أكدت دراسة موسعة بعنوان "إغلاق المصانع وبيع الشركات الحكومية تهديد للأمن المجتمعي وتآكل للأمن القومي" أن لجنة تصفية أصول مصر، تبدو مختلفة تمامًا عن برنامج "الطروحات الحكومية" الذي تعهدت فيه الحكومة بطرح حصص في 32 شركة (حكومية) للبيع وتشمل عمليات البيع 18 قطاعًا ونشاطًا اقتصاديًا.
وقالت الدراسة - التي نشرها موقع الشارع السياسي - إن الخصخصة وتصفية الشركات وإغلاق المصانع، يتزامن ذلك مع تحركات لنقل كافة المرافق الحيوية؛ بما فيها الوزارات ومجلسي الوزراء والنواب من القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة؛ ما يفتح الباب واسعًا أمام احتمالات استغلال مرافق وأصول حكومية تقدر بمليارات؛ بما في ذلك أصول إستراتيجية مثل قناة السويس، التي نفت الحكومة لاحقًا بيعها مقابل تريليون دولار.
ورصدت الدراسة نحو 5 إشكالات محورية حول عمليات التصفية والاغلاق مسببة أزمات من المرجح أن تنعكس على المجتمع المصري ككل بعد كثرة حالات إغلاق المصانع وبيع الشركات.
1-فساد حكومي كبير في قوانين تحصين عقود الحكومة
واستندت الدراسة في تحديد هذا الإشكال المتعلق بالفساد في القانون ذاته، إلى قرار "المحكمة الدستورية العليا"، بـ"رفض دعوى عدم دستورية قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، الذي يقصر حق الطعن في صحة عقود الدولة بالتصرف في الممتلكات العامة أمام المحاكم على طرفي العقد فقط دون غيرهما".
وأشارت إلى أنه في الوقت الذي ترى فيه الحكومة "المصرية" أن هذه الخطوة ضرورية وستساعد الاقتصاد في التعافي من خلال إعادة هيكلة الشركات وزيادة رأس مالها ونشاطها والتوسع في خطوط إنتاج جديدة، ومن ثم إضافة فرص عمل وتوسعة عملية الإنتاج، إلا أن "الحكومة" لم تضع رؤية اقتصادية شاملة لحل مشكلات البلاد، لكنها تتجه لبيع “أصول الدولة”، من أجل "الديون والقروض وفوائدهما".
واستطردت أنها أيضًا تبرر أن بيع الشركات لمستثمرين أو شركاء إستراتيجيين، يعود بالنفع على الدولة، اذ أن تلك الشركات ستدفع ضرائب أكثر تصب في الموازنة العامة للدولة ويمكن استغلال جزء منها لدعم المهمشين والأكثر احتياجًا.
واستندت تاليًا في هذا المشكل إلى بيان مشترك لمنظمتي "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" حذرتا فيه، من بعض البنود في اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه “صندوق النقد الدولي” مع مصر مثل التقشف وبيع أصول الدولة.
وقالتا في بيانهما إن "تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية قد يؤدي إلى خطر الفساد الذي يصب في مصلحة البلدان ذات السجلات الحقوقية التعسفية، فثمة تاريخ طويل من استخدام عمليات البيع مثل هذه لإثراء النخبة السياسية".
2–تجاهل حلول إنقاذ الشركات
وقالت الدراسة إن حكومة السيسي في حالة سعار متصاعد للبيع من أجل الحصول على الدولار، من أجل سداد ديون السيسي المستحقة، تجاهلت الحكومة خطط إنقاذ الشركات المتعثرة والمعروضة للخصخصة، أو تلك التي وقعت تحت طائلة مقصلة التصفية، فهناك العديد من الحلول التي كان اللجوء إليها مسارًا للحل، مثل التأجير للقطاع الخاص، أو البحث عن شريك أجنبي يعمل على التطوير.
وأضافت أن المريب بشأن الشركات التي يتم تصفيتها، أنه "يتم تغيير في إداراتها، ثم زيادة معدلات خسائرها وارتفاع مديونيتها، لتكون مؤهلة أمام الرأي العام للتصفية، وليس البيع أو الخصخصة الجزئية".
3-خسائر مالية بالجملة
ورصدت ضمن هذه الأزمة أن تقديرات مهمة لوجود الشركات التي يتم تصفيتها في مصر:
- فغالبية هذه الشركات، تم إنشاؤها في خمسينيات وستينيات القرن الـ20.
- وكانت تقدم منتجات حقيقية، بل إستراتيجية.
وكشفت أن "مصر تعاني من عجز في موازينها التجارية لسلعتي الحديد والورق، إذ قامت الحكومة بتصفية شركتين مهمتين في هذا المجال".
واستعرضت في هذا الاطار البيانات الخاصة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023، والتي تعكس وجود عجز في الميزان التجاري لحديد التسليح بما يقارب ملياري دولار، فالواردات في هذا العام من حديد التسليح بلغت 4.21 مليارات دولار، بينما الصادرات بلغت 2.33 مليار دولار.
وقالت إنه فضلاً عن كون الحديد لا تقتصر فائدته على قطاع التشييد والبناء، ولكنه مكون رئيس في العديد من الصناعات القائمة على التعدين، في المجالات المختلفة، ويعد التحدي الكبير في هذه الصناعة على القيمة المضافة التي تصنعها التكنولوجيا لخام الحديد.
أما صناعة الورق، فالبيانات الخاصة بالهيئة العامة للاستثمار المصرية، تظهر عبر نموذج لدراسة جدوى لصناعة الكرتون، أن استهلاك مصر من الورق يصل إلى 600 ألف طن، في حين تنتج مصر نحو 225 ألف طن، وذلك وفق بيانات عام 2019.
وتعتمد مصر على استيراد الورق بنسبة كبيرة، فيتم استيراد 60% من الاحتياجات السنوية من الورق الأبيض اللازم للسوق المصري، وكذلك يتم استيراد نسبة 90% من ورق الصحف.
وتساءلت الورقة متعجبة: فما بالنا أن الدولة تتخلى عن مصانع قائمة وتسد فجوة ضرورية داخل السوق المحلي؟!!!
وعن سلعة ثالثة أوضحت أن صناعة الأسمنت، وإن كانت مصر تحقق اكتفاء ذاتيًا في هذه السلعة، وتعمل على التصدير، فإن ما تم بالنسبة للشركة القومية للأسمنت، يطرح العديد من الأسئلة عن قرار التصفية، فالحكومة في الوقت الذي تصفي فيه الشركة، يقوم الجيش بإقامة مصنع جديد للأسمنت، في محافظة بني سويف.
4– غياب الشفافية في عمليات التصفية
ومن أبرز ما يؤكد الفساد بحسب الدراسة هو إشكال: غياب الشفافية لدى الحكومة "المصرية" بشأن تصفية الشركات العامة، موضحة أننا أمام أصول رأسمالية متمثلة في العدد والآلات، فكيف ستتصرف فيها الحكومة؟ هل ستعلن عن بيعها خطوط إنتاج للقطاع الخاص المحلي أو في خارج مصر؟ أم سيتم التصرف فيها على أنها خردة، وبطبيعة الحال في حالة تبني الخيار الأخير، سوف تباع بثمن زهيد مقارنة بثمنها الذي اشتريت به.
وأشارت إلى أن العديد من الدول الشرقية، اعتمدت بيع خطط الإنتاج للدول النامية، ولم تبعها كخردة، وهو ما حقق لها كفاءة مالية..
5- إشكالات تنفيذية
وعن هذه الإشكالات أشارت إلى تقرير للباحث في الاقتصاد السياسي، وائل جمال، الذي أكد وجود مشاكل جوهرية في برامج الحكومة الاقتصادية التي تعلنها سواء بالاتفاق مع صندوق النقد أو "وتتمثل في غياب الشفافية، وعدم وضوح آليات تنفيذ هذه البرامج، مما يُثير قلق المواطنين ويُفقد الثقة بجدوى هذه البرامج الحكومية” وأضاف “ولا أعتقد أنها برامج وطنية".
مضيفًا أن هناك أبعادًا أخرى تتعلق بعوائد بيع الأصول المملوكة للمصريين، وتساءل: هل يعكس هذا القرار حاجة الدولة الماسة إلى سيولة نقدية رغم التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مؤخرًا؟ ثم أجاب: نعم الفجوة التمويلية ضخمة، والتدفقات المالية لا تصل في يوم وليلة وإنما على دفعات.
كما طرح جمال -وقد شغل رئيس وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- العديد من الأسئلة الأخرى:
- ما هي الأصول المستهدفة بالتصفية؟
- وهل تُستخدم في تمويل مشاريع تنموية جديدة أم تُوجه لسد العجز في الموازنة؟
- هل هناك شفافية في كيفية استخدام هذه العوائد؟
وأجاب بالقول: بالطبع جزء منها يذهب لسداد أقساط الديون وفوائدها وزيادة حجم الاحتياطي النقدي، ولكن لا نعلم المزيد.
وعن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج الطروحات أو تصفية الأصول على المواطنين، واصلت نقل رأي "جمال" من أن ذلك يعني تخلي الدولة عن مسئولياتها تجاه الخدمات المقدمة للمواطن بأسعار مناسبة من جهة، وبيع الأصول والشركات القيمة للدولة مقابل الحصول على إيرادات لمرة واحدة بدلاً من الاستفادة من الأرباح السنوية لتلك الأصول سواء كانت شركات أو مصانع أو بنوكًا أو عقارات.
وفي عام 2023 أعلنت حكومة السيسي بيع أصول حكومية لشركات قطاع خاص، بقيمة 1.9 مليار دولار حتى الآن ضمن برنامج الطروحات الحكومية، وخلال مؤتمر صحفي، قال رئيس وزراء السيسي الدكتور مصطفى مدبولي: “حققنا عقودًا مع القطاع الخاص بإجمالي 1.9 مليار، الحكومة تتخارج من عدد من الشركات بإجمالي 1.9 مليار دولار”، مشيرًا إلى أن صافي ما سيؤول للحكومة من هذه العقود بالدولار هو 1.65 مليار دولار والباقي بالجنيه.
من جانبها، قالت وزيرة التخطيط السابقة، هالة السعيد، إن الصفقات تضمنت بيع حصص أقلية في ثلاث شركات بـ قطاع النفط والبتروكيماويات لصندوق أبوظبي للثروة السيادية (القابضة إيه.دي.كيو) مقابل 800 مليون دولار، وصفقة لجمع 700 مليون دولار عن طريق زيادة رأس مال شركة تمتلك مجموعة فنادق في مصر، وصفقة بيع حصة 31 % في شركة عز الدخيلة للصلب مقابل 241 مليون دولار.
قبل ذلك، وفي عام 2022 أعلنت الحكومة عن استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، وأتى ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان القاهرة بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وسبقها بيع حصة مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي. علق الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية، هاني توفيق، على الأمر قائلًا إن ”البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة”.