تُواجه شواطئ مصر منذ مطلع الصيف خللاً قاتلًا: عدد غرقى لا يُحصى، وغياب شبه كامل لنقاط الإسعاف الأولية على الامتدادات الساحلية.
سنوات من التراخي الحكومي حصّدت أرواحاً بريئة، قبل أن تستيقظ ذوات المسؤولية على حادثة قُتل فيها أطفال، ثم تقف عاجزة أمام السؤال البديهي: أين الإنقاذ؟ اليوم يُطالب المنقذون بحقوقهم القانونية، وتكوين نقابة تحميهم من الإحالة للنيابة حين ينهون الإخلال الذي لم يرتكبوه.
وفي صيفٍ لا يرحم، تتحوّل شواطئ مصر، وخصوصًا العامة منها، إلى مسارح للموت تُعرض فيها أرواح الناس للغرق بلا منقذ.
يكشف الواقع اليوم أن نقاط الإسعاف الأولية غائبة أو قليلة جدًا، ومراكز الإنقاذ قليلة المعدات والمُجندين، ما يجعل وإنقاذ الغارقين أقل سرعة وأكثر كلفة بشرية.
وتجد مجموعات منقذين أنفسهم معرضين للمساءلة القانونية، بل الإحالة للنيابة، رغم أن الإهمال ليس خطأهم.
في ظل هذا الإهمال الرسمي، صار الدفاع عن حق المنقذ في أداء واجبه بأمان وكرامة مطلبًا شعبيًا ملحًا.
معدلات الغرق في المنطقة: واقع يدق ناقوس الخطر
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، من أصل نحو 300,000 وفاة سنويًا بسبب الغرق عالميًا، فإن 12٪ من هذه الوفيات (أي نحو 35,000 حالة) تقع في إقليم شرق المتوسط، الذي يشمل مصر، عام 2021، مع ارتفاع في نسبة الأطفال والشباب الذين يعانون من هذه المأساة.
هذه النسبة المروّعة تضع مصر أمام تحدٍ إنساني حقيقي يتطلب توفير الحماية الفورية.
مأساة 6 طلاب ماتوا بشاطئ أبو تلات بلا نجدة كافية
في 23 أغسطس 2025، أثناء رحلة مدرسية إلى شاطئ أبو تلات في الإسكندرية، غرق ستة طلاب وأُصيب 24 آخرون. رغم إرسال 16 سيارة إسعاف، فإن سرعة الاستجابة لم تكن كافية.
تم علاج ثلاث طلاب على الشاطئ، فيما نُقل 21 إلى المستشفى لتلقي الرعاية.
هذا يبيّن بوضوح أن سيارات الإسعاف وحدها لا تُغني عن وجود نقاط إنقاذ أولية فعالة ومهيأة على الشاطئ ذاته.
شاطئ الموت.. إنقاذ جزئي ونقص خطير للتغطية الإسعافية
شاطئ بالم بيتش في الإسكندرية، المعروف بـ"شاطئ الموت"، يستقبل نحو 1.5 مليون زائر خلال الصيف، بينما لا يتوفّر على متن شواطئه إلا 23 منقذًا فقط، إشرافَين فقط، وثلاثة مشغّلي جت سكي لغطاء مساحة تقارب 1850 مترًا.
هذه التغطية الأمنية الإسعافية لا تتناسب إطلاقًا مع أعداد الزوار والزحام والأمواج الخطرة. رغم إعادة فتح الشاطئ بعد ثلاث سنوات من الإغلاق، لم تُعالج قضايا البنية الأساسية، بل اكتفت بخدمات مؤقتة غير مستدامة.
المنقذون في مواجهة القانون: حماية ضرورية
رغم أن المنقذين يبذلون أقصى ما لديهم من جهد لإنقاذ الأرواح، فهم غالبًا ما يُحملون المسؤولية القانونية في حوادث لم يتسببوا فيها.
يؤكد الخبير في قوانين السلامة العامة، الدكتور إبراهيم زيدان، أن ما يسمى "محاسبة المنقذ" في حالات الطوارئ يُطلق رسالة رعب بدلاً من تحفيز الاستجابة الفعالة: "الأديّة النفسية للإنقاذ تقلع حين يخشى الناس المساءلة القانونية بسبب خطأ ليس من صنعهم".
لذا، تُعدّ المطالبة بنقابة قوية تحمي المنقذين وتمنع إحالتهم للنيابة - حتى في الحوادث التي لا تُرتكب منهم - خطوة حاسمة نحو ثقافة إنقاذ مستدامة وآمنة.
إنقاذ الأرواح يبدأ بمقوماته الحقيقية
الأرقام لا تكذب: مئات الضحايا سنويًا في مصر، وطلاب يموتون رغم المعدات الطبية المتأخرة، وشواطئ مزدحمة بلا حماية كافية.
ولا تزال الأزمة تزداد حينما يصبح المنقذ مهددًا قانونيًا بدلًا من أن يُكافأ.
لقد حان وقت التحرك الجدي:
- تفعيل نقاط إسعاف أولية ثابتة في كل شاطئ مزدحم مزودة بأسعاف ومنقذين مدربين، لا تعتمد فقط على المركبات من بعيد.
- تأسيس نقابة قوية للمنقذين تحميهم من الإحالة للنيابة في الحوادث التي ليس لهم ذنب فيها، وتكفل لهم مظلة قانونية واضحة.
- زيادة عدد المنقذين ومعدات الإنقاذ الإسعافية, بما يتناسب مع حجم الزوار والمخاطر البحرية.
- تعزيز التوعية وسلامة الشاطئ عبر التعليم واللافتات والإرشادات المباشرة لجمهور السباحين.