تظهر تصريحات مصر الداعمة لقطاع غزة ورفضها لتهجير الفلسطينيين تناقضاً واضحاً مع الواقع العملي الذي يشهد تجميداً على مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتلكؤاً في تجاوز العقبات التي تفرضها إسرائيل على المساعدات.
هذه المواقف المتناقضة تعكس هشاشة الموقف المصري بين واجباته الإقليمية والضغط الميداني والسياسي والاقتصادي، مع تأثير ملف الغاز والتوترات الأمنية، مما يجعل مستقبل السياسة المصرية تجاه غزة وتل أبيب في عهد السيسي مفتوحاً على كل الاحتمالات.
في 18 أغسطس 2025، أكد وزير خارجية الانقلاب المصري بدر عبد العاطي خلال زيارته لمعبر رفح مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، أن مصر مع الفلسطينيين في معاناتهم وثباتهم على أراضيهم، مشدداً على رفض شروط "إسرائيل الكبرى" التي يصفها بأنها "أوهام سياسية".
استعراض عبد العاطي من أمام معبر رفح جاء مع قرب انفراجة في الحرب على الغزة، ووجه فيها رسائل تعاطفية إلى سكان غزة لعلها تمحو ما اقترفوه بحصارهم وتجويعهم بحق هذا الشعب المسلم قال فيها: نحن معكم في صمودكم وثباتكم على أرضكم، مؤكداً موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية ومجدداً رفض تهجير الفلسطينيين.
وأعلن عبد العاطي أن القاهرة لا تمانع نشر قوات دولية في غزة، شريطة وجود أفق سياسي واضح يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وبرز تأكيده أن مصر قدمت نحو 70% من المساعدات التي دخلت غزة منذ بدء الحرب، مع استيراد ما بين 700 إلى 900 شاحنة مساعدات يومياً، رغم عوائق الاحتلال التي تعيق دخولها، لكنه في الوقت نفسه أقر بوجود نقص في المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية.
هذا الظهور الإعلامي جاء في ظلّ موجة من الانتقادات الشعبية التي تتهم القاهرة بتقويض ممرّ إنساني حيوي إلى القطاع.
تصريحات وزير الخارجية نُقلت مباشرة، والذي تزامن مع اجتماعات تفاوضية مصرية مع أطراف فلسطينية وقطرية حول آليات التهدئة وإدخال المساعدات.
وسائل إعلام الانقلاب المصري الرسمية عرضت الخطاب على أنه رسالة دعم، بينما رأت أصوات أخرى أنه تأخر في مواجهة أزمة إنسانية مستمرة.
إغلاق المعبر
تقارير نقلت عن مسؤولين مصريين قولهم إن هناك ألوف الشاحنات على الجانب المصري، وبعض التصريحات ذكرت أن نحو 5000 شاحنة موجودة ولكن لم تُدخَل.
مثل هذه الأرقام استُخدمت لإثارة التساؤل حول أسباب بطء فتح المعبر وآليات التنسيق مع إسرائيل والجانب الفلسطيني.
في المقابل، الحكومة تؤكد أن إعادة تشغيل المعبر مرتبطة بضمانات أمنية وإدارة فلسطينية للموقع.
لماذا تُتهم مصر بالتواطؤ؟
الاتهامات تقوم على ثلاثة عناصر أساسية:
أولاً، التحكم الفعلي في المعبر والاعتماد على اتفاقيات أمنية مع الطرف الإسرائيلي تعطي انطباعًا بأن القاهرة لا تملك فعلاً الحرية المطلقة في فتحه أو إدارته.
ثانياً، سجال المعلومات: حيث يرى منتقدون أن التصريحات الرسمية المتأخرة لا تواكب تفاقم الأزمة الإنسانية.
ثالثاً، استخدام إخراج المعبر كأداة تفاوضية في وساطات إقليمية ودولية، ما يضع المدنيين في ممر ضغط سياسي.
هذه الانتقادات جرى تداولها في مظاهرات وبيانات خلال الأسابيع الماضية.
خلال 2023–2025 تكررت تصريحات رسمية بمضمونين متناقضين: من جهة تأكيد استعدادية القاهرة لفتح المعبر لإدخال مساعدات، ومن جهة أخرى التأكيد على شروط أمنية وإدارية، مثل تصريح وزير الخارجية في أكتوبر 2023 والحديث مرارًا عن حاجة المعبر لإدارة فلسطينية).
في يونيو 2024 صرَّح مسؤولون مصريون بأن إعادة تشغيل معبر رفح صعبة، ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية من جانب المعبر، وهو تصريح لفت انتباه المراقبين حول حدود ممارسة مصر لسيادتها على المعبر.
التأثير الإنساني
خلال فترات التصعيد سُجلت أرقام كبيرة من الضحايا والجرحى في قطاع غزة، واستُشهدت تقارير إعلامية دولية بأرقام عشرات آلاف الضحايا وإصابات واسعة ودمار عقاري مُنذ بدء العمليات.
هذه الأرقام استُخدمت كحجة لدى منتقدي سياسة الإغلاق الجزئي أو البطئ لمعبر رفح، معتبرين أن التأخير في إدخال المساعدات يفاقم الكارثة الإنسانية.
مأزق الوساطة المصرية
موقع القاهرة كوسيط إقليمي ظهر مضاعفًا منذ 2023، من جهة يُنتقد لتقاربه مع تل أبيب أمنياً، ومن جهة أخرى يُشاد به دوليًا لدوره الوساطي.
وثائق وتحليلات معاهد أجنبية تشير إلى أن التوازن بين الأمن المصري ومطالب الشارع الإنساني جعل سياسة حكومة الانقلاب عرضة لنقد مزدوج؛ داخليًا من معارضين وناشطين، وخارجيًا من جماعات حقوقية وأطراف فلسطينية.
الأدلة تظهر تناقضًا بين الخطاب الرسمي (تصريحات دعم وإنسانية من معبر رفح بتاريخ 18/8/2025) والوقائع العملية التي تراها أصوات عموم الشعوب على أنها تأخير أو استخدام سياسي للتحكم في تدفق المساعدات.
تقرير كهذا يُثبت وجود أسئلة ميدانية ودبلوماسية مشروعة:
لماذا حدثت الفجوة بين التصريحات والفعل؟
وما الشروط الأمنية والسياسية التي تُعرقل فتح المعبر بشكل كامل؟