كشف معتقل سياسي سابق عن تفاصيل صادمة لما عاشه على مدار أحد عشر شهرا داخل سجن وادي النطرون، بعد اعتقاله بشكل مفاجئ من منزله، إثر نشاطه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حيث كان يدير صفحة محلية لمتابعة أخبار منطقته، قبل أن تتحول تلك الصفحة إلى سبب مباشر في ملاحقته الأمنية وحرمانه من حريته وحياة أسرته.

المعتقل الستيني، الذي خرج قبل أيام قليلة من السجن، تحدث بمرارة عن رحلة اعتقاله، بدءا من اقتحام منزله ليلا وتحطيم ممتلكاته ومصادرة متعلقات أسرته، مرورا بتعرضه ورفاقه للإهانات والضرب، وصولا إلى سنوات طويلة من المعاناة داخل الزنازين، التي وصفها بأنها "تجربة قاسية لم يتخيل يوما أن يعيشها".
 

بداية القصة.. صفحة فيسبوك تتحول إلى تهمة
يروي الرجل أنه بعد خروجه إلى المعاش المبكر إثر إفلاس الشركة التي عمل بها، أنشأ صفحة محلية عبر "فيسبوك" لنشر أخبار مجتمعه الصغير، من حالات الوفاة والزواج إلى الحوادث والأحداث اليومية.

ومع تزايد عدد المتابعين، والذي تجاوز 30 ألفا بجانب آلاف الأصدقاء، بدأت الرقابة الأمنية تلاحقه عبر تحذيرات متكررة، رغم أنه – على حد قوله – لم يتطرق إلى السياسة.

ويقول: "رواج الصفحة دفع الأمن الوطني للتفتيش في حياتي وسجلي الاجتماعي، ليتوقفوا عند أنشطة قديمة مثل تنظيم صلاة العيد في الخلاء أو المشاركة في بناء مسجد، وصولا لعلاقاتي الإنسانية ببعض الشخصيات المعتقلة منذ 2013"، وهو ما اعتُبر مبررا لاعتقاله.
 

اقتحام واعتقال جماعي
في إحدى الليالي، اقتحم الأمن منزله وحطموا الأبواب والأثاث قبل أن يقتادوه مع حملة واسعة شملت عشرات المواطنين من قرى مختلفة، ليصل عدد المعتقلين في تلك الليلة إلى 47 شخصا، وُجهت لهم اتهامات وصفها بـ"الملفقة"، مثل كتابة شعارات ضد النظام أو الانتماء لتنظيم سري لقلب الحكم، رغم أنهم لا يعرفون بعضهم البعض.
 

معاناة الاحتجاز والتحقيقات
يصف الرجل ما جرى خلال التحقيقات والمحاكمات بأنه مجرد إجراءات شكلية لتبرير تجديد الحبس الاحتياطي:
"كل مرة كنا نؤكد أننا لا علاقة لنا بما نسبوه إلينا، لكن لم يكن أحد يستمع، ويتم التجديد تلقائيا"، مضيفا أن ما عاشوه في مقرات الاحتجاز لا يمكن وصفه إلا بأنه "تعذيب نفسي وجسدي ممنهج".

ويكشف عن ظروف اعتقال غير إنسانية، قائلا: "كنا ننام على الأرض في البرد القارس، ونختنق في الصيف داخل زنازين بلا منافس تهوية، مع حمامات غير صالحة للاستخدام، وطعام لا يليق بالحيوانات، فضلا عن إهانة الأهالي خلال الزيارات، وسرقة أفضل ما يجلبونه من طعام لنا".
 

رحلة الموت داخل "سيارة الترحيلات"
أشد لحظات المعاناة – كما يقول – كانت أثناء نقله مع معتقلين آخرين إلى سجن وادي النطرون داخل عربة الترحيلات: "6 ساعات في صندوق حديدي تحت شمس الصحراء، كدنا نموت عطشا واختناقا، وذكرنا واقعة معتقلي أبوزعبل الذين قضوا في سيارة الترحيلات عام 2013".
 

وادي النطرون.. سجن أم سوق تجاري؟
داخل السجن، واجه المعتقلون واقعا مختلفا؛ فبالرغم من توفير بعض التسهيلات كالتليفزيون والسخانات الكهربائية، إلا أن كل شيء – بحسب وصفه – كان خاضعا للابتزاز والبيع:
"طعام السجن لا يكفي ولا يصلح، فاضطررنا للشراء من الكانتين بأسعار مبالغ فيها، وكانت أسرنا تدفع مبالغ مرهقة، إلى جانب استغلال العاملين في السجن لحاجتنا عبر فرض رسوم غير معلنة على كل خدمة".
 

الإفراج والتحذيرات
بعد أحد عشر شهرا، فوجئ المعتقل ورفاقه بقرار الإفراج، لكن فرحته لم تكتمل، إذ تلقى – كما يؤكد – تهديدا مباشرا: "قالوا لنا قبل الخروج: أي تحرك ستقومون به، سنعيد اعتقالكم من جديد".
ومنذ ذلك الحين، يعيش الرجل حالة عزلة تامة، يتجنب المناسبات الاجتماعية، ولا يجرؤ على إعادة تفعيل صفحته، ويكتفي – على حد قوله – بمحاولة التقرب من بعض المرشحين الموالين للنظام الحاكم تجنبا لملاحقات جديدة.
 

قصص أخرى مشابهة
قصة هذا الرجل ليست الوحيدة؛ إذ يروي ناشط آخر عبر مواقع التواصل أنه يتعرض يوميا لرقابة لصيقة من الأمن الوطني، ويتلقى تحذيرات لحذف منشورات "مزعجة"، بل أُجبر في إحدى المرات على حذف منشور انتقد فيه غياب قوات الدفاع المدني عن حريق في قريته، مقابل كتابة آخر يشيد بسرعة تدخل الأجهزة الأمنية.
 

الخلفية: قمع مستمر منذ 2013
منذ الانقلاب العسكري في الثالث يوليو 2013، تشهد مصر حملة أمنية واسعة طالت آلاف المعارضين وأنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، إلى جانب ناشطين من تيارات سياسية مختلفة.
وقد أصدرت السلطات سلسلة من القوانين التي ضيقت الخناق على حرية التعبير والنشر، أبرزها مواد قانون العقوبات (مثل المادة 188)، وأحكام قانون مكافحة الإرهاب، إلى جانب مواد قانون جرائم تقنية المعلومات (27 و28 و30)، التي تُستخدم لتجريم منشورات مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها "تهديدا للأمن القومي".