أصدر الصحفي المصري علي بكري بيانًا مؤلمًا قال فيه إنه يتعرض لملاحقات أمنية منذ عام 2013 بسبب عمله الصحفي، وإنه اضطر إلى مغادرة مصر في 2015 طلبًا للأمان.

لكن حتى المنفى لم يوقف الاستهداف؛ إذ استمرت السلطات في الضغط عليه من خلال أسرته.
فقد اقتحم الأمن الوطني منزله عشرات المرات خلال السنوات الماضية، وعرّض أسرته لترهيب شديد، حتى فقد والدته التي رحلت مقهورة بعد سنوات من المداهمات.

وفي تصعيد خطير، اعتقلت السلطات شقيقه في 12 أغسطس الماضي، واستدعت والده السبعيني مرارًا، رغم وضعه الصحي. بكري وصف ما يتعرض له بأنه "قمع عابر للحدود"، يهدف لإسكاته ودفعه للتوقف عن عمله الصحفي.
https://x.com/_AliBakry/status/1958649407945027685
 

المنفى ليس حصانة
ما رواه بكري ليس حالة استثنائية، بل جزء من نمط متكرر أصبح سمة للواقع المصري في السنوات الأخيرة.

تقارير منظمات حقوقية أكدت أن السلطات المصرية تلجأ إلى أسلوب الانتقام من المعارضين والصحفيين في الخارج عبر الضغط على عائلاتهم داخل البلاد.
الهدف واضح: إذا لم تستطع الدولة القبض على من تعتبره خصمًا، ستجعله يدفع الثمن من خلال أقرب الناس إليه.
هذا ما حدث مع أسر ناشطين وصحفيين بارزين، وما يعيشه اليوم علي بكري بعد أكثر من عشر سنوات من الملاحقة.
 

الصحافة تحت النار وأسرها في الواجهة
الاستهداف لا يقتصر على المعارضين السياسيين، بل طال أسر الصحفيين الذين اختاروا المنفى ليواصلوا عملهم بحرية.
حالات متكررة توثّق مداهمات المنازل، استدعاءات متواصلة، وحتى احتجازًا لأقارب بلا تهمة سوى صلة الدم.
بكري نفسه أشار إلى أن ما يجري مع أسرته جريمة انتقامية صريحة، والرسالة إلى كل صحفي بالخارج واضحة: "صوتك سيكلّف أحبّاءك الكثير".
هذه الاستراتيجية ليست فقط انتهاكًا صارخًا للقانون، بل محاولة لتكميم أفواه الصحافة الحرة بوسائل ملتوية.
 

أدوات الضغط: من المداهمات إلى سلاح الوثائق
ما يكشفه بكري عن اقتحامات متكررة، أحيانًا في اليوم نفسه صباحًا ومساءً، ليس سوى وجه من وجوه القمع.
هناك أيضًا أسلوب آخر لا يقل قسوة: حرمان المعارضين في الخارج من جوازات السفر والوثائق الأساسية.
هذا السلاح يجعل حياة هؤلاء هشّة في بلدان اللجوء، ويضاعف الضغوط النفسية عليهم.
وبينما يستخدم الأمن سيف الاعتقالات في الداخل، يُستخدم سلاح الوثائق في الخارج، لتذكير المنفيين بأنهم تحت قبضة النظام حتى وهم على بُعد آلاف الكيلومترات.
 

لماذا الأسر؟ ولماذا الآن؟
السؤال الذي يطرحه كثيرون: لماذا تدفع الأسر الثمن؟
الإجابة، بحسب خبراء حقوقيين، أن هذا النوع من الاستهداف يُعد أقل كلفة للنظام وأكثر تأثيرًا من مواجهة الأصوات الحرة مباشرة. اعتقال شقيق بكري واستدعاء والده المسن مثال حي على سياسة "التأديب غير المباشر"، لتوجيه رسالة للصحفي: لا أمان لك ولا لعائلتك طالما تجرؤ على الكلام.
هذه الممارسات لا تستهدف بكري وحده، بل تهدف لترويع دوائر أوسع من الصحفيين والمعارضين في الخارج، حتى يفكر كل منهم ألف مرة قبل نشر كلمة ناقدة.
 

القمع العابر للحدود.. سياسة ممنهجة
قضية علي بكري تسلط الضوء على سياسة باتت ممنهجة في مصر: الانتقام من معارضين بالخارج عبر أسرهم في الداخل.
تقارير دولية صنّفت مصر ضمن الدول التي تمارس القمع العابر للحدود بشكل منظم، إلى جانب دول كبرى أخرى.
هذا يعني أن المداهمات المتكررة، التهديدات، الاعتقالات، كلها ليست قرارات فردية أو أخطاء استثنائية، بل جزء من استراتيجية واضحة تستهدف إخضاع كل من يجرؤ على فضح الانتهاكات أو نقد النظام.
 

الصحافة ليست جريمة
ما يواجهه علي بكري اليوم يختصر معاناة جيل كامل من الصحفيين والمنفيين الذين يدفعون ثمن آرائهم بحرية عائلاتهم.
هذه الممارسات لا يمكن تبريرها ولا السكوت عنها؛ لأنها لا تمثل فقط انتهاكًا للقانون والدستور، بل تدميرًا للأسرة المصرية نفسها.
إذا كانت الصحافة جريمة في نظر البعض، فإن الثمن لا يجب أن يكون حياة الآباء والأمهات والإخوة.
رسالته الأخيرة في البيان كانت صرخة لكل من يملك ضميرًا: أوقفوا استهداف أسرتي.. أوقفوا الانتقام من الأبرياء.