بلغت أزمة قيد الصحافيين الجدد حداً استدعى عقد اجتماع، في مقر نقابة الصحافيين المصريين وسط القاهرة، بحضور النقيب خالد البلشي، وعدد من أعضاء المجلس، وقدامى النقابيين، أمثال النقيب السابق يحيى قلاش، ووحيد عبد المجيد، وآخرين. وتفاقمت الأزمة بعد قبول لجنة القيد في نقابة الصحافيين المصريين عدداً من المتقدمين مطعوناً في أحقيتهم بالالتحاق بها، ما تعدى "مخالفات مهنية" إلى "جريمة وطنية" بوصف صحافيين، إذ قُبل طلب صحافية مقدم فيها للجنة القيد ما يثبت دعمها التطبيع والترويج لأعمال دعائية ضد المقاومة الفلسطينية، ومؤيدة لجرائم الاحتلال، وكذلك نشرها فعاليات تتعلق بالسفارة الإسرائيلية في القاهرة وأخبارها. في هذه الحالة تحديداً تلاسن أعضاء لجنة القيد التي يرأسها عضو المجلس هشام يونس، المحسوب على تيار الاستقلال، والذي دافع عن المتقدمة من صحيفة المصري اليوم، مؤيداً قبولها، فيما اعترض العضوان الآخران المحسوبان على السلطة، وهو موقف أثار دهشة متابعين للشأن النقابي، وفسره بعضهم بأن العضوين تلقيا تعليمات من جهاز أمني له تداخل في الشأن الإعلامي والصحافي، يرفض بحكم عمله وسياساته التطبيع استثماراً لورقة الرفض الشعبي للاحتلال الإسرائيلي، لتحقيق مكاسب دبلوماسية وسياسية خارجية، أما التفسير الآخر المطروح فهو أن العضوين الآخرين اعترضا مكايدة لرئيس اللجنة المعترض على متقدمين لعضوية وافقا عليها، وكان مبعث الخلاف أن المتقدمين مطعون في صحة أوراقهم وإجراءات تعيينهم هم أيضاً. رئيس اللجنة اضطر أمام اعتراض عضوين يمثلان الأغلبية في اللجنة إلى إحالة الأمر للمجلس. وقالت مصادر نقابية، لـ"العربي الجديد"، إن يونس أحالها تفادياً لضغوط النقيب خالد البلشي الذي رفع صوته في اجتماع المجلس لتمرير اسم المتقدمة المطبعة قائلاً: "جارتي وصديقة زوجتي وتعرفها، وزوجها صحافي زميل أعرفهما جيداً، وهما ممارسان للمهنة، وتستحق عضوية النقابة أكثر من معظم المتقدمين"، في عبارة كررها من قبل، سعياً لإلحاق عضوة نقابة المهندسين والكاتبة في صحيفة المصري اليوم، فاطمة ناعوت، بزعم أنها "تكتب أفضل من معظم الصحافيين". ثمة غضب مكتوم داخل "المصري اليوم"، لكنه لم يُترجم إلى ردة فعل بالطعن أو إصدار بيان أو الاعتراض، لأن "مذبحة جرت قبل سنوات بحق صحافيي المصري اليوم أطيح خلالها بعدد منهم، وسط تواطؤ وصمت من أعضاء المجلس وقتها والنقابيين المحسوبين على تيار الاستقلال، ما جعل صحافييها يتحسّبون من مصير رأس الذئب الطائر"، وفق تصريح أحد المصادر لـ"العربي الجديد". وقال صحافي آخر، تحفّظ على ذكر اسمه، بأن "الصحيفة كانت لفترة منصةً لتمرير أسماء مطبعين، بل ورأسها لفترة دعاة تطبيع، لا سيما أن مؤسسها نفسه رجل الأعمال صلاح دياب، متهم بالتطبيع مع إسرائيل في مجال الاستثمارات الزراعية، وهو واحد من أبرز مجالات التطبيع على مدى عقود". وعلى الرغم من طعون ومذكرات رفض وبيانات شجب وإدانة ملأت مجموعات الصحافيين على "واتساب" و"فيسبوك"، فإن البلشي قال في اتصال هاتفي مع صحافيين معترضين إن "الأمر قد قضي"، ما يعني قبول المتقدمة "المطبعة"، وذلك "كرامة لزوجها رئيس التحرير التنفيذي سابقاً في الصحيفة نفسها، و"صديق البلشي"، حسب وصف المتحدث من صحافيي "المصري اليوم" الذي اتهم النقيب بالسير على خُطا سلفه ضياء رشوان في هذا الصدد. الإجراءات الجديدة التي نوقشت في اجتماع نقابة الصحافيين المصريين لم تأت بجديد عما أعلنه خالد البلشي من تشكيل لجنة استشارية من شيوخ المهنة تناقش لجنة القيد في قراراتها، وهو الاقتراح الذي شهد اعتراضاً من قبل نقابيين سابقين بدعوى مخالفته لائحة القيد القديمة. وتنص لائحة القيد في النقابة على أن الصحافي هو من جرى تعيينه في صحيفة مصرية منتظمة الصدور، وكان مستوفياً الشروط من حيث الجنسية المصرية، وممارسة المهنة بشكل حصري واحترافي، وانعدام وجود سوابق جنائية مخلة بالشرف. وكما مثّل شرط التعيين عقبة في طريق التحاق مئات من الصحافيين المحترفين بالنقابة، مثّل كذلك باباً خلفياً لالتحاق غير الممارسين، ومن يوصفون بالدخلاء على المهنة، والباحثين عن دخل من دون عمل، إذ تمثل البدلات التي يحصل عليها الصحافيون بمجرد التحاقهم بالنقابة، التي تقدر بنحو خمسة آلاف جنيه (مائة دولار) إغواء لآلاف من المتعطلين عن العمل، أو أصحاب الحرف والمهن الأخرى، للالتحاق بالنقابة، بعد دفع مبلغ ضخم لإحدى الصحف على سبيل الرشوة، والحصول على مسوغات التعيين، ومن ثمة الالتحاق بالنقابة. ومع ما مثّله ذلك من حل لأزمة عاطلين وباحثين عن دخل سهل، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، مثّل أيضاً حلاً للعديد من الصحف التي تعاني في ظل تراجع المدخولات المادية لها، مع انخفاض معدلات التوزيع، وقلة الإعلانات.
"كانت هذه الظاهرة مقتصرة فقط على صحف تسمى صحف بير السلم، لكنها طاولت اليوم صحفاً تدعي النضال والشرف السياسي"، كما قال عزام أبو ليلة، وهو عضو الجمعية العمومية في النقابة. وكتب منشوراً مطولاً مدعماً بالأدلة عن إلحاق صحيفة الكرامة، الصادرة عن حزب الكرامة الناصري، عدداً من غير العاملين بالمهنة بمقابل مادي، أو لمجرد انتسابهم للحزب، وهم يعملون باعة جائلين، أو أبناء قيادات ناصرية ومقربة من المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. بدوره دعا نقيب الصحافيين سابقاً يحيى قلاش إلى مراجعة القيد بانتظام، فإذا استمرت الممارسة يستمر القيد، والحصول على بدل التدريب والتكنولوجيا، وإذا استغنى عن العمل يجب ألا يسمح به. بينما رأي معنيون بالشأن النقابي أن وقف قيد غير الممارسين للمهنة أمر يجافي القانون، ويخاصم أحكام القضاء، فضلاً عن الواقع المؤسف المتمثل في فصل مئات الصحافيين عن العمل، معتبرين أن لجنة قيد الصحافيين جهة منح الرخصة لمزاولة المهنة، وليست جهة لتقييم المستوى المهني للمتقدمين إليها. وناقش الاجتماع النص على تشكيل لجنة من شيوخ المهنة في اللائحة الداخلية للقيد، باعتباره أمراً لا يشوبه البطلان، بدليل أن لجنة القيد في انعقادها الأخير استعانت بأساتذة في مجال التصوير والإخراج وغيرها من فنون العمل الصحافي، لمراجعة أرشيف المتقدمين إليها. في المقابل، طالب صحافيون بأن يكون الأرشيف الصحافي هو أحد أدلة الإثبات والوثيقة الوحيدة الدالة على ممارسة المهنة، باعتبارها أحد شروط القيد، ولا يجوز القول بعدم أهميتها. وأكد البلشي أن مجلس نقابة الصحافيين المصريين يعمل على وضع ضوابط لحماية حقوق الممارسين الحقيقيين للمهنة، وغلق الأبواب الخلفية، مضيفاً أن مجلس النقابة بدأ إجراءات لتطوير القيد. جاء ذلك خلال اجتماع نقابة الصحافيين، لمناقشة ملف القيد بالنقابة، وتطوير لائحته، ووضع قواعد ومعايير اختيار اللجنة المعاونة للجنة القيد من بين أعضاء الجمعية العمومية، وأساتذة المهنة وروّادها، ورفع توصيات عاجلة وآجلة، "تعبر عن تطلعات الصحافيين المصريين"، لمجلس النقابة بهذا الشأن، تتضمن جميع المقترحات، لمناقشتها على هامش أعمال المؤتمر السادس للصحافة المصرية. وأضاف خالد البلشي أن أزمة السوق الصحافي غير المنظم الآن تحتاج إلى كثير من الجهد لضبط العمل داخله، مشيراً الى أنه كان هناك خطوات واسعة لمراجعة أرشيف المتقدمين للقيد. وتابع: "لدينا قطاع واسع وزملاء مهنيون عاملون في الصحافة الإلكترونية ومحرومون من الحماية النقابية".