في أواخر أغسطس 2025 تفجّرت فضيحة كبرى بعد انتشار أنباء تفيد باختفاء ونفوق وإعدام أعداد كبيرة من أسود ونمور حديقة حيوان الجيزة، تزامناً مع أعمال تطوير تديرها تحالفات تضم شركات خاصة ومحلية وأجنبية.

أرقام ناشطين الحقوق الحيوانية تشير إلى نحو 16 أسداً و6 نمور (إجمالاً حوالي 22 حيواناً) أُعلن عن مصيرها بشكل غامض، بينما تظل الجهات الرسمية إلى حد كبير صامتة أو تقدم تبريرات متضاربة.

الادعاءات التي تداوَلها ناشطون ووسائل إعلام محلية وخارجية ذُكرت في تقارير نُشرت بين 26 و29 أغسطس 2025: إشارات إلى إعدام بعض الحيوانات بحجج صحية، تقارير عن نفوق لحيوانات جرّاء أعمال الحفر والإنشاء، وصيحَات تُفيد بوجود عمليات إحراق للجثث داخل الموقع.

في المقابل، قدمت جهات رسمية بياناً عاماً ناقش جهود استيراد أعداد كبيرة من الحيوانات الجديدة (تم ذكر رقم 362 حيواناً يتم استيرادها) كجزء من خطة إعادة الافتتاح، لكن ذلك لم يُجب عن سؤال المصير القانوني والمهني لما حدث للحيوانات المفقودة.
 

إعدام وحرق الأسود والنمور؟
في يوليو 2023، أُغلقت حديقة الحيوان بالجيزة لأكثر من عام ونصف لتبدأ عملية تطوير يديرها خبراء ومستشارون دوليون بالتعاون مع جهات حكومية وشركاء من القطاع الخاص، على أن تكون وفق معايير عالمية حديثة.
لكن خلال هذا التطوير حدثت واقعة إعدام جماعي لـ4 نمور بيضاء مواليد 2017 وأشبالهم، بالإضافة إلى 6-8 أسود، على الرغم من أن الحديقة كانت تحتوي على ما يقرب من 40 أسداً.

تم حرق جثث هذه الحيوانات في محرقة دون إعلان رسمي أو وجود لجنة تحقيق واضحة، وسط روايات متضاربة حول السبب الأساسي، إذ أُشير إلى مرض "البانليكوبينيا" بينما نفت جهات طبية ذلك، وقد جرى إبعاد الأطباء والأخصائين عن رعاية الحيوانات المتبقية، ما يؤكد وجود نية متعمدة للتخلص منها.

تُعتبر هذه الأسود والنمور ثروة قومية وثروات سياحية هامة، كما أن سعر النمر الأبيض يترواح بين 7 آلاف إلى مليون دولار حسب عمره وخطوطه، مما يؤكد سقوط إدارة الحديقة تحت مساحات فساد وإهمال كبيرة.

عن سبب الإعدام والإخفاء، تؤكد الناشطة دينا ذو الفقار أن الإدارة الأجنبية المسؤولة عن التطوير هي التي اتخذت القرار، وهو ما يزيد من الشكوك حول وجود مصالح أخرى غير معلنة، كان من الأجدى نقل هذه الحيوانات إلى حدائق أخرى مثل الإسكندرية أو الفيوم بدلاً من إعدامها وحرق جلودها، وهو ما لم يحصل.
 

من هم اللاعبون التجاريون؟ العرجاني والتحالف مع شركات إماراتية وأجنبية
أحد محورَي النقاش هو هوية الشركات المسؤولة عن إدارة وتطوير الحديقة، منذ 2023 تم تشكيل "تحالف حدائق" يضم شركات محلية وأجنبية: من بينها شركة «أبناء سيناء» المملوكة لإبراهيم العرجاني، وشركة أجنبية ذُكرت أحياناً على صلة بمكاتب لها في أبوظبي/الإمارات (شركة «Worldwide» أو شركاء إماراتيون) وشركات تصميم أو إدارة أجنبية مثل شركات سنغافورية.

وجود هذا التحالف، وعلاقات العرجاني المعروفة بالصفقات القريبة من دوائر السلطة، يطرح أسئلة عن كيف ولماذا أُعطيت صلاحيات واسعة للمستثمرين على حساب مؤسسات إشرافية وطنية.
 

ما الذي يريدونه من حديقة الجيزة؟ (مصلحة سياسية وتجارية)
منطقياً، لدى التحالفات التي تقود مشاريع التطوير عدة دوافع متقاطعة:

  1. الاستثمار التجاري: تحويل حديقة تاريخية داخل مدينة إلى مشروع ترفيهي وتجاري يجذب السياحة ويضاعف الإيرادات، مع فرض أسعار تذاكر مرتفعة واستثمار مساحات تجارية.
  2. تحويل المساحات وجني عقار: أي عملية إعادة تصميم واسعة قد تُفتح الباب أمام إعادة توزيع الأراضي أو إيجاد مشاريع تجارية محيطة (مصلحة مالية مباشرة).
  3. تحكم وتحجيم الرقابة: منح إدارة خاصة لمنع تدخل نقابات البيطريين والجهات الرقابية، وهو ما تشتكي منه ناشطات مثل دينا ذو الفقار التي قالت إن جهات داخل الحديقة منعت الإشراف الرسمي، ما سهّل عمليات غير شفافة.

 

الدليل والاتهامات.. بين تحقيقات صحفية ونفي رسمي
تقارير تحقيقية عربية وأجنبية تحدثت عن محرقة وجثث تُحرق، وعن تقديرات لعدد الحيوانات المصيرية، بينما وصف خبراء بيئيون ما يجري بأنه تدمير وليس تطويراً.

في المقابل، امتلأت الأروقة الرسمية بتصريحات عامة عن خطط للاستيراد وتجهيزات افتتاح (مثلاً إعلان عن تسريع إجراءات استيراد 362 حيواناً جديدة)، دون نفي تفصيلي واضح أو عرض محاضر بيطرية تُثبت أسباب إعدام أو نفوق كل حالة على حدة.

هذا التباين بين الادعاءات المروّعة والصمت الرسمي يزيد الشبهات ويغذي روايات عن إهمال متعمد أو تصفية ممنهجة للحيوانات.
 

لماذا يجب أن يُنظر لهذا كحكاية أكبر؟
هذا الحدث ليس مجرد قضية رفاهية للحيوانات بل اختبار لمدى شفافية النماذج الاقتصادية التي ستستثمر في المقدرات العامة في مصر.

عندما تُمنَح شركات مقربة من السلطة صلاحيات تشغيل مؤسسات وطنية دون رقابة حقيقية، فإن النتيجة عادةً هي تقليل الالتزام بالمعايير المهنية (رفق بالحيوان، سجلات بيطرية، مساءلة قانونية)، وفتح الباب أمام ممارسات تبييض حسابات أو تحويل موارد عامة إلى أرباح خاصة.

تقارير سابقة عن العرجاني تربط اسمه بمشروعات واستثمارات في مناطق حسّاسة، ما يجعل وجوده في عقد تطوير الحديقة موضوعاً ذا شحنة سياسية تزيد من أهمية فتح تحقيق مستقل وشفاف.
 

التوصيات والمطالب العاجلة

  1. فتح تحقيق قضائي وبيطري مستقل وعلني يعلن نتائج فحوصات الحيوانات، ويُظهر أسباب كل حالة نفوق أو إعدام، مع نشر محاضر وصور وتقارير تشريح عندما تكون متاحة.
  2. تعليق أي اتفاقيات تشغيل أو نقل حيوانات لحين اكتمال التحقيق.
  3. إعادة تأهيل آليات الرقابة: إلزام الشركة المشغلة بالسماح لهيئات مثل الهيئة العامة للخدمات البيطرية ووزارات مستقلة بالدخول والتفتيش دون عوائق.
  4. محاسبة المسؤولين السياسيين والتعاقديين في حال ثبوت خروقات إدارية أو جنائية.

حادثة حديقة حيوان الجيزة ليست خطأً إدارياً عابراً؛ هي مرآة لسياسة تُفضّل الصفقات والنفوذ على الشفافية والرفق بالحياة.

إبقاء الملفات مغلقة أو تسويق تطوير في ظل صمتٍ رسميّ يعزّز الاعتقاد بأن هناك من يريد تحويل الممتلك العام إلى ريع خاص على حساب حيوانات وموروث مهني وقيمي لا يَقدّره نظام يسطيح كل شيء من أجل مكاسب آنية.

المطالبة بتحقيق مستقل ليست رفاهية أخلاقية فحسب، بل ضرورة مدنية لحماية ما تبقّى من مؤسسات عامة من التحويل السلطوي والتجاري.