسريًا.
ويبقى السؤال الأبرز: هل يمكن تحقيق عدالة حقيقية في ظل استمرار القوانين الاستثنائية، وانعدام الإرادة السياسية لإنهاء هذه الجريمة التي تقوض أبسط حقوق الإنسان؟