شهدت مدينة العاشر من رمضان واحدة من أخطر قضايا النصب العقاري خلال السنوات الأخيرة، بعدما تقدّم مواطنون باستغاثات عاجلة إلى الجهات الرسمية والإعلامية ضد شركتي «صروح» و«النهضة»، متهمين القائمين عليهما بالاستيلاء على أموالهم دون تسليم الوحدات المتفق عليها.

وفق شهادات الضحايا، بلغ عدد المتضررين أكثر من 1,600 أسرة، فيما تقدّر المبالغ التي استحوذت عليها تلك الشركات بنحو 1.4 مليار جنيه مصري، بحسب ما تداولته مجموعات الضحايا على منصات التواصل الاجتماعي.

 

كيف بدأت الأزمة؟

يعود أصل القصة إلى مشروعات أطلقتها الشركتان تحت أسماء جذّابة مثل «نيو سيتي» و«سيتي سنتر»، حيث وُقعت عقود بيع وحجز، ودفع العملاء أقساطًا منتظمة على مدار سنوات، على أمل استلام وحدات سكنية أو تجارية في مواعيد محددة.

لكن ما حدث على أرض الواقع كان صادمًا؛ إذ توقفت أعمال البناء فجأة، ولم يحصل الضحايا على أي التزامات تنفيذية، بل إن بعض العقود أظهرت تناقضات، وتكررت حالات بيع الوحدة لأكثر من شخص.

 

لماذا تتكرر حوادث النصب العقاري في السنوات الأخيرة؟

ظاهرة الاحتيال العقاري ليست جديدة على السوق المصري، لكنها تفاقمت مؤخرًا لعدة أسباب، أهمها ضعف الرقابة الحكومية، وبطء البت في النزاعات القضائية، إضافة إلى غياب آليات حماية فعالة للمستهلك.

هناك عوامل بنيوية تفسّر تكرار حوادث النصب والاحتيال العقاري في مصر:

أ ـ سوق عقاري ضخم متقلب وقيمة سوقية تُقدّر بمليارات الدولارات مما يجعل المجال مغريًا للمحتالين؛

ب ـ بطء الإجراءات القضائية وإمكانية التهرب القانوني لبعض الفاعلين، مما يترك الضحية بلا إنصاف سريع؛

ج ـ أساليب نصب متطورة (بيع أكثر من مرة، عقود وهمية، بيع وحدات قيد الإنشاء دون ضمانات)؛

د ـ ضعف آليات الرقابة على تراخيص المشروعات وفحص الأثر المالي للمطورين

هذه العوامل مجتمعة تُنتج بيئة يُعاد فيها إنتاج الاحتيال العقاري.

خبراء قانونيون يؤكدون أن الشركات تستغل الثغرات التشريعية، فتطرح مشروعات وهمية دون ضمانات بنكية، ما يجعل استرداد الأموال شبه مستحيل عند تعثر التنفيذ.

 

الاتهامات تطال أسماء بارزة

استغاثات المواطنين وجّهت أصابع الاتهام إلى شخصيات معروفة، أبرزها كمال الكتاتني، الذي ربطه الضحايا بإدارة شركة صروح، إلى جانب أسماء أخرى متداولة مثل أحمد عبد الحميد. ورغم انتشار هذه الاتهامات عبر مقاطع فيديو ومنشورات الضحايا، إلا أن الجهات الرسمية لم تصدر حتى الآن بيانًا حاسمًا لتوضيح الموقف أو إعلان نتائج التحقيقات.

 

الجهاز الإداري في مرمى الانتقادات

الشكوى الأساسية للضحايا أن الجهات الإدارية والقضائية تراخى في التحرك أو اتسمت الإجراءات بالبطء، ما يطيل أمد المعاناة ويتيح للمُتّهمين، وفق اتهامات الضحايا، وقتًا للتهرب أو تحويل أموال.

تقارير قانونية وإعلامية تناولت مشكلة طول إجراءات التقاضي وكيف أنها تفاقم أزمة النزاعات في ملف النصب العقاري.

المطالبة الشعبية الآن ليست مجرّد كشف أسماء، بل إصلاح نظام الرخص والرقابة، تسريع تحقيقات الأموال العامة، وتعزيز حماية مشتري الوحدات بالعقود والضمانات البنكية.

لم يقتصر الغضب الشعبي على الشركات فقط، بل طال أيضًا الجهاز الإداري في الدولة، حيث اتهمه الضحايا بالتواطؤ أو التقاعس عن التدخل المبكر، ما أتاح استمرار المخالفات، فالأجهزة المعنية بالموافقة على تراخيص المشروعات كان بإمكانها كشف التلاعبات منذ البداية، لكن ضعف الرقابة جعل آلاف الأسر تدفع مدخراتها في مشروعات وهمية.

 

هل لشركات الجيش دور في هذه المنظومة؟

تقريرات وتحليلات اقتصادية وسياسية وثّقت توسّع جهات مرتبطة بالمؤسسات العسكرية في نشاطات عقارية واسعة وبعقود مباشرة ومشروعات ضخمة (مثل مشاريع إسكان ومشاركات في تطوير المدن الجديدة)، ما أعطى انطباعًا بوجود حماية أو حصانة لبعض اللاعبين في السوق، أدّى إلى اختلال تنافس السوق ووجود فاعل ضخم يتمتع بميزات لا تتاح للقطاع الخاص.

النقطة الأساسية هنا ليست أن كل قضية نصب مرتبطة بالجيش مباشرة، بل أن هيمنة قطاعات عسكرية على أجزاء كبيرة من سوق العقارات تغيّر من قواعد اللعبة وتُنتج بيئة اقتصادية تُسهِم في اختلالات واستغلالات من لاعبين آخرين

ورغم عدم وجود أدلة مباشرة على تورط شركات الجيش في قضايا النصب، إلا أن هيمنتها خلقت بيئة غير متوازنة يستفيد منها آخرون في تنفيذ عمليات احتيال بأريحية.

 

لماذا الموضوع سياسي أكثر من كونه «مشكلة فردية»؟

قضية صروح والنهضة في العاشر من رمضان تُقدّم نموذجًا مصغّرًا لثلاثية:

(أ) سوق عقاري مفصّص متسع يستهوي المحتالين؛

(ب) جهاز إداري وقضائي بطيء أو متهاون في كثير من الملفات؛

(ج) وجود لاعب الدولة (المؤسسات العسكرية والهيئات المرتبطة بها) الذي يغيّر قواعد التنافس ويُنتج تحفّظًا ومجالات استغلالية.

هذه الحالة ليست صدفة؛ إنها نتيجة لسياسات اقتصادية وسياسية منذ 2013-2014 أدّت إلى ترسيخ «رأسمالية الدولة» وترك المواطنين عرضة لآليات سوقية غير منضبطة.

خبير اقتصادي، صرّح في لقاء تلفزيوني سابق بأن «الغياب شبه الكامل للرقابة على السوق العقاري يفتح الباب أمام مافيات الاستثمار الوهمي»، مضيفًا أن «غياب الشفافية في التراخيص وتضارب المصالح يضر بمناخ الاستثمار ويستنزف مدخرات الطبقة المتوسطة».

في المقابل، كمال الكتاتني، في تصريح منسوب له في وسائل إعلام محلية، على أن «جميع المشروعات قانونية»، لكن غياب التنفيذ العملي جعل هذه التصريحات بلا قيمة لدى الضحايا.

 

مطالب الضحايا

يطالب المتضررون بفتح تحقيق جنائي عاجل في التهم الموجهة إلى الشركات والمسؤولين عنها، مع التحفظ على الأصول والأموال وإلزامهم برد المبالغ أو تنفيذ المشروعات، كما يطالبون بسن تشريعات أكثر صرامة تلزم أي مطور عقاري بوجود ضمانات بنكية قبل طرح المشروعات، وإيجاد آلية للتأمين على حقوق الحاجزين.

الضحايا وصفوا كمال الكتاتني باسم «صاحب» أو «المتورّط» في شركة صروح العقارية، ورفعوا استغاثات ونداءات رسمية ومقاطع فيديو تطالبه بتسليم الأموال أو المحاسبة.

هذه الاتهامات منتشرة بكثافة في حسابات الضحايا ومقاطع برامج محلية؛ لكن عند كتابة هذا التقرير لم نعثر على حكم قضائي بات يثبّت إدانات جنائية نهائية باسمه في مصادر صحفية حكومية.

 

أزمة ثقة في الدولة والسوق

قضية صروح والنهضة ليست مجرد واقعة فردية، بل نموذج لانهيار الثقة بين المواطن والدولة في ظل غياب الرقابة، وتكرار هذه الفضائح يطرح تساؤلات جوهرية حول مسؤولية الحكومة في حماية المواطنين من شركات مشبوهة، خاصة في ظل تزايد نفوذ الكيانات الكبرى في الاقتصاد.