فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على 4 شركات تمول مليشيات "فاجنر" الروسية، منها شركة مقرها الإمارات، بحسب (سي إن إن).
يأـي ذلك رغم أن واشنطن و"موسكو" تحتاجا إلى "فاجنر" للمساعدة في السيطرة على المناطق التي يعمل بها كلاهما في آن ضمن مخطط تقسيم أشبه بالتقسيم الاستعماري المستمر منذ قرنين ونصف القرن.
 
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 27 يونيو عن فرض عقوبات على 4 شركات متورطة في تجارة غير مشروعة للذهب في روسيا والإمارات وجمهورية إفريقيا الوسطى، بتهمة المشاركة في تعاملات غير مشروعة بالذهب لتمويل "فاجنر" لدعم وتوسيع قواتها المسلحة، بما في ذلك في أوكرانيا وإفريقيا.

كما استهدفت العقوبات (أندريه نيكولايفيتش إيفانوف)، المسؤول التنفيذي الروسي في فاجنر، والمتهم بالعمل عن كثب مع كيان بريجوزين للشؤون السياسية في أفريقيا وكبار المسؤولين في حكومة مالي بشأن صفقات الأسلحة وأنشطة "فاجنر" الأخرى في مالي، بحسب بيان الخزانة الامريكية.


وذكر البيان أن "فاجنر تمول عملياتها الوحشية جزئيًا من خلال استغلال الموارد الطبيعية في بلدان مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي".

 

وزعم وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، في بيان، أن الولايات المتحدة ستواصل استهداف مصادر إيرادات فاجنر لتقليل توسعها وأعمال العنف في أإفريقيا وأوكرانيا وأي مكان آخر.

 

مدى تأثي تمرد "فاجنر" المحدود
وبحسب تقرير نشرته وكالة "رويترز"، الأربعاء 28 يونيو، قال مسؤولون، إن الولايات المتحدة تعكف على دراسة مدى تأثير تمرد مجموعة "فاجنر" قصير الأمد ضد المؤسسة العسكرية في روسيا على عمليات المجموعة العسكرية الخاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا.


وقال التقرير إن صانعي السياسة الأمريكية ينظرون إلى المجموعة من منظور التنافس مع روسيا على النفوذ في إفريقيا والشرق الأوسط، ويتهمونها بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل إن الجيش الأمريكي اشتبك بشكل مباشر مع قوات "فاجنر" في سوريا.

ونقلت عن مسؤول أمريكي، توقعه "احتمال" استعداد قادة الدول الإفريقية لتوظيف مقاتلي المجموعة قد يتراجع بعد مشاهدة بريغوجين ينقلب على رعاته" بعدما أعلن بوتين أن تمويل المجموعة من الدولة الروسية.

وأضاف المسؤول أن بعض هؤلاء الزعماء الأفارقة قلقون بشدة من الخصوم الداخليين، ومسيرة فاجنر صوب موسكو قد تغذي مخاوفهم.

ونشرت المجموعة قوات بالآلاف في إفريقيا والشرق الأوسط، وأقامت علاقات قوية مع عدد من الحكومات الأفريقية على مدار العقد الماضي من خلال عمليات في دول من بينها مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.

ولعبت "فاجنر" دورا محوريا في الغزو الروسي لأوكرانيا، وخاضت الكثير من أكثر المعارك دموية ضد القوات الأوكرانية.

وفي وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، رفض المتحدث باسم الوزارة باتريك رايدر التكهن بمستقبل "فاجنر"، لكنه أدان تصرفات المجموعة في أفريقيا وغيرها.

وقال رايدر: "لهم تأثير مزعزع للاستقرار في تلك المنطقة وبالتأكيد يشكلون تهديداً، ولهذا السبب تم إعلانهم منظمة إجرامية عابرة للحدود".

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لوسائل إعلام روسية، الإثنين، إن نشاط فاجنر في جمهورية أفريقيا الوسطى "سيستمر".

وقال المسؤول الأمريكي إنه على الرغم من تصريحات لافروف، تتطلع الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كانت الدول في أفريقيا تثق في هذه الوعود.

وأضاف المسؤول الأمريكي ل"رويترز" إن الكثير في هذا الصدد "سيعتمد على مصير بريغوجين، ومدى النفوذ الذي سيحتفظ به مع قواته في أفريقيا".

واتفق مايكل مولروي، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاجون، مع فكرة أن أحداث مطلع الأسبوع يمكن أن تضر "فاجنر" في أفريقيا.

وقال مولروي: "سيُنظر إليهم على أنهم غير مستقرين للغاية، وربما يشكلون تهديداً للقيادة في تلك البلدان"، مضيفاً: "لقد كادوا أن يبدأوا انقلاباً في (بلادهم)".

 

توسع أعمال

ونقلت "رويتزر" عن مسؤول أمريكي ثانٍ، أنه على الرغم من المخاطر الواضحة على مجموعة بريجوجين، هناك فرصة لاستفادة المجموعة من تمردها، مضيفا: "قد تؤدي مسيرة فاجنر المفاجئة نحو موسكو، التي لم تواجه مقاومة تذكر، إلى تعزيز سمعتها، مما يؤدي إلى المزيد من الأعمال في إفريقيا".

وتابع المسؤول الأمريكي الثاني: "إنه (بريجوجين) يتعامل في أمور العنف، وهذا أمر جيد للترويج له".


وأجاب موقع المونيتور الأمريكي عن سؤال "هل تتواصل أنشطة "فاجنر" في إفريقيا بعد الأزمة الأخيرة، لاسيما وأنها مثلت امتدادا مسلحا لنفوذ موسكو في سوريا وإفريقيا، لكن هذه العمليات الخارجية أصبحت الآن موضع شك بسبب التمرد الفاشل.

وأضاف المونيتور أن فاجنر تستفيد بشكل كبير من استغلال الموارد الطبيعية ودعم الأنظمة المتشككة أو المعادية للغرب مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
 

ونقل الموقع عن روب لي، الباحث بمعهد السياسة الخارجية، ما كتبه على "تويتر"، "أكبر آثار هذا الحدث قد تكون محسوسة في الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

وأضاف، "فاجنر لها وجود كبير في جميع أنحاء إفريقيا، وهو ما يستفيد منه الجانب الروسي.. هل سيسمح الكرملين لنفس الديناميكية بالاستمرار إذا كان بريغوزين وفاجنر مقيمين في بيلاروسيا؟"، لافتا إلى اعتماد فاجنر بشكل كبير على وزارة الدفاع الروسية لتسليم القوات والمعدات والأسلحة إلى مسارح نشاطها.

وأشار تقرير "المونيتور" إلى أن موسكو تحتاج إلى "فاجنر" للمساعدة في السيطرة على المناطق المضطربة التي تعمل بها، وهي نفسها المناطق التي تحرص روسيا على تقويض النفوذ الغربي بها.


"فاجنر" في سوريا وافريقيا
ونقل "المونيتور" عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، مناطق عمل مرتزقة "فاجنر" القادمين من روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة ومن سوريا نفسها، (فاجنر بينها عرب) بقوات خاصة على الأرض جنبًا إلى جنب مع الجيش النظامي، منذ تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية قبل أكثر من ثماني سنوات، وهي لا تزال موجودة حتى اليوم، بأعداد أقل، بالقرب من آبار النفط وفي محافظتي حماة واللاذقية.
 

وعن مواقعها في إفريقيا، أشار إلى (ليبيا وموزمبيق والسودان)، وهم على الخطوط الأمامية في (مالي) التي ضربها التمرد، و(جمهورية إفريقيا الوسطى)، حيث يدير مسؤول تنفيذي في فاجنر، أمن الرئيس فوستين أرشانج تواديرا.

 

ونقل الموقع عن مصدر عسكري أوروبي، قوله إن الجماعة تنقل الذهب والمعادن من السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، وهو ما يحتاجه بوتين للحفاظ على اقتصاده.

 

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على شركة "فاجنر"، استهدفت العديد من كبار ممثليها في إفريقيا، وقد اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، روسيا مؤخرا، بأنها قوة مزعزعة للاستقرار في إفريقيا من خلال ميليشيات خاصة تعتدي على السكان المدنيين وترتكب انتهاكات، كما تمارس أدوارا تدريبية.
 

ونقلت عن ماكسيم أودينيت، من معهد البحوث الاستراتيجية في مدرسة باريس العسكرية، إن هناك حالة من التردد لدى السلطات في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي بشأن مصير عمل قوات فاجنر في الدولتين، مضيفا أن فاجنر "أصبحت العنصر المهيمن في الوجود الروسي في أفريقيا وتحديدا في دول جنوب الصحراء الكبرى في السنوات الأخيرة.. يمكننا أن نتوقع اهتزاز التوازن الهش بين الدول الروسية والجهات غير الحكومية في القارة".
 

واستبعدت بولين باكس، نائبة مدير برنامج إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية أن يرسل بوتين جنود روس بدلاً من فاجنر: قائلة: "لا يمكنني رؤية المجموعة تنسحب من القارة على الفور"، مستدركة بطلب عرض تعاون وزارة الدفاع (الروسية)، لكيفية استمرار فاجنر في العمل هناك (دول افريقيا).


إرهاب الدول
الباحث والمحلل السياسي خليل العناني كتب مقالا بعنوان ("فاجنر".. مرتزقة في خدمة إرهاب الدولة)، استعرض خلاله سلسلة من المذابح التي ارتكبتها "فاجنر" في مالي وافريقيا الوسطى وغيرها، واعتبر أن مجموعة المرتزقة ".. ما هي إلا قمة جبل الثلج، وواحدة من أبرز تجليات ظاهرة أخرى أكثر تعقيدا، وهي ظاهرة شركات الأمن الخاصة والشركات العسكرية الخاصة التي ظهرت وانتشرت بشكل كبير بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفياتي وأوائل التسعينيات".
 

وأشار إلى بروز شركات الأمن الخاصة منذ حربي أفغانستان والعراق وأبرزها "بلاك ووتر" والمتهمين كما "فاجنر" بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية.

واستعرض دور المجموعة الأمريكية التي أسسها إريك برنس في دعم حفتر بمرتزقة مزودين بطائرات مسيرة هجومية وزوارق حربية وقدرات للحرب السيبرانية إلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر عام 2019 لمساعدته في شن هجومه على طرابلس ومناطق أخرى في الغرب الليبي. وهو ما يعد انتهاكًا لحظر السلاح الأممي المفروض على ليبيا منذ عام 2011.


وأضاف أنه في روسيا، هناك الآلاف من شركات الأمن الخاصة تعمل في حراسة البنية التحتية وتقديم خدمات الحماية لكبار الشخصيات الروسية، وباستغلال ثغرات قانونية، تنتشر شبكة من مقاولي ومتعهدي الباطن.

وأشار إلى أن وقائع عديدة تؤكد أن مجموعة "فاجنر" خاضعة للدولة الروسية، ولها دور في سوريا منذ أواخر 2015م. مضيفا أن مقاتلي "فاجنر" يتم علاجهم وإعادة تأهيلهم في المستشفيات العسكرية الروسية، وذلك مثلما حدث بعد معارك "دير الزور" عام 2018، حيث تم إجلاء الناجين من الجرحى بواسطة طائرات طبية عسكرية روسية إلى المستشفيات العسكرية في روستوف وموسكو.

وساعدت "فاجنر" رئيس فنزويلا "نيكولاس مادورو" حين كانت البلاد على وشك الدخول في صراع أهلي عام 2019، وحسب تقارير عديدة، فقد وصل هؤلاء الرجال على متن طائرات تابعة للقوات الجوية الروسية. حدث الأمر ذاته في ليبيا، فطائرات الشحن العسكرية الروسية تقوم بنقل مقاتلي "فاجنر" إلى هناك بشكل مستمر؛ وكل هذا يؤكد ارتباط "فاجنر" بالدولة الروسية بشكل وثيق.


في أواخر مارس 2022، صفت فاجنر ما يقرب من 300 شخص رميا بالرصاص، بمذبحة مروعة، ودفنتهم بمقابر جماعية، بقرية "مورا" بالساحل الغربي لمالي، بحسب (هيومان رايتس ووتش).
 

ومنذ 2018، ارتكبت "فاجنر" جرائم مروّعة في سوريا، بحسب منظمات حقوقية دولية ودعاوى قضائية.

كما اتهم الادعاء الأوكراني فاجنر بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا استهدفت المدنيين، ونشر الادعاء أسماء وصور 8 عناصر بالمليشيا في صدارة المتهمين بجرائم حرب في قرية "موتيزين" بالقرب من كييف، أواخر مايو الماضي.
 

وأشار إلى أن وجودها وتأثيرها غير مسبوق لم تصل إليه أية شركة خدمات أمنية أو عسكرية خاصة وامتد نشاطها في نحو 13 دولة أفريقية، فضلا عن دورها في الحرب الحالية بأوكرانيا.

واعتبر أن "فاجنر" أكبر من شركة خدمات عسكرية خاصة، ووصفها ب"ذراع عسكرية للدولة الروسية" ل"مد نفوذها وتأثيرها عبر العالم، وتقوم من خلالها بالعمليات القذرة التي لا تريد أن يكون للجيش الروسي تدخل صريح بها".

 لذلك ليس غريباً أن يتعامل رئيس "فاجنر" يفجيني بريجوجين مع بوتين ليس بوصفه مجرد "مرتزق"، وإنما كما لو كان زعيما سياسيا وعسكريا يسعى لحفظ ماء وجه بوتين ودولته خارجيا.