شهدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي سجالًا كبيرًا، بعد أن أثار أستاذًا جامعيًا جدلًا واسعًا إثر فتواه بجواز الأضحية بالطيور (الفراخ).

وكان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، قد أثار جدلًا إثر دعوته إلى نشر ثقافة الأضحية بالطيور (الفراخ)، بدلًا من نشر ثقافة الاستدانة والتقسيط، وذلك قبيل عيد الأضحى حيث تتم الأضحية بالأنعام.

وقال الهلالي في تصريحات صحافية، قبل يومين، إن الأضحية لا تقتصر على الأنعام بل يستطيع المسلم أن يضحي بكل ما هو مذبوح، بحسب المذهب الظاهري، مدعيًا أن المسلم يستطيع أن يضحي بفرخة أوديك، أو أي طير، أوكل ما يذبح ويؤكل، مستشهدًا بقوله تعالى "وفديناه بذبح عظيم".

وأضاف "قال الله تعالى ذبح عظيم، ولم يشترط في الآية الكريمة أن يكون المذبوح من الأنعام"، مشيرًا إلى أن "دار الإفتاء استندت في فتواها التي تضمن أن تكون الأضحية من الأنعام إلى رأي العلماء الأربعة، وهم: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، والإمام مالك بن أنس، والإمام محمد بن إدريس الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وتجاهلت رأي المذهب الظاهري".

ولفت إلى أنه لا إنكار في المختلف فيه؛ ففي حال اختلف بعض الفقهاء في مسألة الأضحية بالطيور فهذا لا يعني أنها خطأ.

 

رد دار الإفتاء على فتوى الأضحية بالطيور

ومن جهتها، ردت دار الإفتاء على سؤال ورد إليها بفتوى سابقة نصه “هل يجوز أن تكون الأُضْحِيَّة من غير الأنعام؟ وقالت عبر صفحتها الرسمية في موقع فيسبوك "اتفق الفقهاء على أن الأُضْحِيَّة لا تكون من غير الأنعام، وهي الإبل سواء كانت عربية أو غير ذلك من أصناف الإبل، والبقر والجواميس الأهلية بأنواعها، والغنم: ضأنا كانت أو ماعزًا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث".

وأضافت "فمن ضحى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به، لقوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ".

وأضافت "ولأنه لم تنقل التضحية من حيوان غير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه لو ذبح دجاجة أو ديكًا بنية الأضحية لم يجزئه".

وكان مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، قد رد في فتوى سابقة على الموقع الإلكتروني لفتاوى دار الإفتاء، على سؤال حول جواز التضحية بالطيور.

وقال علام في إجابته على السؤال بالقول: "لا يجوز في الأضحية إلا أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، والرأي القائل بجواز التضحية بكل حيوان يؤكل لحمه رأي ضعيف غير معتبر في الإفتاء ومخالفٌ لعمل الأمة المستقر".

وأضاف علام: "أن ما ورد عن أحد الصحابة بجواز التضحية بالطيور غير صحيح، لأن النص الوارد عنه ليس على ظاهره، وإن حُمِل على ظاهره فهو مجرد اجتهاد من الصحابي، لكنه مخالف لما قد صح عن رسول الله".

 

لما الطيور تقول "ماء"

وعلق الدكتور محمد علي، الداعية الإسلامي، قائلًا للدكتور سعد الهلالي: لما الطيور تقول "ماء" حينها يجوز جعلها أضحية! مؤكدًا أنه لا تجزئ الأضحية بالدجاجة والبط ونحوهما، وإنما تجزئ من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، ولا تصح أيضًا الأضحية بالفرس ولا تكون الأضحية إلا من النَّعَم، وهي الإبل والبقر والغنم، مستشهدًا بقول الله تعالى: "لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ".

وأضاف علي في رده لموقع "مصراوي": لا تصح التضحية بالحوت أو الفرس أو الظباء أو الدجاج، لأن من شروط الأضحية: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها، مشيرًا على الدليل بالآية السابقة وكذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" (رواه مسلم).

وأشار على الرأي القائل بجواز التضحية بكل حيوان يؤكل لحمه، أنه رأي ضعيف وشاذ غير معتبر، ومخالفٌ لعمل الأمة سلفًا وخلفًا، والذي ورد أن أحد الصحابة قال بجواز التضحية بالطيور غير صحيح؛ لأن النصّ الوارد عنه ليس على ظاهره، فهو اجتهاد من الصحابي، لكنه مخالف لما قد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه ولا اعتبار به.

وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على عدم صحة الأضحية بغير الأنعام؛ فقال الإمام ابن عبد البر "والذي يُضَحَّى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية؛ وهي: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر"، والرأي القائل بجواز التضحية بكل حيوان يُؤْكَل لحمه رأي شاذّ لم يُعَوِّل عليه أهل العلم، حتى رأيناهم قد حكوا الإجماع على خلاف ذلك.

 

مذهب في غاية الضعف

وقال العلماء إن مذهب جواز التضحية بالطيور مذهب في غاية الضعف، ولم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أكابر الصحابة والتابعين.

وأصحّ ما ورد فيه أثر بلال عند عبد الرزاق:" عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلالا، يَقُولُ: مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْتُ بِدِيكٍ، وَلأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَلَى يَتِيمٍ أَوْ مُغَبَّرٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا".

ولا يعلم ذلك في سنة رسول الله ولا سنة الخلفاء الراشدين وقول بلال فيه إنما هو اجتهاده، وليس اجتهاد الصحابي حجة على السنة ولا غيره من أكابر الصحابة الفقهاء - هذا إن قلنا أن قصد بلال هو التضحية بالديك - لكن لهذا الأثر توجيه آخر نذكره بعد قليل!

وأما ما ورد عن ابن عباس:" قال عكرمة: بعثني ابن عباس بدرهمين، أشتري له بهما لحمًا، وقال: من لقيت، فقل هذه أضحية ابن عباس".

فقال ابن عبد البر في التمهيد يبين علة هذا الفعل: "ومعلوم أن ابن عباس إنما قصد بقوله، أن الضحية ليست بواجبة، وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى، إعلامًا منه بأن الضحية غير واجبة ولا لازمة، وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح، وبالله التوفيق".

وكان أبو بكر وعمر لا يضحيان حتى لا يتبعهما الناس ويظنون أنها واجبة - وهذا قصد ابن عباس وبلال أيضًا - وليس ما قصداه هو جواز ذلك وأنه يغني عن الأضحية – حيث لم يفهم أحد من الكبار ذلك!

قال الشافعي في الأم: "وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا، لِيَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِدِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: اشْتَرُوا بِهِمَا لَحْمًا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ كَانَ قَلَّمَا يَمُرُّ بِهِ يَوْمٌ إلَّا نَحَرَ فِيهِ، أَوْ ذَبَحَ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".

يعني أن ابن عباس كان يضحي تقريبًا يوميًا - ولكنه لم يشأ أن يفهم الناس أن الأضحية يوم العيد واجبة، فعدل يوم العيد عن الأضحية واشترى لحمًا حتى يفهم الناس أن الأضحية غير واجبة.

وهذا من جمال أفعال المفتين أن يعملوا أعمالًا مخالفة لما يفعله الناس حتى يفهم الناس أن أعمالهم ليست فريضة أو واجبة! وفقًا لموقع "الدرر الشامية"

والأعجب - أن يُستدل بجواز ذلك بحديث البخاري ومسلم: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً،

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً،

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ،

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً،

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،

فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ "

وهذا مثل ضربه رسول الله للمجتهد في الطاعة يوم الجمعة.. لا يدخل في "كيفية" الأضحية يوم النحر - التي بينها رسول الله بالقول والفعل.

فسنة النبي الفعلية والقولية الصريحة وما فهمه العرب من الصحابة أن الأضحية لا تكون إلا بالإبل والغنم والبقر - هي حجة على كل فهم متأخر!

وإلا فليفتي هذا "الذي يفتي بجواز الطير" أن يخرج الرجل "بكرتونة بيض" بعد صلاة العيد يوزعها على الناس!!! فالبيضة في الحديث أيضًا!!

 

الأضحية عبادة كالهدي

ويقول الإمام النووي (رحمه الله) في "المجموع" (8/364-366): "فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، سواء في ذلك جميع أنواع الإبل، وجميع أنواع البقر، وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما، ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف، وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا، ولا تجزئ بالمتولد من الظباء والغنم؛ لأنه ليس من الأنعام".

ونحوه قاله ابن قدامة (رحمه الله) في "المغني" (368).

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله) في رسالته: "أحكام الأضحية والزكاة": "الجنس الذي يضحي به: بهيمة الأنعام فقط؛ لقوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ" (الحـج: 34)، وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز، وجزم به ابن كثير وقال: قاله الحسن وقتادة وغير واحد. وقال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب"، وفقًا لموقع "الإسلام سؤال وجواب".

ويواصل: "ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" (رواه مسلم: 1963). والمسنة: الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم، قاله أهل العلم (رحمهم الله)".

وأكد العثيمين أن "الأضحية عبادة كالهدي؛ فلا يُشرع إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحّى بغير الإبل والبقر والغنم".