اعتماد مجلس الاتحاد الأوروبي أول لائحة موحّدة لـ”بلدان الأصل الآمنة” على مستوى الاتحاد، والتي تضم المغرب وتونس ومصر إلى جانب الهند وكوسوفو وكولومبيا وبنجلادش، يمثل تحولًا سياسيًا وقانونيًا عميقًا في طريقة تعاطي أوروبا مع موجات اللجوء القادمة من الجنوب والشرق.
هذا التصنيف لا يعني أن هذه الدول تحترم فعلًا حقوق الإنسان، بل يعني أن الاتحاد قرر افتراض ذلك قانونيًا لتسريع الرفض وتقليل الأعباء الإدارية والمالية المرتبطة بملفات اللجوء “ضعيفة الحظ”.
ما هو تصنيف “بلد الأصل الآمن”؟
مفهوم “بلد الأصل الآمن” يقوم على افتراض قانوني بأن الدولة المصنَّفة لا تشهد اضطهادًا ممنهجًا، ولا نزاعًا مسلحًا عامًا، ولا انتهاكات جسيمة ومنتظمة لحقوق الإنسان، بحيث يُعتبَر أن مواطنيها في الأصل لا يحتاجون إلى حماية دولية إلا في حالات استثنائية فردية.
هذا التصنيف لا يلغي حق الفرد في طلب اللجوء، لكنه يقلب عبء الإثبات بالكامل على طالب الحماية، ويجعله مطالبًا بتقديم أدلة قوية ومحددة على أن ما يتعرض له يختلف عن الوضع “العام الآمن” المفترض في بلده.
في التطبيق العملي، يعني ذلك أن طلبات اللجوء من هذه الدول تُعامل على أنها “ضعيفة الأسس” من حيث المبدأ، وتدخل في مسارات سريعة على الحدود، وغالبًا ما تُرفض خلال مدد قصيرة، مع تقليص فرص الاستئناف الفعّال، واستخدام الاحتجاز الحدودي أو مراكز العبور المغلقة كأداة ضغط إضافية.
لماذا هذا القرار الآن ضمن منظومة الهجرة الجديدة؟
تصنيف البلدان السبعة كـ“دول آمنة” يأتي كجزء من تفعيل ميثاق اللجوء والهجرة الأوروبي لعام 2024، وهو إصلاح شامل لمنظومة الهجرة يهدف – من منظور الحكومات – إلى: توحيد المعايير بين الدول الأعضاء، تقليل “سياحة اللجوء”، وتسريع التعامل مع الملفات ذات “الفرص المنخفضة”.
في هذا السياق، ترى المؤسسات الأوروبية أن جزءًا كبيرًا من طالبي اللجوء القادمين من دول لا تشهد حروبًا معلنة يدخلون في إطار “الهجرة الاقتصادية”، وبالتالي تريد تقليل الوقت والموارد المخصصة لهذه الملفات. لكن حقوقيين حذّروا من أن اختزال الأزمات السياسية والقمع الداخلي في بعض هذه الدول إلى مجرد “استقرار مؤسسات” هو تلاعب بالمفاهيم، وأن هدف القرار في جوهره هو التحكم العددي في الوافدين أكثر من حماية من يستحق الحماية.
الأثر المباشر على طالبي اللجوء من مصر والمغرب وتونس
بالنسبة للمصريين والمغاربة والتونسيين، يحمل التصنيف تداعيات قاسية:
- طلب اللجوء سيتجه تلقائيًا إلى المسار المعجَّل على الحدود أو في مراكز الاستقبال، مع مدد قصيرة جدًّا لتقديم الأدلة وتوكيل المحامين.
- يصبح الافتراض القانوني أن بلدك “آمن”، وأن ما تتحدث عنه ليس جزءًا من نمط عام من الاضطهاد، بل حالة فردية تحتاج لإثبات أقوى من المعتاد، وهو ما يصعب على أغلب طالبي اللجوء، خصوصًا الفقراء، المعتقلين السابقين، أو الملاحَقين الذين خرجوا بشكل مفاجئ دون ملفات موثقة.
هذا الوضع يهدد بشكل خاص:
- النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين الهاربين من الملاحقة في دول تُتهم أصلًا بقمع حرية التعبير والتعذيب والاعتقال التعسفي.
- ضحايا العنف الأمني أو الطائفي أو الجندرة الذين يصعب عليهم جمع أدلة “رسمية” من أنظمة هي نفسها جزء من الانتهاك.
النتيجة المتوقعة هي ارتفاع نسب الرفض والترحيل السريع، واستغلال السلطات في بلدان المنشأ لهذا التصنيف الأوروبي لتجميل صورتها والقول: “أوروبا نفسها تعتبرنا دولة آمنة”.
بين القانون والواقع الحقوقي… فجوة متعمدة
منظمات حقوقية أوروبية ودولية أشارت إلى أن تصنيف هذه الدول كـ“آمنة” لا يعكس تقييمًا شاملًا لأوضاع حقوق الإنسان بقدر ما يعكس منطقًا إجرائيًا لإدارة ملفات اللجوء وتقليصها.
ففي دول مثل مصر، تتحدث تقارير متعددة عن قمع سياسي واسع، ومحاكم استثنائية، وحبس احتياطي ممتد، وتضييق على المجتمع المدني والإعلام؛ وفي المغرب وتونس تُثار قضايا تتعلق بمحاكمات النشطاء وقمع الاحتجاجات وتضييق حرية الصحافة. ومع ذلك، يركّز الاتحاد الأوروبي في معاييره على “استقرار المؤسسات” وغياب الحرب الأهلية الشاملة، أكثر من تركيزه على طبيعة النظام السياسي وقمعه.
هذا الانفصال بين الخطاب الحقوقي الأوروبي النظري وبين الممارسة الفعلية في سياسات اللجوء يعكس أولوية واضحة: إدارة الحدود ومنع الدخول مهما كان الثمن، حتى لو تم ذلك عبر استعمال مفاهيم قانونية مثل “بلد آمن” بطريقة تخدم السياسة أكثر مما تخدم حماية الإنسان.
تصنيف يخدم الإغلاق لا الحماية
إدراج مصر والمغرب وتونس وغيرها في لائحة “بلدان الأصل الآمنة” على مستوى الاتحاد الأوروبي ليس مكسبًا دبلوماسيًا لهذه الأنظمة بقدر ما هو أداة أوروبية لتقليص أعداد من يُسمح لهم بالوصول والحصول على حماية. جوهر القرار هو تعزيز منطق “أوروبا الحصن المغلق” وتخفيف الضغط السياسي الداخلي في دول الشمال على حساب أمن وكرامة طالبي اللجوء من الجنوب.
بالنسبة للضحايا الحقيقيين للقمع والاضطهاد في هذه البلدان، فإن الطريق إلى اللجوء القانوني سيصبح أشد وعورة، وسيتحول عبء إثبات معاناتهم إلى جبل من الشروط والإجراءات السريعة التي لا ترحم، في حين تواصل الأنظمة القمعية التفاخر بأنها “آمنة” بشهادة بروكسل. هكذا يتقاطع استبداد الداخل مع برودة بيروقراطية الخارج ليُضيِّقا الخناق على إنسان يبحث فقط عن حقه في حياة آمنة وكرامة مهدورة.

