أكدته جمعية "الحق في الدواء"، ارتفاع أسعار حليب الأطفال المستورد من الخارج بشكل جنوني، خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك نتيجة نقص المعروض في ما يعرف بـ"السوق الحرة".

وتتوفر "الألبان المُصنعة للأطفال" في مصر من قبل وزارة الصحة والسكان بأسعار رمزية، أو من خلال "السوق الحرة"، والتي تكون أسعارها مضاعفة وتتزايد بشكل سنوي، حسب المدير التنفيذي لجمعية "الحق في الدواء"، محمود فؤاد.

ويقول فؤاد: "منذ سنوات عدة تسيطر وتحتكر شركات بعينها سوق ألبان الأطفال في القطاع الخاص، وتقوم بزيادة الأسعار بنسبة كبيرة، لا يمكن للمواطنين أن يتحملوها".

ويشير فؤاد إلى أن أسعار حليب الأطفال الصناعية في مصر ارتفعت 220 في المئة في المتوسط خلال عام واحد فقط، مشيرًا إلى أنه "ليس هناك ما يبرر الزيادات بالنظر إلى انتهاء أزمة نقص الدولار"، وفقًا لـ"الحرة".

 

أزمة في "السوق الحرة"

وبالحديث مع أحد المستهلكين، إبراهيم (اسم مستعار)، والذي فضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن "سعر اللبن (الحليب) الذي وصفه الطبيب لابنتي التي تبلغ 4 أشهر الآن بسبب قلة (انخفاض) كمية لبن الأم، ارتفع من 115 جنيهًا إلى 200 جنيه خلال شهرين".

ويضيف إبراهيم الذي أخذ على عاتقه مهمة توفير الحليب لطفلته منذ أن أصبح أبا قبل 4 أشهر: "في الطبيعي كنت أشتري اللبن من صيدلية قريبة من البيت، لكن من فترة توقفت عن توفيره. عشان كدا كل ما أكون قريب من أي صيدلية في أي مكان بدخل أسأل عليه لو متوفر بشتري علبتين وهي الكمية التي يوافق الصيدلي على بيعها ويرفض زيادة العدد".

ويبلغ استهلاك السوق المحلية من حليب الأطفال سنويا نحو 50 مليون عبوة، حيث تستورد مصر نصفها من الخارج، وفقًا لرئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية المصرية، علي عوف.

ويضيف: "يتم تصنيع نحو 25 مليون عبوة في أحد المصانع المحلية، وهذه الكمية يتم توزيعها بالكامل على مستشفيات وزارة الصحة والتأمين الصحي، ويتم توفيرها للمواطنين مقابل 5 جنيهات للعبوة، على الرغم من أن تكلفتها الحقيقية تصل إلى 150 جنيهًا تقريبًا".

أما فيما يتعلق بسوق ألبان الأطفال المستوردة، يُقر عوف بوجود نقص في المعروض، قائلاً: "إحدى الشركة التي تستحوذ على 45 في المئة من السوق، واجهت مشاكل مالية مع الوكيل السابق، حيث تم نقل الوكالة مؤخرًا إلى وكيل جديد، مما أدى إلى حدوث فجوة ونقص المعروض خلال الوقت الحالي".

ويضيف: "يتم استيراد 25 مليون عبوة من الخارج من خلال 4 شركات كبرى في مصر، وهي التي تسيطر على السوق، من بينها الشركة التي تعرضت للمشكلة مؤخرًا".

بدوره، ينتقد فؤاد تبرير الأزمة بالمشاكل التي تواجه الشركات المستوردة، ويقول: "الأطفال والأمهات ليس لهم علاقة بتغيير الوكيل. والمستهلك لا يهمه هذه التفاصيل، وما يعنيه فعلاً هو نقص الحليب ووجود ممارسات احتكارية من بعض الشركات في هذا الأمر".

ويضيف: "منذ سنوات عدة تسيطر وتحتكر شركات بعينها سوق حليب الأطفال، وتقوم بزيادة الأسعار بنسبة كبيرة، لا يمكن للمواطنين أن يتحملوها".

 

"من يستطيع الشراء"

وارتفعت أسعار أحد أنواع حليب الأطفال الصناعية المستوردة بنسبة 250 في المئة خلال عام واحد فقط فيما وصلت بعض الأسعار إلى 900 جنيه للعبوة الواحدة (19 دولارًا)، وفق فؤاد، والذي يقول: "ليس هناك ما يبرر الزيادات بالنظر إلى انتهاء أزمة نقص الدولار".

ويشير علاء النجار، وهو تاجر أدوية وموزع لألبان الأطفال المستوردة، إلى ارتفاع أسعار حليب الأطفال بشكل ملحوظ خلال الأيام الماضية.

ويؤكد النجار أن "أسعار حليب الأطفال ارتفعت بنسبة 50 في المئة في المتوسط للعبوة الواحدة ولمختلف الأصناف".

ويوضح أن "ما يباع خارج الوحدات الصحية، وتحديدًا في الصيدليات، متاح فقط لمن يستطيع شراؤه بهذه الأسعار".

ويضيف: "أما من لا يرغب أو لا يستطيع شراء حليب الأطفال بهذه الأسعار، فعليه التوجه إلى مراكز الصحة التابعة للدولة، والتي توفر الحليب للأطفال بأسعار شبه مجانية".

ويقول رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية: "هناك بدائل لحليب الأطفال متوفرة لدى 3 شركات أخرى، ولكن الأطباء يوصون بالأنواع الأشهر، فيما ترفض الأم أو الأب شراء البدائل".

ويوضح عوف أن "الشركات في السوق الحرة عادة ما توفر كميات محددة إلى مراكز التوزيع والصيدليات بالنظر إلى الظروف التشغيلية والاستيراد، والتي في أحيان كثيرة ما تتم إعادة بيعها في السوق السوداء للتربح".

من جانبه، يعتبر مدير جمعية "الحق في الدواء" أن الشركات تقوم بممارسات احتكارية ضد القوانين، ويقول: "ليست كل الأسر قادرة على شراء حليب الأطفال من القطاع الخاص. لك أن تتخيل أن تكاليف أحد أنواع حليب الأطفال في الشهر تصل إلى 4000 جنيه، هل أحد من الطبقة المتوسطة قادرة على دفع هذا المبلغ شهريًا؟".

ويضيف فؤاد: "يعني الناس تستلف من أجل أن تشتري لبن أطفال صناعي. هذه الأزمة تكرر كل فترة وبنفس تفاصيلها. ففي عام 2017 كانت هناك طوابير طويلة تقطع كورنيش النيل في القاهرة أمام إحدى شركات توزيع الأدوية من أجل الحصول على عبوة لبن واحدة".

 

فساد ومحسوبية في توزيع الحليب المدعوم

وتتيح وزارة الصحة والسكان المصرية، ألبان الأطفال المصنعة بسعر 5 جنيهات (0.11 دولارا) للعبوة الواحدة وبحصة تصل إلى 6 عبوات شهريا للطفل الواحد، لكنها تشترط في ذلك توقيع الكشف الطبي على الأم من خلال لجان التقييم المتواجدة بالوحدات الصحية لبيان الموانع الصحية للرضاعة الطبيعية ومدى الحاجة لاستخدام الألبان شبيهة لبن الأم.

وحسب تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية نقلته وسائل إعلام محلية، قبل عامين تقريبًا، فإن مصر توفر سنويًا نحو 20.4 مليون عبوة ألبان أطفال.

وعلى النقيض، تقول تقارير محلية، بالإضافة إلى مدير جميعة "الحق في الدواء"، إن "الكثير من الأمهات لم يتمكن من الحصول على موافقة وزارة الصحة لصرف حصص الأدوية لأطفالهن"، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مسؤولية الحكومة عن توفير حليب الأطفال.

ويعتبر فؤاد في حديثة أن "الحكومة مسؤولية عن الأزمة الحالية في سوق ألبان الأطفال المستوردة، نظرا إلى وجود اشتراطات صعبة والمزيد من البيروقراطية فيما يتعلق بعملية صرف ألبان الأطفال للأمهات".

ويضيف: "هناك نحو مليون و400 ألف مولود سنويًا في مصر، من بينهم 20 بالمئة يستحقون حليب أطفال مدعوم من الدولة، غير إن وزارة الصحة لا تلبي هذا الطلب".

وحسب فؤاد، "فإن الأمهات اللواتي نجحن في الحصول على الموافقات لصرف الحليب المدعوم من الدولة، هُن يعانون أيضًا، حيث يجب أن تبلغ حصة الطفل الواحد 6 عبوات شهريًا، لكن مع الأسف ما يحدث أن الأم تستلم ما بين عبوتين و3، وتتجه إلى شراء باقي الحصة من القطاع الخاص".

ويؤكد مدير جمعية "الحق في الدواء" أن نقص حليب الأطفال يهدد صحة الأطفال، خاصة الأسر ذات الدخل المنخفض، والتي لا تستطيع شراء الحليب بأسعاره المرتفعة في السوق الحرة.

ويطالب فؤاد بضرورة "توفير حليب الأطفال المدعوم، والقضاء على مظاهر الفساد والمحسوبية في توزيعه".