نشر موقع "سايكولوجي توداي" تقريرًا يناقش وجود علاقة سببية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمشاكل الصحية النفسية، موضحًا أن الأدلة التجريبية تشير إلى وجود هذه العلاقة، رغم أن بعض الباحثين يرون أن حجم التأثير قد يكون ضئيلًا. وقال الموقع، في تقرير لها، إن هناك مخاوف طويلة الأمد بشأن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وما قد يسببه من مشاكل في الصحة العقلية، وأفضل دليل على هذا الرأي يأتي من الدراسات الطولية التي تظهر أن الاستخدام المبكر لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى مشاكل في الصحة العقلية في وقت لاحق، ومن الدراسات التجريبية التي يؤدي فيها التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحسين الرفاهية. ومع ذلك؛ فقد انتقدت عدة مقالات قوة هذه الأدلة، ونظرًا للأهمية الملحة لفهم مدى ضرر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه الانتقادات تستحق الدراسة. ويستخدم عدد كبير من الأشخاص وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا، وإذا كان لهذا الاستخدام القدرة على التأثير سلبًا على الصحة العقلية، فإن هذا يمثل مصدر قلق كبير للغاية، وإذا لم يكن كذلك، فمن الأفضل تركيز الجهود في دراسة أمور أخرى، لذا فإن فحص الادعاءات السببية حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمر ضروري، ومع ذلك فإن هذا الفحص لا يجب أن يقتصر على محاولة فهم مكونات العلم الصحيح، مثل تصميم الدراسة والأدوات الإحصائية، ولكن أيضًا ما يوضحه هذا البحث للأغراض السريرية، إذ ربما تكون انتقادات الأدلة ذات جدارة علمية، لكنها لا تزال بعيدة عن الهدف من الناحية السريرية. وأشار الموقع إلى أن هناك مجموعتين من الدراسات لهما أهمية سببية، فبعض الدراسات توثق العلاقة الزمنية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية، وقد أظهروا أن الاستخدام العالي لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بتدهور الصحة العقلية، وتقوم دراسات أخرى بالتلاعب بشكل تجريبي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث تظهر أن المجموعات التي تقلل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تظهر في وقت لاحق صحة نفسية أفضل من تلك المجموعات التي لا تقلل من استخدامها، ولا يمكن تجاهل هذه البيانات بسهولة، ولكن يمكن تحليل قوتها. وتشير ثلاثة أبحاث حديثة على الأقل إلى أن هذا الدليل السببي أضعف مما قد يتخيله الناس؛ ويحتجون بأن العلاقة المرصودة صغيرة جدًا؛ وأن مقاييس استخدام وسائل التواصل الاجتماعي غير عملية؛ وأن هناك عوامل أخرى قد تفسر هذه العلاقات بشكل أفضل، لكن تقييم هذه الادعاءات المضادة يوضح أن قوة حججها ليست بوضوح الدراسات الرئيسية، ورغم أن هذه الانتقادات تحمل بعض المزايا العلمية، لكنها تنطوي أيضًا على بعض العيوب، وكلها تطرح افتراضات خاطئة حول ما يستطيع البحث العلمي أن يفعله من حيث إلقاء الضوء على الظواهر السريرية. وأفاد الموقع أن الانتقاد الأول هو أن أحجام التأثير في الدراسات الطولية صغيرة جدًا، مما يعني أن العلاقة ليست مهمة، ولكن بينما وجدت بعض الدراسات علاقات صغيرة، وجدت دراسات أخرى تأثيرات أكبر حجمًا، ولهذا فإن تحديد الدراسات المقبولة هو مسألة تقديرية؛ ولا يساعد فيه بشكل أساسي استخدام تقنيات التحليل المتعددة، والتي لا تقدم إجابات على الأسئلة المطروحة، كما أن حجم الارتباط بين الحدث السببي والنتيجة السريرية لا علاقة له في كثير من الأحيان بأهمية هذا الارتباط، فمثلًا؛ الأحداث المؤلمة لا تدوم في كثير من الأحيان لفترة طويلة، وبناءً على ذلك، فإن العلاقة بين وقت الصدمة وعواقبها ليست قوية، وهو ما تم إثباته تجريبيًا، وعلى الرغم من ذلك، فلا أحد يدعي جديًا أن الأحداث المؤلمة ليست سببًا لصعوبات الصحة العقلية، وهذا يمكن تطبيقه بالمثل على وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية. ويرى الموقع أن أي حدث قصير ذو معنى ينتج عنه سلسلة من الارتباطات التي يساهم كل منها في خلق صلة بين هذا الحدث ومشاكل الصحة العقلية اللاحقة، فقد يكون للصدمة آثارها المباشرة على بنية الدماغ ووظيفته، ولكنها أيضًا تجعل الناس يتصرفون بشكل مختلف، مما قد يولد مشاكل فريدة ويضخم المشكلات الأولية، وقد ينطبق الأمر نفسه على الاستخدام الضئيل لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يعتمد هذا على تأثيره على الفرد، والذي لم تتناوله الدراسات واسعة النطاق.
وأضاف الموقع أن هذا يؤدي إلى ضرورة إعادة النظر في المقاييس المستندة إلى وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فربما يكون الوقت وحده مقياسًا ضعيفًا لقياس التأثيرات، ومع ذلك، فإن هذا يقوض الاستنتاجات السلبية التي توصلت إليها نفس الأبحاث التي تشير إلى أن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي ومشاكل الصحة العقلية تافهة ولا معنى لها، وفي أحسن الأحوال، ينعكس هذا الاعتبار بشكل سلبي على المقياس، وليس البناء، ورغم أن وقت استخدام الشاشة قد يكون مقياسًا سيئًا، إلا أنه لا يزال من غير الممكن أن نقول مثلًا إنه من غير الضروري دراسة أسباب السمنة من خلال التحقيق في "وقت تناول الطعام، فهذا القياس مضلل من الناحية السريرية، إذا قضى شخص ما كل وقته في الأكل، فإنه سيصاب بالسمنة؛ وعلى العكس من ذلك، إذا لم يقضِ أي وقت في الأكل، فسوف يمرض ويموت". إذًا، هناك علاقة سريرية بين الوقت والنتيجة، ولكن لا يمكن رصدها بسهولة من خلال الإحصاءات واسعة النطاق التي تحتوي عيناتها على العديد من الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل في الصحة العقلية. ووفق الموقع؛ يشير الانتقاد الثالث إلى أنه عندما يتم التحكم في المتغيرات ذات الصلة، فإن العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الصحة العقلية تختفي، وأشارت إحدى الدراسات إلى أن الارتباط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في سن التاسعة والصحة العقلية في سن 13 عامًا اختفى عندما تمت السيطرة على المشاكل العاطفية، وتأخر اللغة، والصراع الأسري، والسعادة، وخلصت إلى أن هذه النتائج لا تدعم الاعتقاد بأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بنتائج سلبية على الشباب، لكن هذا يشبه القول إنه بمجرد استبعاد جميع متغيرات الصحة العقلية التي يمكن أن يؤثر عليها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تصبح غير مؤثرة على الصحة العقلية، تخيل أنك تقول: الأحداث المؤلمة ليس لها أي تأثير على الأداء، بمجرد التحكم في ذكريات الماضي، والكوابيس، والتغيرات الفسيولوجية. علاوة على ذلك، قد تكون هذه السلوكيات جزءًا من سلسلة من المؤثرات التي تشكل العلاقة السببية بين وقت الشاشة ومشاكل الصحة العقلية، وبطبيعة الحال، سيؤدي حذفها من الاعتبار إلى إزالة الارتباط الإحصائي، ولكنه سيكون مضللاً من الناحية السريرية. وهكذا، فإن المنطق العلمي للدراسات النقدية ربما يكون صحيحًا بعض الشيء، لكن إمكانية تطبيقه على الظواهر السريرية أمر مشكوك فيه، فالعلم له استخداماته، لكن المهم هو معرفة مدى عمومية الادعاءات؛ حيث يمكن للدراسات واسعة النطاق أن توجه المعرفة السريرية وتنتج قواعد عملية مفيدة، لكنها لا تعمل على مستوى دقيق لجميع الأفراد.