في شهادة جديدة تكشف عمق الأزمة الحقوقية في مصر، أرسل السفير محمد رفاعة الطهطاوي، الرئيس الأسبق لديوان رئاسة الجمهورية، رسالة صادمة من محبسه في سجن بدر 3، يدعو فيها إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق بشأن ما يجري خلف أسوار السجون، بعد تفشي الانتهاكات بشكل غير مسبوق، وتزايد محاولات الانتحار والإضرابات عن الطعام بين المعتقلين.
هذه الرسالة لا تأتي من ناشط حقوقي في الخارج، بل من دبلوماسي بارز قضى أكثر من عقد خلف القضبان، ما يجعلها صرخة مدوية في وجه نظام يواصل سياسة القمع الممنهج تحت ستار القانون.
صرخة من قلب الظلام
الطهطاوي وصف أوضاع السجون بأنها إعدام بطيء، مشيرًا إلى حرمان المعتقلين من أبسط حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك الرعاية الطبية، والتريض، والاتصال بالعالم الخارجي. وأكد أن إدارة السجون تمارس سياسة العزل الكامل والقتل البطيء بحق السجناء، في انتهاك صارخ للدستور المصري والمواثيق الدولية.
وجاء في رسالته: "ما يحدث داخل السجون المصرية وصمة عار على جبين الإنسانية. المعتقلون يموتون في صمت، بعضهم لجأ إلى الإضراب عن الطعام، وآخرون حاولوا إنهاء حياتهم هربًا من الجحيم الذي نعيشه."
هذه الكلمات تكفي لتلخص واقعًا لا يمكن تفسيره إلا باعتباره سياسة قمع متعمدة تهدف إلى سحق أي صوت معارض.
القمع الممنهج: سياسة دولة وليست تجاوزات فردية
في الوقت الذي تصف فيه وزارة الداخلية السجون بأنها "تلتزم بالمعايير الدولية"، تكشف شهادات السجناء وتقارير المنظمات الحقوقية أن الانتهاكات ليست حوادث معزولة بل نهج ثابت.
وفقًا لمركز الشهاب لحقوق الإنسان، فإن سجون بدر أصبحت أكثر قسوة من مجمع طرة، حيث يعيش المعتقلون في عزلة رقمية مطلقة، بدون كتب أو وسائل تواصل، ووسط ظروف صحية مزرية.
كما أكدت تقارير دولية، من بينها تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أن ما يحدث في السجون المصرية يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، ويكشف أن النظام الحالي يستخدم السجون كأداة لإسكات المعارضين، في ظل غياب أي رقابة حقيقية من القضاء أو البرلمان.
النظام بين النفي والفضيحة
كالعادة، سارعت وزارة الداخلية إلى نفي كل الاتهامات، مدعية أن السجون المصرية "تطبق المعايير الدولية" وأن السجناء "يحصلون على كافة حقوقهم". لكن التقارير المتواترة عن وفيات نتيجة الإهمال الطبي، وحالات الانتحار والإضراب الجماعي، تفضح كذب هذه الادعاءات.
كيف يمكن لنظام يدّعي احترام القانون أن يمنع المعتقل من العلاج والدواء؟ كيف يتفاخر بتطبيق حقوق الإنسان بينما السجناء يُدفنون أحياء في زنازين الموت؟
رسالة تتحدى الصمت الدولي
الطهطاوي لم يوجه نداءه للنظام الذي أغلق كل الأبواب، بل للمجتمع الدولي، مطالبًا بـ تشكيل لجنة أممية لتقصي الحقائق داخل السجون المصرية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
لكن السؤال: هل يتحرك العالم لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة؟ أم يظل الصمت سيد الموقف، حتى تتحول السجون المصرية إلى مقابر جماعية صامتة؟
جريمة لا تسقط بالتقادم
ما كشفه الطهطاوي ليس مجرد تفاصيل عن سوء المعاملة، بل عن سياسة دولة تبني شرعيتها على القمع وإهدار كرامة الإنسان. وفي ظل هذا المشهد القاتم، تصبح المطالبة بالحرية والعدالة ليست ترفًا، بل واجبًا إنسانيًا قبل أن تتحول مصر إلى دولة بلا صوت، بلا معارضة، وبلا إنسانية.