أثار إعلان وفاة الشاب محمد رمضان داخل قسم شرطة المنشية بالإسكندرية حالة من الغضب الواسع بين النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وسط اتهامات مباشرة لقوات الشرطة بممارسة التعذيب الذي أودى بحياته.
وأصبحت وفاة الشاب محمد رمضان داخل قسم شرطة المنشية بالإسكندرية عنوانًا صارخًا لفشل وزارة الداخلية في وقف الانتهاكات داخل أماكنالاحتجاز، وأكدت مجددًا أن التعذيب في أقسام الشرطة ليس مجرد حالات فردية، بل هو نهج مستمر محمي بالصمت الرسمي والإفلات من العقاب.
جريمة مكتملة الأركان
محمد رمضان دخل قسم الشرطة حيًا، وخرج جثةهامدة. هذه الحقيقة وحدها كافية لإدانة وزارة الداخلية، لكن ما يفاقم الجريمة هو الصمت المريب، والبيانات الروتينية التي تحاول التغطية على ما حدث. محامي الضحية أكد أن الجثمانيحمل آثار ضرب وكدمات واضحة، ما يكشف أن ما تعرض له لم يكن إهمالًا طبيًا أو صدفة، بل تعذيب متعمد أفضى إلى الموت.
محامي الضحية: تعرض لتعذيب ممنهج
محامي محمد رمضان أكد في تصريحات صحفيةأن موكله كان محتجزًا على ذمة قضية جنائية بسيطة، إلا أن وفاته جاءت بشكل مفاجئ بعد تعرضه، حسب قوله، لـ"تعذيب بدني ونفسي ممنهج" داخل قسم المنشية. وأضاف المحاميأن الجثة تحمل آثار ضرب وكدمات واضحة، ما يثبت تورط رجال الشرطة في هذه الجريمة.
وأشار إلى أن الأسرة تقدمت ببلاغ رسمي للنيابة العامة تطالب فيه بالتحقيق في الواقعة وتشريح الجثة، لكن المخاوف تتصاعد من طمس الأدلةفي ظل النفوذ الأمني الواسع وهيمنة الداخلية على مجريات التحقيقات.
الداخلية تكرر نفس المسرحية
في كل مرة تتكرر نفس القصة: وفاة محتجز داخل قسم شرطة، غضب شعبي، تصريحات من محامين وأهالٍ، ثم بيان باهت من الداخلية يبررالوفاة بأنها "أزمة قلبية" أو "هبوط حاد في الدورة الدموية". هذه
الرواية الرسمية أصبحت مهترئة، فقد فقدت أي مصداقية أمام الرأي العام، لكن الوزارةلا تهتم، لأنها تعلم أن لا أحد سيحاسبها.
أقسام الشرطة.. غرف تعذيب وليست أماكن احتجاز
الحديث عن وفاة محمد رمضان لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من الجرائم التي شهدتها أقسام الشرطة المصرية، حيث تحولت أماكن الاحتجازإلى غرف تعذيب، يمارس فيها رجال الأمن سلطاتهم بلا رقيب ولا محاسب. هذه ليست حالات فردية، بل منظومة قائمة على القهر والتنكيل بالمواطنين.
أسماء كثيرة سبقت محمد رمضان:
- خالد سعيد الذي قتلته الشرطة بالإسكندريةعام 2010، وكان شرارة الثورة.
- عادل شحاتة في قسم المطرية، مات تحت وطأة التعذيب.
- عمرو عفيفي في إمبابة، فارق الحياة بعدتعرضه لانتهاكات مروعة.
- محمد عبد العزيز داخل قسم الهرم، رحل في ظروف غامضة والداخلية اكتفت ببيان إنكاري
القاسم المشترك بين كل هذه الحوادث هو تورط رجال الشرطة بشكل مباشر، وتواطؤ الوزارة في التستر عليهم.
دستور على الورق.. وجحيم على الأرض
الدستور المصري في مادته 55 ينص بوضوح على أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم. لكن ماذا يعني الدستور أمام وزارة داخلية لا تخضعلأي محاسبة؟ النصوص هنا مجرد حبر على ورق، بينما الواقع هو جحيم من القمع، تديره قوة أمنية تعتبر نفسها فوق القانون.
الإفلات من العقاب.. حماية رسمية للقتلة
كل الجرائم التي شهدتها أقسام الشرطة انتهتبنفس السيناريو: تحقيق شكلي، وبيان مقتضب، وقيد ضد مجهول أو إغلاق القضية لعدم كفاية الأدلة. أي دليل أقوى من جسد محمد رمضان المليء بالكدمات؟ أي دليل أقوى من عشرات الشهاداتالتي تؤكد تعرضه للتعذيب؟ لكن في مصر، الحقيقة لا تهم، ما يهم هو حماية صورة وزارة الداخلية بأي ثمن.
صمت الدولة يعني التواطؤ
صمت الحكومة أمام هذه الجريمة ليس حيادًا،بل تواطؤًا صريحًا. فمن يقتل مواطنًا داخل قسم الشرطة، ثم يخرج من القضية دون عقاب، لا يمكن أن يفعل ذلك إلا وهو يعلم أن هناك سلطة تحميه، وأن القانون لن يلمسه.
وفاة محمد رمضان ليست الحادثة الأولى، ولنتكون الأخيرة، ما دامت وزارة الداخلية تعيش خارج أي رقابة، وتتعامل مع حياة المواطنين كأنها لا تساوي شيئًا.