أمس، أعلن وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، عن نيّة الوزارة إدخال الذكاء الاصطناعي كمكوّن أساسي ضمن المناهج، ودعم المعلمين لمنصّات رقمية تُستخدم في تقييم الطلاب بشكل تكويني.
كلامه جاء في مؤتمر صحفي حافل بالوعود التقنية، وكأنه ينقلنا فجأة إلى المستقبل.
لكنّ الحقيقة على الأرض مختلفة تمامًا: الملايين من الطلاب والمعلمين يعيشون أزمة حقيقية. الفصول مليئة بطلاب يتجاوز عددهم الخمسين في الفصل، ونقص حاد في المعلمين يصل لعشرات أو مئات الآلاف، فضلاً عن بنية تحتية متهالكة، وتمويل حكومي ضئيل لا يتجاوز حوالي 1.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالمستحق الدستوري الذي لا يقل عن 4٪.
الواقع المؤلم
عجز هائل في الكادر التعليمي: آلاف المدارس الحكومية تفتقد المعلمين المؤهلين، مما يولّد عبئًا ضخماً على المعلمين الموجودين، ويؤدي إلى تعيينات مؤقتة برواتب زهيدة لا تليق بكرامة المعلم أو حياة الإنسان.
فصول مكثّفة بلا هواء أو أثاث مناسب: في بعض المدارس، يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى 55، بل و200 في الأحياء الشعبية، مما يُفقد العملية التعليمية معناها.
ميزانية التعليم تُهمّش: الدولة تواصل تجاهل أولويات التعليم عبر تخصيص ما هو أدنى من نصف ما يقتضيه الدستور، في حين تُخصّص موارد ضخمة لمشاريع أخرى أقل تأثيرًا على المستقبل.
تجاهل حقيقي للمشكلات الأساسية: بينما يتحدث الوزير عن “محو الأمية الرقمية” و”التقييم الذكي”، تستمر أزمة الكثافة، ويحرم الأطفال من مقاعد مناسبة أو تهوية كافية، دون أن تُقام إصلاحات جذرية.
أراء الخبراء تفضح التناقض
الدكتورة ندى شاهين – أستاذ علم النفس التربوي: “المدرسة لم تعد بيئة تعليمية؛ بل أصبحت ورشة لضغط نفسي، حيث يخرج الطالب منها محمّلًا بالتوتر، لا بالفضول والمعرفة. إدخال تقنيات حديثة لن يعالج الفجوة النفسية والاجتماعية للطفل الحلقة الأضعف.”
د. عمرو السعيد – باحث في علم الاجتماع التربوي: “التحدي في مصر ليس تقنيًا، بل ثقافي وإنشائي. المنهج مبني على الحفظ والتلقين، والمعلم يكاد يختنق تحت الضغط ولا يكاد يجد حيزًا لطريقة تدريس إنسانية. الطوابير والفصول المكتظة تُقتل أي فرصة لجودة تعليمية. والذكاء الاصطناعي لا يستطيع تغيير هذا الواقع.”
البنك الدولي والخبراء المحليون حذّروا مرارًا من أن نقص المعلمين وغياب الفصول الصالحة يُضعف جودة التعليم تدريجيًا، بل ويهدد مستقبل جيل كامل بانعدام فرص تعليمية حقيقية.
المجتمع اليوم لا يطلب معجزات، فقط مدارس صالحة، معلمين محترفين، ونظام دعم حقيقي، لا مجرد صور فارغة.
هل الذكاء الاصطناعي يُنقذ واقعنا؟
الحديث عن دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج التعليمية يبدو في ظاهر الأمر طموحًا، لكنّه في الحقيقة يُغطّي على الفشل البنيوي. التعليم في مصر يحتاج إلى:
- إعادة بناء الفصول وضمان بيئة مدرسية آمنة وصحية.
- تعيين عدد كافٍ من المعلمين المؤهلين برواتب عادلة، تدفعهم للحفاظ على التزامهم بالوظيفة ولسد العجز.
- تحويل التركيز نحو الجودة والدعم النفسي للطلاب والمعلمين قبل التوجه نحو الابتكار التقني.
- زيادة ميزانية التعليم إلى المستوى الدستوري لضمان استدامة العملية التعليمية، بدلًا من الاعتماد على حلول “مفلّتة” ترى في التقنية بديلاً عن الأُسس.
حتى لو نجح الوزير في إدخال الذكاء الاصطناعي إلى الفصول، فإن هذا لا يُنقذ العملية التعليمية من انهيارها، ما لم يتم دعم التعليم من جذوره، بالمبنى والموارد والمعلم أولاً.