تحوّل مخيم جنين، منذ إقامته عام 1953، إلى رمز للمقاومة والوحدة والتصدي لعنجهية الاحتلال الصهيوني، ليقدم في 2023 نحو 59 شهيدًا حتى اللحظة، مؤكدًا أن أطفاله يرضعون الثورة والبسالة، وسكانه يتنفسون الكرامة والإرادة.

 

مخيم جنين.. 7 عقود من المقاومة

تأسس المخيم عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، وينحدر أغلب سكانه من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، والتي هجر سكانها خلال نكبة عام 1948.

وبلغت مساحة المخيم عند الإنشاء 372 دونماً، اتسعت إلى حوالي 473 دونماً، وبلغ عدد سكانه عام 1967م حوالي 5019 نسمة؛ وفي عام 2007 وصل إلى 10.371 نسمة.

وحسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني”، بلغ عدد سكان المخيم في منتصف عام 2023 نحو 11.674 لاجئًا.

ويعمل العديد من سكان المخيم في القطاع الزراعي في المناطق المحيطة بجنين. ومثله مثل باقي المخيمات في الضفة الغربية.

ارتباط جنين بالمقاومة متجذر وتاريخي، ففي عام 1935 احتضن القائد عز الدين القسَّام، ومجموعاته العسكرية، وتحوّلت جنين مع القسام إلى مصدر الثورة بعد أن قاد مقاومتها للاحتلال البريطاني الذي وضع يده عليها في سبتمبر 1918.

ودافع أهل جنين بشراسة عن أراضيهم عندما قتلت العصابات الصهيونية آلاف الفلسطينيين واحتلت منازلهم في نكبة 1948، وعادت إلى الإدارة الأردنية بعد ذلك بعام واحد.

إدانات عربية وإسلامية واسعة للعدوان الإسرائيلي على جنين . الحياة واشنطن -  الأخبار والتحليلات من الشرق الأوسط والعالم

 

العدوان الصهيوني على جنين 2002

شهد مخيم جنين العديد من العدوان الصهيوني طيلة عقود، وما حدث الاثنين الماضي ذكرنا باجتياح جنين ومخيمها في عملية "السور الواقي" 11 من إبريل 2002، حين ارتكبت قوات الاحتلال أكبر المجازر منذ نكسة واحتلال 1967.

ودارت في جنين معركة شرسة على مدار 10 أيام، اقترفت خلالها القوات الصهيونية مجزرة بشعة استشهد خلالها أكثر من 58 مواطنًا، في حين قتل 23 جنديًا صهيونيًا خلال عمليات التصدي للعدوان، منهم 14 جنديًا قضوا في يوم واحد، وانتهت المعركة بتدمير الاحتلال 150 بناية في المخيم بالكامل، ومسحه هندسيًا بالجرافات.

كما جرى تدمير 10% من المخيم تدميرا كاملاً، حيث سوّيَ أكثر من 100 مبنى بالأرض، وتضرر نحو 100 مبنى تضررًا جزئيًا، وشردت على إثر ذلك 800 أسرة، يقدر عدد أفرادها بأكثر من 4 آلاف شخص.

واستخدم جيش الاحتلال أبناء المخيم دروعا بشرية، واعتقل العشرات، بعد التنكيل بهم، ومنع طواقم الإسعاف من الوصول للجرحى داخل المخيم، ومنَع عددًا من الحالات المرضية المزمنة من الخروج من المخيم المحاصر، لتلقي العلاج.

وذكر تقرير أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أنه تم الوصول إلى جثث متفحمة، وأخرى متعفنة تحت الأنقاض، إذ ارتكب جنود الاحتلال جرائم إعدام ميدانية للعديد من أهالي المخيم، الذين رفضوا مغادرة منازلهم.

عشرة شهداء ومئة جريح في العدوان الإسرائيلي على جنين ومخيمها لليوم الثاني على  التوالي – صحيفة الثورة

 

قلعة الأحرار والثوار

واستطاع مخيم جنين بعد هذا العدوان أن يلملم جراحه، ليبقى كما كان قلعة للأحرار والثوار، ويؤدي دوره في صناعة الوعي للأجيال، ومع مرور السنوات تصدر المشهد من جديد بانطلاق العديد من الأبطال من بين أزقته ليلقنوا الاحتلال الدرس ويثأروا للشهداء والأقصى.

وهو ما يظهر من خلال العمليات البطولية التي سجلت في الآونة الأخيرة والتي نفذها الأبطال، رعد حازم (28 عاماً) وضياء حمارشة (30 عاماً) حيث لم يتجاوز الواحد منهم العشرة أعوام إبان معركة جنين وحصارها الكبير قبل عشرين عاماً.

وخلال آخر عامين، عاد المخيم بشكل أبرز كحاضنة للجيل الجديد المقاوم، وشهد تأسيس العديد من كتائب المقاومة، لكتائب القسام وسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، وسط حالة غير مسبوقة من الوحدة الميدانية في الضفة الغربية.

وأمام هذه الحالة أطلق الاحتلال على مخيم جنين اسم “عش الدبابير” بعد أن أصبح هاجسًا لهم بفضل قربه من مدن الداخل المحتل ومشاركة عدد كبير من أبنائها في العمل الفدائي، لينضم إلى قائمة أسماء أخرى منها "محضن الأبطال"، و"قلعة الثوار"، و"جنين القسام".

وتصدر المخيم قائمة العطاء بالشهداء خلال الأعوام السابقة، ففي العام الماضي استشهد ما لا يقل عن 58 فلسطينيًا من جنين، الجزء الأكبر منهم من المخيم.

تواصل العدوان الإسرائيلى على جنين يتصدر اهتمامات الصحف | مبتدا

 

صمود المقاومة في 2023

بينما خلّف العدوان الصهيوني في يوليو 2023، الذي استمر أكثر من 16 ساعة متواصلة، دمارًا واسعًا، حيث شوهدت الآليات العسكرية وهي تجرف الأرض، وتقتلع شبكات المياه والكهرباء، في مشهد يعيد للذاكرة اجتياح جنين عام 2002.

وقالت بلدية جنين، في بيان لها، مساء الاثنين الماضي، إن جيش الاحتلال تعمد تدمير الخطوط الرئيسة لشبكات المياه والكهرباء في المخيم، ومنع طواقمها من العمل على إصلاحها.

ووفق وسائل إعلام عبرية؛ فإن العملية العسكرية الحالية في جنين هي الكبرى منذ عام 2002، مشيرة إلى أن تلك القوات من وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي.

وأضافت أن نحو ألف جندي يشاركون في العملية بينهم المستعربون وسلاح الجو والمدفعية، وقالت إنه يتوقع أن تستمر يومين لكن تبعاتها قد تمتد لجبهات أخرى.

كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الجيش نشر بطاريات القبة الحديدية، تحسبا لأي قصف صاروخي ردا على عملية جنين.

كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الجيش نشر بطاريات القبة الحديدية، تحسبا لأي قصف صاروخي ردا على عملية جنين.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية، قد أعلنت مساء الثلاثاء الماضي، ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الصهيوني على مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية، إلى 12، بينهم 4 أطفال وفتية، مضيفة أن هناك نحو 120 جريحًا، بينهم 20 بحالة خطيرة.

وواصلت فصائل المقاومة في جنين تصديها للعدوان، في وقت يخوض مقاتلوها اشتباكات مسلحة عنيفة، على أكثر من محور، وينصبون الكمائن للجنود والآليات بعبوات شديدة الانفجار، تخللها إطلاق نار وإلقاء وتفجير أكثر من 10 عبوات ناسفة في آليات قوات الاحتلال، قُتل على إثرها جندي صهيوني، وأُصيب العديد من جنوده، كما أسقطوا أربع طائرات مسيّرة.

يُشار إلى أن محافظة جنين، قدمت في عام 2021 (16) شهيداً، وفي 2022 (56) شهيداً، وفي 2023 (59) شهيداً حتى اللحظة. فيما تشير إحصائية من مخيم جنين أن عدد شهدائه منذ 1967 بلغ (200) شهيد.

ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على جنين إلى 12 بينهم خمسة أطفال