الأسئلة مفتاح من مفاتيح المعرفة، يطرحها الكبار والصغار على من هم أعلى وأكثر خبرة في شؤون الحياة. وتكثر أسئلة الأطفال الدينية في مراحل عمرهم الأولى، فيُوجهون هذه الأسئلة إلى أقرب الناس إليهم، مثل الوالدين والإخوة والأقارب والمعلمين والمشرفين، وتُشكّل الأسئلة الدينية النسبة الكبيرة من أسئلة الأطفال عمومًا، ويكون بعضها مُحرجًا.

إلا أن الإجابات تأتي من أفراد الأسرة وغيرهم وهي متفاوتة، وقسم منها لا يكون مناسبًا للطفل، ومن الآباء مَن يتهرّب من الإجابة أو لا يُحسن الإجابة، ما يؤثر على الطفل، لذا سنشير في هذا الموضوع إلى بعض هذه الأسئلة والإجابة الناّجعة عنها، لنُساعد أطفالنا على التّعرف إلى دينهم، ونقدم لهم ما يشفي غليلهم من حب للمعرفة والاطلاع.

كيف نجيب عن أسئلة الأطفال الدينية؟
يُولد الأطفال على الفطرة، فما إن تنطلق ألسنتهم بالكلام، حتى يبدأوا بالأسئلة والاستفسار عن حياتهم وعن خالقهم وعما يسمعونه من أهليهم ورفاقهم ومن وسائل الإعلام عن الملائكة والجان، وعن العبادة كالصلاة والصيام وعن رسول الله والأنبياء عليهم السلام، وعن المعاملات.. إلخ، كل ذلك ليشبعوا حب الاستطلاع والمعرفة التي فُطروا عليها، فالله- سبحانه وتعالى- جعل هذا الدافع للسؤال في داخل الطفل ليزداد معرفة، فمن واجب الوالدين أن يُجيبا عن أسئلته إجابات واضحة ومقنعة تُريحه.

إنّ الرّد على تساؤلات الأطفال، يجب أن يتصف بالصحة والدقة والوضوح والإقناع، فلا نُقدم للطفل إجابة خاطئة أو غامضة أو غير مقنعة، وهذا لا يعني أن نُطيل في الإجابة حتى تتحقق الصفات السابقة، بل نقدمها بشكل مناسب بين الإيجاز والإطالة، وتلائم عمر الطفل، فالإجابة عن أسئلة ابن السادسة يجب أن تكون أقصر من الإجابة عن أسئلة ابن العاشرة وهكذا.

هذا في الأسئلة التي يحتاج الجواب فيها إلى إفاضة وتوسع وتقديم أدلة وبراهين كما في الأسئلة عن الغيبيات، والأسئلة الحرجة، أمّا بعض الأسئلة فتكون الإجابة عنها محدودة كسؤال: كم هي عدد ركعات الفرض في صلاة الظهر؟ فالإجابة واحدة: أربع ركعات.

ويُستحسن أن نفتح آفاقًا واسعة للطفل كي يسأل، ونشجعه على ذلك، ونمنحه مزيدًا من الثقة والمحبة، ونجيبه عن جميع أسئلته حتى الحرجة منها فورًا، وإذا كان الأمر يتطلب مراجعة الكتب أو سؤال أهل العلم، فعلينا أن نمهله إلى وقت آخر للإجابة عن سؤاله، ونحرص على إجابته ولو بعد حين، لكيلا يبقى في حيرة وشكّ، فالمُماطلة في الإجابة تثير لدى الطفل أسئلة أخرى، وربما يبحث عن الإجابة من مصادر ثانية، قد لا تقدم له الإجابة الصحيحة الشافية، بل تقدم له الإجابة المشوشة الخاطئة، فيزداد حيرة وشكًا.

وكي نوسع وسائل المعرفة والتعامل والاتصال عند الأطفال، نطلب منهم أن يُراسلوا وسائل الإعلام، مثل برامج الأطفال في التلفزيون وصحافة الأطفال التي تخصص في برامجها مكانًا للإجابة عن أسئلة الصغار.

هذا في الأسرة، أما في المدرسة فالمعلم الواعي هو الذي يترك للأطفال فرصًا ليسألوا عمّا يخطر ببالهم عن الأمور الدينية، فيجيبهم بشكل مناسب ومقنع، ويبدي لهم سروره بأسئلتهم ويشجعهم على ذلك.

وعندما يتلقى الأطفال أجوبة شافية كافية عن تساؤلاتهم الدينية، ولا يجدون لدى معلمهم غضاضة في الإجابة عنها، يزدادون في طرح الأسئلة ويسألونه أسئلة حرجة قد يترددون في طرحها على أهليهم وذويهم.

نماذج من الأجوبة عن أسئلة الأطفال الدينية
وهناك أمثلة كثيرة لإجابات عن أسئلة الأطفال الدينية التي تتكرر في المراحل العمرية المختلفة، منها:

في درس من دروس التربية الإسلامية، قال أحد التلاميذ: لماذا لا نرى الله كي نتكلم معه؟، فقال المربي: اخرج وَقِف عند باب الغرفة، وانظر إلى الشمس وهي في رابعة النهار، وحدق النظر فيها دون أن تغمض عينيك، ففعل التلميذ، وبعد قليل ارتد بصره، ووضع يده على عينيه وقال: لم أعد أحتمل النظر إلى الشمس فنورها شديد.
فقال المربي: إذا كنا لا نستطيع أن ننظر إلى أشعة الشمس، فكيف نستطيع أن نرى نور الله إذا تجلى لنا، فاقتنع التلميذ ورفاقه، وعزز المربي إجابته بالحديث عن سيدنا موسي- عليه السلام-، عندما طلب من ربه أن يراه فلما تجلى الله للجبل خرّ موسى صعقا (مغشيا عليه) وهو القوي الأمين.
سأل أحد التلاميذ وهو في العاشرة من عمره، فقال: لماذا يأمر الله الملائكة بالقيام بأعمال كثيرة؟ لماذا لا يفعلها هو بنفسه؟، فرد المربي: انظر إلى الثلاجة- وكانت على بعد أمتار- إذا عطشت أنا، فإما أن أطلب منك أن تحضر لي منها كوبا من الماء البارد (وأنت تفعل ذلك بكل سرور) وإما أن أقوم بنفسي فأشرب، هل إحضارك الماء لي يدل على عجز مني؟، قال التلميذ: لا، فقال المربي: (ولله المثل الأعلى) كذلك الله تعالى عندما يطلب من جنوده القيام ببعض الأعمال، لا يعني ذلك أنه لا يقدر على القيام بها، بل هم بعونه وقدرته يتحركون ويعملون.
سأل تلميذ في الثامنة من عمره: لماذا لا نرى الشياطين؟، فقال المربي: تصور أنك عندما تريد أن تنام على السرير تبدأ الشياطين تقفز حولك في غرفة نومك وأنت تراها أو تدخل عليك من الباب أو من أسفلك أو من أعلاك وهي حرة الحركة طليقة ومنظرها مخيف، فصرخ التلميذ ومن معه “يا ويلي!” لا لا.. لا يمكن أن أنام، هذا شيء يخيف ويرعب، فقال المربي: فهل عرفت لماذا لم يظهر الله لنا الشياطين!
نصائح مهمة
وهناك بعض النصائح التي يجب أن يراعيها الوالدان والمربون عند الإجابة عن أسئلة الأطفال المتعلقة بالدين، وهي:

الحرص على الإقناع باستخدام الحوار والمناقشة والاستفسار وعدم الرد على سؤاله بآخر حتى لا تصيبه بالإحباط.
لا بد من ربط الإجابات عن الأسئلة قدر الإمكان بأشياء واقعية يدركها الطفل.
تقديم المعلومة من كلا الوالدين، وإيجاد صيغة بشأن ذلك.
التنويع في أساليب الإجابة ما بين شفوية مباشرة، أو بحكاية قصيرة، أو التقريب بالرسم والصورة، أو المشاهدة البصرية.
التفريق بين نوعين من أسئلة الطفل، فهناك أسئلة مُلحة تتكرر على لسانه، فهذه لا ينبغي تجاهلها، وهناك أسئلة عابرة عرضية قد يتناساها الطفل في الحال، فلا بأس من تجاوزها.
تبسيط الإجابة حسب مستوى فهم الطفل وعمره، مع التأكد من استيعاب الطفل للإجابة.
ولا نعتب على الطفل ولا نسخر منه مهما كان سؤاله غريبًا، بل نشعره بأننا مستعدون للإجابة عن جميع أسئلته.
لا نقلق ولا نتهرب من استفسارات الطفل عن الخالق والأمور الغيبية التي لا يبصرها ولا يتصور وجودها.
لا نتردد في تأجيل الإجابة إذا لم يكن لدينا علم كاف بالسؤال.
في حال انشغال الوالدين أو المربين لا بد من إفهام الطفل برفق بأن هذا الوقت لا يناسب للإجابة عن أسئلته، ولا بد من الحرص على مبادرته بالإجابة فور التفرغ.
اجتناب ما لا ضرورة له من الشرح والإطالة والتفصيل قدر الإمكان.
من الضروري الاهتمام بالإجابة عن أسئلة الطفل التي تتعلق بالله والكون، سيما أن التربية الإيمانية هي الخلفية التي تقبع وراء كل جانب تربوي ليكون حقيقيًا وفاعلًا، والطفل- بذكائه الفطري- حينما تتوالى عليه المعلومات الدينية تطرأ في ذهنه تساؤلات كثيرة، فيكون من المهم جدًا أن يسمعها الوالدان بجد، ويجتهدا في الإجابة عنها.