تشهد محافظات مصر حالة من الارتباك في سوق إيجار الأراضي الزراعية نتيجة سلسلة من القرارات الحكومية الأخيرة، التي رفعت القيم الإيجارية لأراضي الإصلاح الزراعي وأراضي الأوقاف إلى مستويات غير مسبوقة، تفوق قدرة الفلاحين على السداد.

 

فقد رفعت وزارة الزراعة قيمة الإيجار السنوي للفدان (4200 متر مربع) في بعض المناطق إلى 27 ألف جنيه، بينما تراوحت إيجارات أراضي الأوقاف بين 15 و45 ألف جنيه للفدان.

 

نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، أكد أن بعض لجان الأوقاف رفعت الإيجار بشكل مفاجئ من 19 ألف جنيه إلى 54 ألف جنيه، وهو ما أثار غضب الفلاحين الذين يواجهون بالفعل ارتفاعًا غير مسبوق في تكاليف الإنتاج، بما يشمل الأسمدة والبذور والكهرباء والطاقة.

 

وأوضح أبو صدام أن مقارنة إيجارات أراضي الأوقاف بالأراضي المجاورة غير عادلة، كون الفلاحين الذين يستأجرون هذه الأراضي هم من استصلحوها وخصبوها على مدى عقود، مطالبًا بإعادة النظر في الزيادات لتناسب القدرة الشرائية وجودة الأرض، مع تقدير القيمة العادلة بـ25 ألف جنيه للفدان.

 

مبررات رسمية ورفض شعبي

 

وزارة الأوقاف بررت إعادة تقييم الإيجارات بأنها جاءت لمعالجة التراخي وسوء الإدارة في العقود القديمة، مشيرة إلى تقسيم الأراضي إلى أربع فئات حسب الجودة، مع مراعاة صغار المستأجرين. لكن هذه المبررات لم تهدئ المخاوف، خاصة في الريف الفقير بمحافظات الدلتا والفيوم وأسيوط، حيث تعتمد الأسر على الزراعة كمصدر دخل أساسي.

 

ارتفاع أسعار الأسمدة والسولار والكهرباء، إضافة إلى تكلفة النقل المرتفعة وأجور العمالة، جعل العملية الزراعية غير اقتصادية، وفقًا لأبو صدام. وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كان التضخم الغذائي المحرك الأكبر لارتفاع التضخم العام، وهو ما يهدد بمزيد من الضغوط على أسعار الخضروات والحبوب والفاكهة والدواجن والأعلاف.

 

الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني حذر من أن السياسات الحالية قد تعصف بالأمن الغذائي وتزيد معدلات الفقر، مشيرًا إلى دراسة حديثة تؤكد أن ارتفاع أسعار الغذاء كان العامل الأكبر في توسع دائرة الفقر خلال العامين الماضيين، وأن أي زيادة في تكاليف الإنتاج ستفاقم الوضع، خاصة بالنسبة للأسر الريفية التي تنفق الجزء الأكبر من دخلها على الطعام.

 

أعباء إضافية ومخاطر مستقبلية

 

الأزمة لا تتوقف عند الإيجارات، بل تشمل ارتفاع أسعار الفائدة على التمويل الزراعي، التي تتراوح بين 21.2% و22%، ما يجعل تمويل شراء المدخلات الزراعية أمراً صعباً. الفلاحون يؤكدون أنهم يعملون طوال العام لتغطية تكاليف الإنتاج فقط، وأن أي زيادة إضافية في الإيجارات قد تدفع القطاع الخاص لرفع الأسعار، لتصل في الأراضي القريبة من النيل إلى 30 ألف جنيه للفدان، وفي الأراضي الصحراوية الجديدة إلى نحو 10 آلاف جنيه.

 

خبراء الزراعة يرون أن صغار الفلاحين وأصحاب الحيازات الأقل من 3 أفدنة هم الأكثر تضررًا، وأن استمرار هذه السياسة قد يقلص المساحات المزروعة بمحاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة، ما سيزيد الفجوة الغذائية ويهدد الأمن الغذائي للبلاد.

 

ويختم أبو صدام بالقول: "الفلاح اليوم يعمل بلا مظلة حماية اجتماعية، ومع ارتفاع الإيجارات والأسمدة والفائدة، تتحول الزراعة من مهنة إنتاج إلى معركة بقاء. هذه الأراضي مصدر رزق الملايين… ومن واجب الدولة أن تخفف عنهم، لا أن تثقل كاهلهم وتشيع السخط بينهم".