ألقت قوات الأمن القبض على الصحفي إسلام الراجحي، العامل بجريدة "الأخبار"، على خلفية منشور نشره عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، انتقد فيه تراكم القمامة وتقصير إحدى المسؤولات المحلية في التعامل مع الأزمة.
وأكد محمد الجارحي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، عبر منشور على صفحته الرسمية، أن الزميل الراجحي "تم القبض عليه، وهو حاليًا داخل قسم شرطة دمياط".
وأشار إلى أن القضية أُحيلت مباشرة إلى محكمة الجنايات، مضيفًا أن حكمًا غيابيًا صدر ضد الراجحي تضمن وصفه بـ"الهارب"، وهو ما أثار استغرابه متسائلًا:
"احنا وصلنا للدرجة دي؟"
في إشارة إلى تصاعد الملاحقات القضائية للصحفيين على خلفية قضايا تتعلق بالرأي والنشر.
حرية الصحافة في أزمة متصاعدة
تأتي هذه الواقعة في ظل تزايد القيود المفروضة على الصحفيين، إذ تشير تقارير حقوقية إلى أن 22 صحفيًا على الأقل يقبعون حاليًا في السجون المصرية، بعضهم رهن الحبس الاحتياطي المطول دون محاكمة، وآخرون بناءً على أحكام صادرة عن محاكم استثنائية مثل جنايات أمن الدولة.
فترات الحبس تتفاوت بين أشهر وسنوات، ما يعكس عمق الأزمة التي يعيشها القطاع الصحفي، في ظل غياب بيئة تشريعية حامية لحرية النشر والتعبير.
مصر في ذيل مؤشر حرية الصحافة
وفقًا لمؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، جاءت مصر في المرتبة 170 من أصل 180 دولة، لتستمر ضمن أسوأ عشر دول عالميًا من حيث بيئة العمل الصحفي، وهي نفس المرتبة التي حصلت عليها في العام السابق.
وأرجعت المنظمة هذا التراجع إلى "التضييق الحكومي المستمر على حرية التغطية الصحفية" والقيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات، فضلاً عن محاصرة الأصوات المستقلة.
كما صنّفت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) مصر ضمن الدول الست الأولى عالميًا في عدد الصحفيين السجناء في تقريرها لعام 2024.
مقاضاة الصحف بدلًا من الحوار
جاءت واقعة الراجحي بعد أيام قليلة من إعلان وزارة النقل رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "فيتو"، بسبب تحقيق صحفي تناول ملفات تتعلق بعمل الوزارة.
وتعليقًا على ذلك، قال نقيب الصحفيين خالد البلشي إن اتجاه المؤسسات الرسمية إلى ساحات القضاء لمواجهة النقد، بدلًا من الرد والتوضيح، "يبعث برسائل سلبية" بشأن تقبل المسؤولين للرأي الآخر.
وأكد البلشي على أن الصحفيين يمارسون حقهم في النشر وفق ما تتيحه المعلومات المتاحة، مشددًا على ضرورة إقرار قانون حرية تداول المعلومات كجزء أساسي من تطوير المجال الإعلامي.
وأشار إلى أن هذه المطالب تتوافق مع ما طُرح خلال الاجتماع الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسي مع رؤساء الهيئات الإعلامية، والذي تم فيه التأكيد على أهمية تعزيز الشفافية وتوسيع مساحات الرأي والرأي الآخر.
قضية الراجحي.. حلقة في سلسلة طويلة
ما يتعرض له إسلام الراجحي، وفق مراقبين، ليس واقعة استثنائية، بل امتدادًا لسلسلة متواصلة من الملاحقات التي يتعرض لها الصحفيون في مصر، وسط غياب الحماية القانونية لحرية التعبير.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الجهات الرسمية أن الإجراءات تتم وفق نصوص قانونية قائمة، يرى صحفيون ومنظمات حقوقية أن هذه السياسات تُسهم في تشويه صورة مصر دوليًا، وتضع مستقبل حرية الإعلام أمام علامات استفهام كبيرة.
خلاصة المشهد: الصحافة لا تزال تحت الحصار
بين منشور على فيسبوك ومذكرة إحالة إلى محكمة الجنايات، تتجدد أزمة حرية الصحافة في مصر. قضية إسلام الراجحي باتت رمزًا لأزمة أعمق تتعلق بعلاقة السلطة بالنقد، وبغياب الضمانات القانونية التي تكفل للصحفي أن يؤدي دوره دون خوف من العقاب.
ويبقى السؤال الأهم:
هل تستطيع الصحافة أن تكون سلطة رقابية في مناخ يُجرِّم النقد؟
أم أن الحديث عن "تطوير الإعلام" سيبقى مجرد شعار سياسي لا يجد له صدى في الواقع؟