قالت دراسة بعنوان "تنفّس حرية ثم عاد للعبودية.. تحولات الإعلام المصري بين الثورة و الانقلاب" إن "انقلاب 3 يوليو 2013، نجح بجدارة، في الإجهاز على كل إنجازات ثورة يناير، خاصة في مجال حرية الإعلام، وعملت جماعات المصالح والدولة العميقة، ورجالات العسكر على توجيه دفة الإعلام ضد مصلحة الوطن، والنيل من التجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة يناير".

وأضافت الدراسة التي نشرها مركز (إنسان للدراسات الإعلامية) أن كل وسائل الإعلام (المحلية) "فقدت كل معاني المهنية تحت سيطرة الجهات السيادية، وتحولت إلى أداة لمحاربة كل الأصوات الحرة والمطالبة بالتغيير".

وركزت الدراسة عبر 4 محاور على عقد مقارنة بين حرية الإعلام  في عهد الثورة والحكم المدني، وفي عهد "السيسي" ونظامه الانقلابي، لنكشف في النهاية كيف انحدر الأداء الإعلامي إلى مستوى تصنيف مصر في المرتبة 166 من 180 دولة في  حرية الصحافة لتخلص إلى أنه "شتان بين عهد ثورة عظمت قيمة الحرية والتعبير عن الرأي، وبين نظام انقلابي رفع شعار "لا أٌريكم إلا ما أرى".


أما المحاور الأربعة فكانت؛ "ثورة يناير" وإطلاق الحريات الإعلامية"، ثم "إعلام الانقلاب أداة كراهية وانقسام مجتمعي"، ثم "التشريعات المتعلقة بالحريات بين الثورة والانقلاب"، وأخيرا استعرضت "نماذج من المعالجات الصحفية الثورية والانقلابية".


وفي عناوين هامشية استعرضت ضمن المحاور الحريات التي فتحت المجال لمئات الصحف ثم تبعها حالة الاستقطاب والتجاذب السياسي بعد الثورة مرورا بأزهى عصور  الإعلام المصري بعد الثورة، حيث وتعززت هذه الحريات بشكل غير مسبوق في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي. ووصولا إلى السيسي الذي اعتبر الإعلام أداة خادمة للسلطة ولهذا جهز والعصابة بيئة تشريعية قيدت كل الحريات الإعلامية فكانت النماذج تفعل شيئا واحدا هو: تمجيد السيسي رغم انهيار الدولة!!

فترى الثورة

واستعرضت الدراسة كيف أنه بالتزامن مع الثورة بزغت قنوات تلفزيونية تحررت من كل القيود، ولكن تدخل المال السياسي في تأسيسها، مستغلا اجواء الحرية التي نعمت به مصر بعد الثورة، ونجح رجالات الدولة العميقة في تأسيس كيانات إعلامية، لعبت دورا إجراميا في النيل من الثورة ورموزها بعد ذلك.


وأسهبت الدراسة في ذكر النماذج ومن ذلك قناة "دريم" التي بدأت في الخفوت التدريجي، مع ترك المذيعين الرئيسيين للقناة وانتقالهم لقنوات أخرى، ومع الضغط الذي مارسه نظام السيسي على رجل الأعمال أحمد بهجت قبل وفاته للاستحواذ على القناة، حتى أصبحت الآن قناة ضعيفة دون مشاهدات.


وأنه مع خفوت قناة "دريم" وتراجعها تدريجيًا بعد الثورة، أخذت قناة "أون تي في" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في الصعود، لا سيما مع انضمام شخصيات محسوبة على الثورة مثل المذيعين يسري فودة، وريم ماجد وغيرهما، ما أعطى زخمًا للقناة في مواكبة أحداث الثورة، وتبني موقف القوى الليبرالية في مواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، لكن الأمر لم يستمر كثيرًا، حيث خففت القناة من حدة النقد، وغادرها نجومها من المذيعين بالتدريج. وكان من بين أشهر مذيعي القناة أماني الخياط، وجابر القرموطي، ويوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى، وعضوي ائتلاف شباب الثورة، ناصر عبد الحميد، وخالد تليمة.

وعن قناة ثالثة أعلنت أنها أنشئت للتحدث بلسان الثورة. ومن بين هذه المشروعات قناة "التحرير الفضائية" وهي قناة تلفزيونية أسسها الصحافي إبراهيم عيسى، بمشاركة بعض رجال الأعمال والصحافيين، ولكن سرعان ما باعها عيسى، وانتهت الآن إلى أن تكون قناة "تن" المملوكة لرجل الأعمال والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.


وأضافت أن "سي بي سي" و"النهار"، تأسستا بعد الثورة مباشرة، الأولى على يد رجل الأعمال، محمد الأمين الذي تم حبسه في عهد السيسي  بتهمة الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على قاصرات، محمد الأمين، والذي توفى داخل السجن فيما بعد، والثانية على يد رجل الأعمال علاء الكحكي. مضيفة أن المؤسستين كانتا بمثابة ذراع المجلس العسكري لاختراق الثورة.


وأوضحت أن "سي بي سي" نجحت في إنتاج برامج زادت شعبيتها مثل البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، وبرنامج "أبلة فاهيتا"، وبرنامج أحمد أمين، وهو ما حقق لها شعبية كبيرة، لكنها كشفت عن وجهها الحقيقي قبل وأثناء الانقلاب، وما بعده، وانتهت أخيرًا إلى قبضة المخابرات، بعدما أجبر الأمين على بيع حصته فيها.

ولفتت إلى أن "الفراعين" كانت تعد القناة الرسمية الموحدة داخل جميع وحدات القوات المسلحة المصرية، بعد اندلاع الثورة، بشهادة الكثير من المجندين الذين خدموا بالجيش خلال تلك الفترة. وكان يديرها المذيع السابق بالتلفزيون المصري، توفيق عكاشة، الذي شكل بحد ذاته معولًا لضرب أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية، عام 2012، إذ كان يستغل أسلوبه الشعبي في التقديم للتأثير على الطبقات الشعبية، والهجوم على حكومة الرئيس محمد مرسي.


عهد الرئيس مرسي

وعن الحريات التي فتحت في عهد الرئيس مرسي لمئات الصحف بعدما أسس للحريات الصحفية دستور 2012، والذي كان سببا في تأسيس عشرات الصحف التي كانت تصدر بالإخطار فقط، وتعبر عن كل ألوان الطيف السياسي، وكان لها دور في انعاش الحياة الصحفية ماديا ومهنيا، ولكن كثير منها كانت تصب في معارضة الثورة والانحياز للمجلس العسكري.

 ومن الجرائد الحزبية التى صدرت بعد ثورة يناير، جريدة (النور الجديد) لحزب النور الجديد، جريدة (الحرية والعدالة) لحزب الحرية و العدالة، جريدة (الصقر) لحزب مصر القومى، جريدة (مصرنا) لحزب الاصلاح والتنمية، جريدة (المدار) لحزب مصر الثورة، جريدة (التيار الثالث) لحزب حراس الثورة، جريدة (الربيع العربي) للحزب العربي للعدل والمساواة، جريدة (مصر الحديثة) لحزب مصر الحديثة، جريدة (الشعب الجديد ) لحزب العمل الجديد، جريدة (التحرير المصري) لحزب التحرير المصرى، جريدة (نور الحرية) لحزب الحرية.

أما بالنسبة للصحف الخاصة التى سجلت ما بعد الثورة فهى جريدة (التحرير) للشركة المصرية للنشر العربي والدولي، جريدة (المال الاسبوعى) لشركة المحتوى الجديد للصحافة والنشر، جريدة (الحرية للشعب) للشركة الأهلية للصحافة والطباعة والنشر، جريدة (المشهد) لشركة المشهد للصحافة والطباعة والنشر، جريدة (الفتح) لشركة المجموعة العربية للصحافة والإعلام، جريدة (الخبر العربية) لشركة الخبر العربية للصحافة والنشر، جريدة (المصريون) لشركة المصريون للصحافة والنشر، جريدة (الوطن) لشركة المستقبل للنشر والتوزيع والصحافة، جريدة (المسلمون) لشركة السبيل للصحافة والطباعة والنشر و خمس اصدارات لشركة الرسالة للصحافة والطباعة (مجلة حصاد الفكر- مجلة الرسالة الثقافية – مجلة صوتك – مجلة فارس وزهرة ، مجلة القدس).

وذلك بخلاف  الصحف القومية البالغ عددها 56 صحيفة منها (18) صحيفة لمؤسسة الاهرام، (12 صحيفة) لأخبار اليوم ، (12 صحيفة) لدار التحرير ، ( 9 صحف) لدار الهلال (صحيفتين) لروز اليوسف ، (صحيفة واحدة) لدار المعارف واكتوبر، و (صحيفتين) لوكالة انباء الشرق الاوسط.

 

المضادة توظف الحريات

ونشرت الدراسة العديد من النماذج وإن كانت قطرة في نهر من التغطيات المنحازة والمعالجات الحاطئة ضد الرئيس محمد مرسي على مستوى الصحف وبرامج المحطات الفضائية.


وقالت إن برامج "التوك شو"، تحولت بإيعاز من سلطات الدولة العميقة، إلى منابر تبث يوميا سموم الكراهية للثورة والرئيس المنتخب وفصيله السياسي؛ ومن أمثلة ذلك  هجوم الإعلامي عمرو أديب المستمر على الرئيس، وكان من بين ما قاله في حلقة برنامجه "القاهرة اليوم"، بتاريخ 18 نوفمبر 2012: "البلد كبيرة جدا عليك يا ريس وانت مش قدها" !. 


ومن الأمثلة خروج لميس الحديدي، زوجة عمرو أديب، على الشاشة لتقول للرئيس مرسي: "مش قد الشيلة ما تشليش"، زاعمة أن  منصب الرئيس كبير على الرئيس مرسي وأن المنصب أصبح في غير محله.


الانتكاسة الحقيقية

وقالت الدراسة إن عبدالفتاح السيسي بدأ انقلابه بإغلاق كل وسائل الإعلام الثورية والمعارضة للانقلاب، وقام الجيش المصري القنوات الإسلامية والمحسوبة على التيار الإسلامي في غضون ساعات من عزل مرسي، وفُرضت الرقابة على المؤسسات الإعلامية، وتعرضت مكاتب إعلامية أخرى للمداهمات، واتهمت السلطات المصرية وسائل الإعلام الأجنبية بتقديم تغطية منحازة.


وأبانت أن المشهد الإعلامي أصبح غير مهني عموماً بتلك الفترة وبالغت معظم وسائل الإعلام المصرية في دعم نظام ما بعد مرسي، في ظلّ وجود بضعة استثناءات فردية تحاول الحفاظ على بعض التوازن.


وأشارت إلى أنه في العموم، امتلأت موجات الإذاعة والتلفزيون بالأغاني والبرامج الحوارية التي تمجد الجيش، ولعب الإعلام دوراً مؤثراً في المشهد السياسي المصري، لا يقتصر على التحيّز فقط، وإنما تخطاه إلى ما يقول عنه مراقبون ونشطاء إنه “فبركة وتزييف حقائق”.


وأكدت أن الخطاب التحريضي والعنصري في وسائل الإعلام المصرية زاد، حيث تعالت دعوات فضّ اعتصامات مؤيدي عودة الرئيس مرسي بالقوة، وتضمّن بعضها تحريضاً على العنف وسفك دماء المصريين. وتبنّى الإعلام حملات شيطنة المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة؛ حيث وصفهم تارة بالمغيبين والمخطوفين ذهنياً، وتارة أخرى بـ”الإرهابيين المسلحين”، وتارة ثالثة بالقتلة المجرمين. ونظرت أوساط ثقافية مصرية باستغراب إلى ما تصفه بالضحالة الفكرية لدى بعض النخب التي تتصدر المشهد الثقافي والإعلامي في مصر.


وبالتوازي نبهت إلى تخصيص نحو 28 قناة مصرية رسمية وخاصة تغطيتها لفعاليات المظاهرات تجاوباً مع دعوة السيسي بالنزول إلى الميادين لتفويضه من أجل مواجهة ما أسماه بـ”الإرهاب، مقابل غياب ملحوظ لتغطية المظاهرات المؤيدة لمرسي إلى حدّ كبير عن تغطية القنوات المصرية الرسمية والخاصة، والتي اقتصرت في تغطيتها على عرض لقطات محدودة من ميدان رابعة العدوية ضمن مظاهرات أخرى مؤيدة لدعوة السيسي، وكان التركيز الأكبر في تغطيتها على ميدان التحرير، وذلك بالرغم من استمرار اعتصامي رابعة والنهضة لأكثر من أربعين يوماً بحشود هائلة.

 

تمجيد السيسي رغم انهيار الدولة!!

وقالت الدراسة إنه بعد 3 يوليو 2013، انقلبت الموازين وأصبحت المعالجات الصحفية والإعلامية تنبض بالنفاق للنظام الجديد، واختفت كل ألوان الانتقاد، ووأد السيسي كل معاني الحرية ، فظهرت صحافة وإعلام "الصوت الواحد".


ونشرت أمثلة أخيرة منها تقارير لصحيفة الأخبارتجافي واقع المصريين، تحت عنوان "ملايين المصريين يؤيدون ترشح السيسي لولاية رئاسية ثالثة‎"،  في حين طالبت الصحيفة نفسها في عهد الرئيس مرسي برحيله رغم الانجازات الحقيقية التي قدمها لمصر.


وحاولت "الأهرام" تعظيم إنجازات السيسي في مجال القضاء والعدالة، زورا وبهتانا، رغم الانتهاكات والأحكام الجائرة في عهده فنشرت تقريرا بعنوان "«العدل» في عهد السيسي.. طفرة  غير مسبوقة"!.

واستعرضت أيضا تغطيات أخرى منحازة لموقع "مصراوي"، و"اليوم السابع" و"الدستور" و"صوت الأمة" وصحيفة "الوطن" وصحيفة "المصري اليوم" و"صدى البلد".


وقالت الورقة إن إعلاميي نظام السيسي سخروا برامجهم، على مدار 11 عاما، للثناء على نظام الانقلاب وتعظيم دور السيسي وإنجازاته.


وأشارت إلى تصريحات على سنوات سابقة لتصريحات خاصة بأحمد موسى وعمرو أديب ويوسف الحسيني ومصطفى بكري ونشأت الديهي 


ولفتت الدراسة إلى نموذج قريب، حيث أنه بالرغم من الأزمة الحادة التى عاشتها مصر بانقطاع الكهرباء في صيف 2023، قال "الديهي" إنه "لا يجب تشويه إنجازات السيسي في مجال الكهرباء بأزمة تخفيف الأحمال"، وذلك في حلقة برنامجه بتاريخ  22 يوليه 2023،  في حين شن هو وباقي الإعلاميين حملة شعواء على الرئيس مرسي بسبب انقطاع الكهرباء في سنة حكمه، والذي كان متعمدا"، بحسب زعمهم.