قدمت أسرة اللاعب الراحل إبراهيم شيكا، نجم الزمالك السابق، بلاغًا عاجلًا للنائب العام تطالب فيه بالتحقيق في شبهة اختفاء أعضاء من جسده بعد الوفاة، إثر تداول شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تزعم استئصال كليتيه وفص من كبده بغرض الاتجار بها.
القضية أثارت جدلاً واسعًا وأعادت إلى الواجهة ملفًا شديد الحساسية: تجارة الأعضاء البشرية في مصر، التي لطالما وُصفت بأنها "جريمة تتغذى على الفقر وضعف الرقابة".
 

التفاصيل الأولى للتحقيقات
بدأت النيابة العامة التحقيق في البلاغ المقدم من الأسرة، بعد وصول البلاغ إلى محكمة استئناف طنطا وفتح تحقيق قضائي بحسب تصريحات محامي أسرة اللاعب حيث تم الاستماع إلى أقوال والدة اللاعب وشقيقه، مع تكليف خبراء الطب الشرعي بمراجعة التقارير الطبية التي أثبتت، وفق تصريحات الدكتور محمد سعد العشري – الطبيب المعالج – أن حالة شيكا كانت تحت متابعة دقيقة، وأن جميع الأعضاء الحيوية ظلت سليمة حتى وفاته نتيجة مضاعفات متقدمة لسرطان المستقيم.

العشري أكد في بيان رسمي: "التقارير والأشعات تثبت وجود الكليتين والكبد كاملًا قبل الوفاة".
 

من اللاعبين إلى المشاهير.. الاتهامات تتسع
القضية لم تتوقف عند وفاة إبراهيم شيكا، بل تزامنت مع عاصفة اتهامات طالت فنانين ومشاهير سوشيال ميديا بارتباط أسمائهم بشبكات لتجارة الأعضاء، أبرزهم الفنانة وفاء عامر التي وجدت نفسها في مرمى الشائعات بعد بث فيديوهات تزعم تورطها في وساطة لعمليات زرع مشبوهة. 

كما طالت الاتهامات عدداً من البلوجرز المعروفين على "تيك توك" و"إنستغرام"، ما فتح باب التساؤلات: هل تحوّل الاتجار بالأعضاء إلى بيزنس يتخفّى وراء شهرة السوشيال ميديا؟

الناشط الحقوقي هيثم غنيم يؤكد: "الظاهرة خرجت من إطار الجريمة المنظمة إلى عالم الديجيتال، حيث يتم اصطياد الضحايا عبر منصات التواصل تحت غطاء الإعلانات أو المساعدات الخيرية".
 

ظاهرة الاتجار بالأعضاء في مصر: أزمة متجذرة
رغم عدم تأكيد النيابة أو نفيها في قضية شيكا حتى الآن، إلا أن مجرد تداول الاتهامات يعكس حجم فقدان الثقة لدى الشارع المصري في المنظومة الصحية والرقابية.

خبراء الجريمة المنظمة يشيرون إلى أن مصر من بين أكثر الدول تأثرًا بهذه الظاهرة.

تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أكد أن مصر ضمن أكبر خمس دول في تجارة الأعضاء غير الشرعية عالميًا، إلى جانب الصين والفلبين وباكستان.

الباحث في الشؤون الاجتماعية، عماد عنان، قال في تصريح سابق: "انتشار الفقر وتراجع الدور الرقابي خلق بيئة خصبة للسماسرة وشبكات الإجرام، مستغلين حاجة البسطاء".
 

ثغرات قانونية وفساد مؤسسي
القانون المصري الصادر عام 2010 يجرّم بيع وشراء الأعضاء ويعاقب المتورطين بالسجن المشدد، لكن الخبراء يؤكدون أن المشكلة ليست في التشريع بل في التطبيق.

المستشار القانوني د. أحمد جاد يرى أن "غياب آليات صارمة للرقابة على المستشفيات الخاصة، ووجود فساد في بعض المؤسسات، جعل من القانون مجرد حبر على ورق".
كما أشار إلى أن معظم القضايا التي يتم ضبطها تنتهي بتسويات غير معلنة، مما يشجع الشبكات الإجرامية على الاستمرار.
 

أبعاد اجتماعية وإنسانية خطيرة
الظاهرة لم تعد مقصورة على الفقراء وحدهم؛ إذ كشفت تحقيقات دولية عن تورط شبكات في استغلال أطفال الشوارع ولاجئين، بل وحتى مرضى داخل مستشفيات خاصة.

دراسة صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" حذرت من أن استمرار هذه التجارة سيؤدي إلى "تطبيع الجريمة"، وتحويل أعضاء البشر إلى سلعة في سوق سوداء تتغذى على الأزمات الاقتصادية.

الخبير الصحي د. حسام عبد الغفار شدد على ضرورة "إعادة بناء الثقة عبر الشفافية في التحقيقات والتشديد على المحاسبة".
 

من واقعة تحت التحقيق إلى جرس إنذار
قضية إبراهيم شيكا، حتى وإن ثبت أنها مجرد شائعة، أطلقت جرس إنذار مدوٍ للدولة والمجتمع معًا.
فبينما ينفي الأطباء والطب الشرعي أي اختفاء للأعضاء، يبقى انتشار الشائعات بهذا الحجم مؤشرًا على أزمة ثقة حقيقية، وظاهرة خطيرة تتطلب ردعًا صارمًا.

الحل يبدأ من تفعيل القوانين، وضرب الشبكات التي حولت أجساد الفقراء إلى سلعة، قبل أن يتحول المجتمع إلى سوق مفتوحة لتجارة الموت.