نظمت لجنة “دعم عاملات وعمال وبريات سمنود”، مؤتمرًا تضامنيًا، مع عمال سمنود، المستمرين في إضرابهم عن العمل منذ 17 أغسطس الماضي، للمطالبة بتطبيق قرار المجلس القومي للأجور، الذي بموجبه ترتفع أجور العاملين الخاضعين لقانون العمل رقم 12 لسنة 2023، من 3500 جنيه إلى 6000 جنيه.

وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من عدة قوى سياسية ونقابية، أكدت على استمرار تضامنها مع العمال، بكافة الطرق الممكنة.. والمؤتمر هو الثاني بعد انعقاد المؤتمر التضامني الأول مع عمال سمنود، في 5 سبتمبر الجاري، عندما كان القيادي العمالي والنقابي البارز، هشام البنا، لا يزال رهن الحبس على خلفية مشاركته في الإضراب، لكن البنا، كان أحد المشاركين في مؤتمر “الكرامة”، بعد أن تم الإفراج عنه الأسبوع الماضي، فلم يغب عمال سمنود عن المؤتمر التضامني، كما لم تغب شؤون السياسة والاقتصاد، والقانون، وفلسطين، كقضايا متشابكة، تأتي ضمن ظرف دقيق ومتدهور، كما أجمع الحضور.

وشدد المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، على أهمية الاشتباك مع المعارك المباشرة، مثل التضامن مع عمال سمنود، من أجل رفع الظلم الاجتماعي، والقهر الطبقي، والاستبداد السياسي في مصر، في ظل عدم تمكننا من تقديم الدعم والإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، مطالبًا بالإفراج الفوري عن المعتقلين، على خلفية التضامن مع فلسطين.

وألقى مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، كلمة، خلال المؤتمر، قال فيها إن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير منفصلة عن بعضها، بل إنها متشابكة، ويجب الربط بينها، مشيرًا إلى أن الظروف الراهنة، تقتضي أن يشمل رفع الحد الأدنى للأجور، كل العاملين بأجر، بدلا من التعامل الأمني، الذي لن تكون نتيجته إلا زيادة الاحتقان في المجتمع.

وأكد الزاهد على أن هناك ضرورة لتغيير السياسات القمعية وإلا فإن الأمور ستتدهور.. لافتًا في هذا الصدد إلى أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، يكرس الاستبداد، ويعزز هيمنة الأجهزة الأمنية، مشددًا في الوقت ذاته على أنه غير الممكن أن تتقدم مصر من خلال سياسة القبضة الأمنية، وتلفيق التهم، وانتزاع الاعترافات على وقع التعذيب،

وفي كلمته قال، سيد الطوخي، رئيس حزب الكرامة، إن الطبقة العاملة تتعرض لهجوم عنيف، ضمن الفئات المقهورة من الشعب المصري، بإفقار العمال والفلاحين لصالح خدمة الطبقة الحاكمة ورأسمالية المحاسيب، ضمن ما تشهده مصر خلال  الـ 10 سنوات الماضية من تفكيك وإضعاف مؤسساتها الوطنية وصناعاتها، و بدلاً من أن يكون لكل عامل نصيب في مصنعه، أصبحنا نرى تسريح العمال وبيع مصانعهم، لصالح «مشاريع المهرجانات» مثل مدينة العلمين وغيرها، مشيرًا إلى أن «كل العناوين تغيرت، وأن ما شهدته مصر خلال السنوات الماضية، هي جرائم مكتملة الأركان»، من غياب للتنمية المستقلة، لصالح بناء المزيد من الكباري، على أنقاض مصانع وحقوق العمال والفقراء.

ووجه الطوخي التحية لصمود عاملات وعمال سمنود، المضربين عن العمل من أجل حقوقهم، وإلى الشعب المصري الصامد الذي يتعرض لضغوط رهيبة من الإفقار والقمع.

وكانت وزارة العمل أصدرت تقريرًا في أبريل، الماضي، بشأن ملف العمل خلال الـ 10 سنوات، الماضية، وأشار التقرير إلى ما تحقق من إيجابيات في الملف، بفضل خارطة طريق التوجيهات والتكليفات الرئاسية، والمشروعات الوطنية العملاقة، طبقًا للتقرير، الذي أشار إلى تراجع نسبة البطالة إلى 6.9%، مقارنة بنسبة 13% عام 2014، وأوضح التقرير أن 28 ألف و298 عامل غير منتظم، يعملون في مدينة العلمين الجديدة، فضلاً عن 65 ألف و261 عامل، يعملون في العاصمة الإدارية الجديدة. لكن التقرير لم يشر إلى أن نسبة استيعاب هذه المشروعات للعمال الذين تم تسريحهم، هي نسبة ضئيلة مقارنةً ببيع الدولة للمصانع والشركات، وتخارجها من قطاعات وأنشطة اقتصادية بشكل كلي وجزئي، وتحول العمال للعمل بأنشطة خدمية، أو في قطاع التشييد والعقارات، كعمل مؤقت، وما يمثله ذلك من إهدار لحقوقهم، فعلى سبيل المثال تم تسريح 6500 عامل بعد تصفية شركة الحديد والصلب، في مطلع عام 2021، بعد تصفية شركة القومية للأسمنت عام 2018، وفي فبراير 2023، أعلنت الدولة طرح أسهم 32 شركة تشمل 18 قطاعا اقتصاديا بالبورصة أو لمستثمر أجنبي، حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، بحسب بيان مجلس الوزراء.

القيادي العمالي، هشام البنا، قال إنه لا توجد نوايا جادة لحل مشاكل عاملات وعمال وبريات سمنود، لأن الهدف هو بيع الشركة، وتسريح العمال، وهو ما تجسد في بيع الشركة للماكينات، مضيفًا أنه في وقت سابق، تقدم 200 عامل باستقالتهم، بسبب ظروف العمل شديدة الصعوبة، وتدني الأجور، قبل أن يعدل العمال عن قرارهم وفقًا للمدة التي يكفلها لهم القانون، لكن إدارة الشركة أوقفت رواتبهم، قبل أن يستعيدوا عملهم،«بعد ما حاربنا علشان يرجعوا»، وبعد ضغط من زملائهم، ضد تعنت إدارة الشركة معهم، ورغبتها في استبعادهم.
وفي كلمته خلال المؤتمر، أشار البنا، إلى أن الدولة تتحدث عن تطوير شركة وبريات سمنود، منذ عام 2014، لكن هذا التطوير تمثل عمليًا في التخلص من العمال، الذين كان يبلغ عددهم حينها 1300 عاملة وعامل، أصبحوا الآن 500 فقط، ففي قسم الملابس على سبيل المثال، تناقص عدد العاملات من 600 إلى 300 عاملة، فضلاً عن إهمال وبيع معدات الشركة، موضحًا أن وبريات سمنود، تمتلك(ماكينة جينز) نادرة، كان من المفترض أن يتم التسويق لها عالميًا، لكنها اليوم، معطلة تمامًا، ومن أصل 60 ماكينة لم يتم تطوير ماكينة واحدة منذ سنة 1984، يضيف البنا، أن الشركة تقوم ببيع معدات تعتبر ركائز أساسية في العمل، وباعت مؤخرًا(كلارك 10 طن) على الرغم من أنه الكلارك الوحيد بالشركة، ولايمكن الاستغناء عنه في عملية التحميل والشحن، بل إن الشركة قامت ببيع (قواعد خرسانية)، وقامت بعمل مزادات لبيع مخلفات (حديد وكُهنة)، تحت دعوى استكمال الأجور، على الرغم من أن الشركة تحقق أرباحًا يومية، لا تقل عن 500 ألف جنيه، «أنا مدير المبيعات»، يقول البنا، ولذلك أصر، كما يقول، على التحدث أثناء عرضه على التحقيق، رغم حالته الصحية السيئة، للرد على اتهام الشركة للعمال، في تسببهم لها في خسارة يومية، تقدر ب500 ألف جنيه.

يعمل البنا، في شركة وبريات سمنود، منذ 31 عامًا، ويتقاضى 3800 جنيه، ويتساءل عن كيفية العيش بهذا الأجر هو وزملائه، في ظل قفزات الأسعار والغلاء، ومصروفات الأبناء من التعليم، والعلاج وغيرها، مستنكرًا طلب النائبة عن دائرة سمنود، من العمال أن « يأكلوا كشري»، في ردها عليهم حول مطالبهم برفع أجورهم إلى الحد الأدنى المقرر للأجور6000 جنيه.. متسائلاً من أين يأتي العمال، بثمن الكشري، في ظل تدني أجورهم، مقارنة بمتطلبات المعيشة.

كانت النائبة، ليلى أحمد أبو اسماعيل، (عن حزب الوفد- دائرة سمنود) قد مارست ضغوطًا على العمال في أغسطس الماضي، من أجل فض إضرابهم والعودة إلى العمل، وإرجاء النظر في مطلبهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، إلى شهر نوفمبر القادم، مقابل أن يتم الإفراج عن زملائهم، المقبوض عليهم، حينها، بسبب اقتراب زيارة أحد المستثمرين، للحصول على امتياز لإدارة وتشغيل الشركة، وهو ما رفضه العمال، بحسب «دارالخدمات النقابية والعمالية».

ووجه البنا، الشكر لكل من المتضامنين مع عاملات وعمال سمنود، مما كان له بالغ الأثر، في جعل مطالب عمال سمنود قضية رأي عام، وما ساهمت فيه حمل التضامن من الإفراج عن العاملات والعمال ممن أُلقى القبض عليهم، مطالبًا باستمرار التضامن مع زملائه، ومع العمال بصورة عامة لما يواجهونه من ظروف صعبة، لأن «الحال أصبح تحت الصفر»، واستنكر البنا، الحملة الأمنية الكبيرة التي أتت للقبض عليه، وإغلاق الشارع الذي يسكن به، لمجرد القبض على عامل، ما جعله يشعر بأنه«هشام بن لادن»، على حد وصفه.

من جانبه، قال المحامي العمالي، هيثم محمدين إن الحركة السياسية عادت إلى الاهتمام بالحركة العمالية، بعد انفصال طويل، وانشغال بالمطالب السياسية بعيدًا عن العمال، مشيرًا إلى أهمية حضور القيادي العمالي، هشام البنا، للمؤتمرعلى الرغم مما تعرض له من تعسف وضغوط، في تعبير عن صمود وتضحية قيادات الحركة العمالية، وتمسكها بمبادئها، وعدم تخليها عن زملائها في أحلك الظروف، وهو ما يجب علينا جميعًا التعلم منه، وأن على القوى السياسية، وخاصة الشباب، ألا تتأرجح بين المعارضة، والسلطة، فحركة الشارع، وعلى رأسها الحركة العمالية، هم حلفائها الأساسيين.

محمدين، قال في كلمته خلال المؤتمر، إن عاملات وعمال وبريات سمنود المفرج عنهم، كانت وجهت إليهم تهمة التجمهر، طبقًا للقانون رقم 10 لسنة 1914، الصادر من المندوب السامي البريطاني، في مواجهة ظروف الحرب العالمية الأولى، وهو ما يتعارض مع الدستور، وتعديلات القوانين، وحق العمال في الإضراب، كما يقره القانون، ولكن الدولة تلجأ لإضافة تهم مثل التجمهر، ومشاركة جماعة إرهابية، واستعراض القوة، لتقنيين حبس العمال. وأشار محمدين، إلى أن امتناع شركة وبريات سمنود عن تطبيق الحد الأدنى للأجور، هو إجراء غير قانوني، لأن الشركة ملزمة بتطبيق القرار، وإن ادعت أنها تخسر، لحين الفصل في طلب الشركة من الاستثناء من تطبيق القرار.

يذكر أن المجلس القومي لتنظيم الأجور، استثنى المنشآت متناهية الصغر، التي يقل عدد العاملين بها عن 10 عمال، من تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور، كما فتح المجلس باب التظلمات، لمدة 3 أشهر،لأصحاب العمل المتعثرين عن تطبيق القرار، الصادر في أبريل الماضي، لتقديم ما يثبت تعذرهم، مدعومًا بالمستندات الدالة على ذلك، إلى لجنة التظلمات، على أن تحيلها اللجنة إلى مديرية القوى العاملة.
الصحفية، أسماء زيدان، انتقدت في كلمتها خلال المؤتمر، إصدار رئيس الجمهورية لقرار الحد الأدنى للأجور 6000 جنيه، في فبراير الماضي، ضمن حزمة القرارات التي لا تطبق في الأصل على الأغلبية، ودعت زيدان إلى استمرار التضامن مع عاملات وعمال سمنود، في ظل ظروفهم التي شديدة السوء، التي وصفتها بـ «العبودية».

من جهته، عقب المحامي، كمال أبو عيطة، على الرؤى المطروحة حول القضية الفلسطينية قائلا إن من يعتقل المتضامنين مع فلسطين، فلا يعني ذلك غير كونه صراحةً متضامن مع إسرائيل.. مشيرًا إلى أن تضامن عمال سمنود مع زملائهم، أثناء القبض عليهم، وحتى الإفراج عنهم، يشبه البيئة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية. مضيقًا أن إضراب عاملات وعمال سمنود، هو بارقة أمل وجرس إنذار وصرخة معبرة عن أوضاع الشعب المصري، مُنبهًا إلى أن 3300 شركة ومنشأة تقدمت إلى لجنة التظلمات، لطلب استثنائها من قرار الحد الأدنى للأجور، في تحايل على تطبيق القرار، واستنكر أبو عيطة بيع الشركات والمصانع، وتحويلها إلى أراضٍ وعقارات من أجل الاستثمار، بعد أن يتم «تسخيرها»، من أجل التخلص منها.

الصحفي هشام فؤاد، لفت إلى أن النظام الحالي دخل التاريخ، ليس من باب الانجازات، ولكن بإقدامه للمرة الأولى على اعتقال العاملات، فجرًا من منازلهن، وبطريقة مهينة، وعدم السماح لهن بتغيير ملابس النوم، لمجرد مشاركتهن في إضراب يطالب برفع الأجور.

وألقى فؤاد، البيان الختامي للمؤتمر، الذي أكدت فيه القوى السياسية والنقابية المجتمعة دعمها الكامل لإضراب عاملات وعمال سمنود، وإدانتهم تواطؤ “حكومة العلمين”، مع رجال الأعمال وإدارات الشركات. وأشار البيان، إلى أن وزيرة التخطيط، رانيا المشاط،، التي يتبع لها بنك الاستثمار القومي صاحب الحصة الأكبر في شركة وبريات سمنود، هي أيضا عضو في المجلس القومي للأجور، الذي من المفترض أن يتابع تنفيذ آليات تطبيق قرار الحد الأدنى للأجر، إلا أن المجلس لم يجتمع منذ 23 مايو الماضي،  وحتى اليوم،  لمناقشة طلب شركة وبريات سمنود، استثنائها من تطبيق القرار، كما لم تقم بإلزام الشركة بتنفيذ القرار، لحين الفصل في تظلمها،

وأوضح البيان الذي ألقاه فؤاد أحقية العمال في تأسيس تنظيماتهم المستقلة، وأكد المجتمعون على مواصلة العمل المشترك، لدعم نضال عمال سمنود، ضمن معركة إعادة توزيع الثروة في المجتمع لصالح العاملين بأجر،  وطالبوا بتنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور الذي أصدره رئيس الجمهورية، وإعادة  10 من عمال سمنود، أوقفتهم إدارة الشركة عن العمل، على خلفية الإضراب، وشدد البيان على صرف رواتب العاملات والعمال، المتأخرة، فورًا، وربط الأجور بالأسعار.

وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر شهدحضورًا ومشاركة  لقيادات حزبية ونقابية، بارزة، أكدت على أهمية التضامن مع عمال سمنود، وممثلين عن  أحزاب الشيوعي المصري، والاشتراكي المصري، والعدل، والعيش والحرية(تحت التأسيس)، وحركة الاشتراكيين الثوريين. وصحفيات مصريات، و تحالف أمانات العمال والنقابات، ودار الخدمات النقابية والعمالية، واتحاد تضامن، والاتحاد المصري للنقابات العمالية، بالاضافة إلى نشطاء وأفراد متضامنون مع عمال سمنود.