قال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست؛ إن تصرفات الرئيس الأمريكي وتماهيه مع الاحتلال الإسرائيلي، والتناقضات بين ما يعلنه من خارطة طريق، وما قدمه الإسرائيليون من مقترح لصفقة، يدفع حركة حماس لرفض كل ذلك بشكل أكيد.

وأوضح في مقال له بموقع «ميدل إيست آي»، أن توقيع قادة حماس على وثيقة كهذه، سوف يعني أنهم سيرفعون أياديهم في الهواء، ويخرجون من أنفاقهم، ويلوحون براية بيضاء كبيرة. وكلنا نعلم ماذا يحدث للناس الذين يرفعون الرايات البيضاء ويلوحون بها.

وشدد على أنه ليس لدى حماس الاستعداد للقبول بذلك، فسواء كانت على صواب أم على خطأ، تشعر الحركة بأنها تكسب معركة الإرادات في قطاع غزة، وترى أن جيش الاحتلال على وشك الهزيمة.

وقال، إنه لو كان هناك من يتحمل المسؤولية عن المذابح اليومية التي يرتكبها يوميا جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاضب والمهان، الذي باتت جل كوادره من المستوطنين المتدينين، فإنه رئيس الولايات المتحدة جو بايدن.

يقترب عدد من قضوا نحبهم أربعين ألفا، ناهيك عن آلاف الجثث التي ماتزال تحت الركام. كما أن أكثر من نصف المباني في غزة تم تدميرها بالكامل أو أصابتها أضرار مختلفة، بما في ذلك الكثير من المستشفيات والجامعات والمدارس والملاجئ وشبكات المجاري والأراضي الزراعية. لقد أسقط الاحتلال حتى الآن من القنابل على غزة خلال ثمانية شهور أكثر مما تم إسقاطه في أثناء السنوات الست من الحرب العالمية الثانية على كل من لندن ودريزدن وهامبورغ.

لقد تم قتل الصف الأول والصف الثاني وقدر كبير من الصف الثالث من الإداريين المدنيين في غزة، بحسب ما قالته لي في الدوحة مصادر فلسطينية مقربة من حماس. قد يستغرق تعافي غزة من هذا الهجوم عدة عقود.

قالت فيوز نيت، شبكة منظومة التحذير المبكر من المجاعة، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها؛ إنه “من الممكن، إن لم يمكن محتملا، أن المجاعة بدأت في شمال غزة في شهر إبريل. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من مليون شخص، يتوقع أن يواجهوا الموت والمجاعة، بحلول منتصف يوليو (تموز)”.

وأضاف، أنه لم يكن عجبا أن يفكر ائتلاف من الديمقراطيين –الناخبين العرب والمسلمين والطلاب– في الولايات المتأرجحة، باختيار قضاء السنين الأربع القادمة تحت إدارة ترامب من أجل تحقيق الغاية النهائية، المتمثلة بضمان أن يكون بايدن آخر رئيس صهيوني في حزبهم.

كانت حماس قبل ذلك ببضعة أسابيع، قد وقعت على وثيقة اتفاق لوقف لإطلاق النار على مرأى ومسمع من مدير المخابرات الأمريكية بيل بيرنز وبموافقة كاملة منه، واشتملت على البنود نفسها بالضبط، إلا أن حكومة الاحتلال انسحبت من الاتفاق، وتبع ذلك إعلان الولايات المتحدة أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه، ما هو إلا عرض مقابل تقدمت به حماس.

إذن، لو أن بايدن كان في الأسبوع الماضي بالفعل يرمي بثقله خلف عرض مطابق تماما، فلا ريب أن ذلك يعد تقدما.

وإليكم ما قاله بايدن في الأسبوع الماضي: “أعلم أن هناك في إسرائيل من سوف لن يتفقوا مع هذه الخطة، وسوف يدعون إلى استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى. بل إن بعض هؤلاء موجودون داخل الائتلاف الحكومي. ولقد بينوا بكل وضوح أنهم يريدون احتلال غزة، ويريدون الاستمرار في القتال لسنين، والرهائن ليسوا من أولوياتهم. حسنا، لقد حثثت القيادة في إسرائيل على مساندة هذه الصفقة، وعدم التأثر بالضغوط أيا كان مصدرها. وإلى الناس في إسرائيل، دعوني أقول الآتي: أطلب منكم أن تأخذوا خطوة إلى الخلف، وأن تفكروا بما سوف يحدث لو خسرنا هذه اللحظة. لا يمكننا أن نخسر هذه اللحظة. إن الحرب المستمرة إلى إشعار آخر؛ بحثا عن فكرة “النصر التام” الذي لم تحدد معالمه، لن يفضي سوى إلى غرق إسرائيل في مستنقع غزة، واستنفاد الموارد الاقتصادية والعسكرية والبشرية، وزيادة عزلة إسرائيل في العالم”.

كان يمكن لهذه الكلمات أن تقال بنفس القوة والحزم قبل ثمانية شهور، ولكن في نهاية المطاف ها قد تم التصريح بها.

تسبب خطاب بايدن في حالة من الارتباك داخل وزارة الحرب، واستمرت هذه الحالة لما يقرب من ثماني وأربعين ساعة. وذلك أن بايدن، فيما يبدو، أصدر تصريحين متناقضين.

ثم ظهرت الحقيقة: لم تتوافق صفقة وقف إطلاق النار المكونة من ثلاث مراحل مع الوثيقة، التي وقعت عليها حكومة الاحتلال في العديد من النقاط.

وأهم ما في الأمر، هو أن الصفقة، حسبما وردت منشورة، لا تتحدث عن “وقف إطلاق نار كامل وتام”.

لقد قال بايدن في خطابه؛ إنه بعد انتهاء المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، سوف يستمر وقف إطلاق النار، بينما تستمر المفاوضات على المرحلة الثانية.
Mohamed, [09/06/2024 04:16 ص]
لكن تنص الوثيقة على شيء مختلف تماما، يستحق القسم الأكثر أهمية فيها، وهو الفقرة 14، أن يورد نصه ها هنا: “جميع الإجراءات في هذه المرحلة (الأولى)، بما في ذلك الوقف المؤقت للعمليات العسكرية من الطرفين، وجهود الإغاثة والإيواء، وانسحاب القوات، إلخ، سوف تستمر في المرحلة الثانية، طالما استمرت المفاوضات على شروط تنفيذ المرحلة الثانية من هذه الاتفاقية. وسوف يبذل الضامنون لهذه الاتفاقية كل الجهود، من أجل ضمان أن تلك المفاوضات غير المباشرة سوف تستمر، إلى أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق على شروط تنفيذ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق”.

“بذل كل الجهود؟” لا يعني أي من ذلك إلزام الاحتلال بالاستمرار في المرحلة الثانية فيما لو فشلت المفاوضات. وإذا ما فشلت، فإنه سوف يعود إلى الحرب من جديد.

رفع الراية البيضاء

والفرق الرئيسي الآخر، هو أن الخط الزمني لتمكين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم في شمال غزة قد تم تأخيره. وهذا يعني، من الناحية النظرية، أنه إذا لم يكن هناك اتفاق على المرحلة الثانية، فإن الحرب قد تستأنف دون منح السكان الوقت الكافي للعودة.

كما أن النص يخالف ما كان مطروحا في جميع الصفقات السابقة، من أن حماس، التي تصنف منظمة “إرهابية”، حسب قوله، في بريطانيا وفي غيرها من البلدان، فقدت جل حقها في تقرير من هم الأسرى الذين سوف يحررهم الاحتلال مقابل عودة أسراه. فالاحتلال الآن يطالب بحق الاعتراض على إطلاق مجموعة تتكون من مائة من السجناء، الذين يشكلون القيادة في مجموعات المقاومة الفلسطينية الرئيسية.

والمستهدف من ذلك، أشخاص مثل الزعيم الفتحاوي الشهير مروان البرغوثي، الذي يقضي عدة أحكام بالسجن مدى الحياة، الذي قد يترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية.

تارة أخرى، يبدو بايدن كما لو كان يسعى لفرض إرادته على نتنياهو، من خلال التصريح بعرض كان نتنياهو يسعى إلى إبقائه طي الكتمان، بينما الذي يحدث في أرض الواقع أمر مختلف تماما.

لن تضمن الصفقة لا وقف الحرب، ولا انسحاب قوات الاحتلال، ولا عودة مليون فلسطيني مشردين إلى بيوتهم. ولسوف يكون خوض ثمانية شهور من الحرب بلا ثمن.