ما يحدث في فرنسا ما بعد اغتيال الفتي نائل من قبل شرطي فرنسي عبر في مجملة بقوة عن عنصرية متجذرة داخل الفرنسيين في مختلف مواقعهم سواء عن الشرطي الذي قتل المواكن نائل (فرنسي من أصول جزائرية) أو عن إيمانويل ماكرون.

الواقع يقول أولا أن الشرطي الفرنسي قاتل الشاب من أصل جزائري (نائل) تلقى تبرعات بما يقارب الـ 500 ألف يورو عبر الإنترنت. في ذات الوقت، بلغت التبرعات التي تم جمعها لوالدة الفتى المقتول، 76 ألف يورو، وفق وكالة "نوفستي" الروسية.

ونشرت دعوة للتبرع تحت عنوان "دعم عائلة ضابط شرطة نانتير"، على موقع التبرع "Gofundme"، وخلال يومين تم جمع 493,166 يورو، بينما كان الهدف الأصلي جمع 50 ألف يورو. وشارك في حملة جمع التبرعات أكثر من 24 ألف شخص.

تم فتح قضية جنائية ضد الشرطي البالغ من العمر 38 عاما، بتهمة القتل مع سبق الإصرار، وهو حاليا في السجن بانتظار المحاكمة.

ولمساعدة والدة الفتى المقتول، تم على موقع "Leetchi" الإعلان عن جمع التبرعات، وخلال الفترة الماضية تم جمع 76,323 يورو. وشارك في الحملة ما يقرب من 5 آلاف شخص.

أما الواقع ثانيا، فبعد وفاة نائل، حثت هيئة حقوقية تابعة للأمم المتحدة فرنسا على معالجة "المشاكل العميقة للعنصرية والتمييز العنصري" داخل وكالات إنفاذ القانون.

لجنة الأمم المتحدة المعنية طالبت أيضا بالقضاء على التمييز العنصري، شجبت في ديسمبر 2022، الخطاب العنصري للسياسيين وعمليات التحقق من الهوية التي تمارسها الشرطة "التي تستهدف بشكل غير متناسب أقليات معينة".

وعلى الرغم من إدانة المحاكم للدولة الفرنسية بسبب "الإهمال الجسيم"، والحكم عام 2016 بأن "ممارسة التنميط العرقي كانت حقيقة يومية في فرنسا تندد بها جميع المؤسسات الدولية والأوروبية والمحلية، والالتزامات التي تم التعهد بها من قبل السلطات الفرنسية على أعلى مستوى، إلا أن هذه النتيجة لم تؤد إلى أي تدابير إيجابية"، وفقا للكاتبة.

وعلى الرغم من كل ذلك، تقول الكاتبة باستغراب، إنه لا يزال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعتبر استخدام مصطلح "عنف الشرطة" أمرا غير مقبول. وعلى الرغم من أنه هذه المرة أدان بشكل قاطع ما حصل لنائل ووصفه بأنه "غير مقبول"، تخشى الكاتبة أن يتم التركيز على ضابط شرطة واحد، بدلاً من التشكيك في المواقف والهياكل الراسخة داخل الشرطة التي تكرس العنصرية. ولم يؤد أي من التقارير والأحكام القضائية إلى أي إصلاح ذي مغزى للشرطة كمؤسسة، كما ترى الكاتبة.
 

https://twitter.com/k_alsharki/status/1675077442778587136


هجوم الجارديان

مقالان أخيران بصحيفة "الجارديان" البريطانية لكاتبين أحدهما من أصول عربية اعتبرا أن ما يحدث عنصرية فرنسية، تجاه المهاجرين، وقال الكاتب الصحفي  لاندرو هاسي إنه كان من الملاحظ أن مثيري الشغب لم يهاجموا مراكز الشرطة فحسب، بل هاجموا مباني البلديات ومكاتب الضرائب والمدارس، وأي مؤسسة عامة تابعة للجمهورية الفرنسية.
وأضاف في المقال الذي نشرته الصحيفة البريطانية أن الغضب يتركز على كل ما تمثله الجمهورية الفرنسية، وشعارها الديمقراطي "الحرية والمساواة والإخاء". ويقول إن السبب في ذلك هو أن جزءا كبيرا من السكان المهمشين في الضواحي يشعرون بأن هذا الشعار وهذا النموذج للدولة الديمقراطية لا ينطبق عليهم، ويخذلهم.
ونقل "هاسي" تعليق أحد سكان تلك الضواحي على الاحتجاجات العنيفة، حيث يقول: "إنها حرب. إنها حرب علينا، نحن الناس الذين يعيشون في أماكن مثل هذه. عمري الآن 40 عاما، حاصل على الماجستير ورب أسرة، لكن طوال حياتي تعرضت للتمييز والإذلال، دائما من قبل الشرطة. لا يستطيع الناس تحمل المزيد".
واعتبر "هاسي" أن "هذا هو الوقت المناسب للحكومة الفرنسية لبدء التفكير حول ما إذا كانت الجمهورية الفرنسية بصورتها الحالية لا تزال تفي برسالتها في القرن الحادي والعشرين".

فرنسا تدفع الثمن

وفي مقال آخر للكاتبة رقية ديالو الفرنسية من أصول مغربية كتبت مقال في "الجارديان" عن تجاهل السلطات الفرنسية عنف الشرطة العنصري منذ عقود، وهو ما تسبب في موجة العنف الحالية.

وتحت عنوان "فرنسا تجاهلت عنف الشرطة العنصري منذ عقود، والآن تدفع ثمن ذلك بالتظاهرات"، أشارت " ديالو " أن فيديو القتل الوحشي للفتى نائل، البالغ من العمر 17 عاما، على يد ضابط شرطة بالرصاص ومن مسافة قريبة، على نطاق واسع، أضحت الشوارع والمباني السكنية في العديد من الأحياء الفرنسية الفقيرة في حالة تمرد مفتوح.

وأشارت إلى أن لسان حال وسائل الإعلام الدولية ربما كان "فرنسا تواجه لحظة جورج فلويد"، وكأننا استيقظنا فجأة على قضية عنف الشرطة العنصري. وتعكس هذه المقارنة الساذجة في حد ذاتها إنكارا للعنف العنصري المنهجي الذي كان ملازما لعقود من الزمن للشرطة الفرنسية.

وأضافت أنه في 2005، تروي الكاتبة، حادثة مشابهة لثلاثة مراهقين مات اثنان منهم بالصعق الكهربائي بعد أن لجأوا إلى محطة كهرباء فارغة هربا من ملاحقة الشرطة التي طاردتهم دون أن يرتكبوا أي خطأ، بينما أصيب الثالث بحروق مروعة وإصابات غيرت حياته.
وأشارت إلى أن رد الفعل الإعلامي والسياسي الأولي في عام 2005 هو تجريم الضحايا، والتدقيق في ماضيهم، كما لو أن أيا من ذلك يمكن أن يبرر موتهم الفظيع، كما تقول الكاتبة، معتبرة أن ذلك هو ما حدث فعليا مع نائل.

وأضافت عن فترة كان نيكولا ساركوزي، وزيرا للداخلية فقال (ملطخا ذكرى الفتيان الذين قتلتهم الشرطة): "إذا لم يكن لديك ما تخفيه، فلن تهرب عندما ترى الشرطة".
وأضافت أن عدد حالات وحشية الشرطة تتزايد بلا هوادة كل عام في فرنسا، فوفقا لمنظمة للمدافعين عن الحقوق، فإن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم من السود أو من أصل شمال أفريقي أكثر عرضة بنسبة 20 مرة لعمليات التحقق من الهوية من قبل الشرطة مقارنة بباقي السكان. ونددت تلك المنظمة بعدم وجود أي مراجعة ضد نظام التحقق من الهوية باعتباره شكلاً من أشكال التمييز المنهجي من قبل الشرطة.
وفي عام 2012 قالت "هيومن رايتس ووتش" إن "نظام التحقق من الهوية مفتوح للانتهاكات من قبل الشرطة الفرنسية، وتنطوي هذه الانتهاكات أحيانا على الإساءة الجسدية واللفظية".

وفي 2017 صدر قانون سهل لجوء الشرطة إلى استخدام الأسلحة النارية بحجة الدفاع عن النفس. ومنذ هذا التغيير في القانون، وفقا للباحث سيباستيان روشيه، فقد زاد عدد حوادث إطلاق النار المميتة ضد المركبات، بمقدار خمسة أضعاف. وفي العام الماضي، قُتل 13 شخصا بالرصاص في سياراتهم.
يجمع المنراقبون أن جرائم الشرطة هي السبب الجذري للعديد من الانتفاضات في المناطق الحضرية الأكثر فقراً في فرنسا، وهذه الجرائم هي التي يجب إدانتها أولاً. وأنه بعد سنوات من المسيرات والعرائض والرسائل المفتوحة والطلبات العامة، لا يجد الشاب الساخط أي طريقة أخرى لسماعه سوى أعمال الشغب.