يتصاعد الصراع الداخلي في السودان بوتيرة متسارعة، حتى ظهرت تأثيراته على جميع المناحي الاقتصادية بالبلاد، وألقت تبعاتها الإقليمية والأمنية والاقتصادية على الدول المتعاونة معها، وخاصة جارتها الشمالية مصر.

وأكد العديد من المحللين السياسيين أن مصر ستنال نصيبها من "التأثيرات السلبية للصراع الداخلي في السودان"، والتي ستنعكس بشكل مباشر على ملفات إقليمية واقتصادية.

 

نظام سياسي سوداني جديد

المحلل السياسي، هاني سلمان، يرى أن الأزمة في السودان "تشكل أحد أهم التحديات الإقليمية التي ستؤثر على مستويات مختلفة ترتبط بالإقليم وتحديدًا على الدولة المصرية".

ويضيف أن "هذا الصراع من شانه أن ينعكس بشكل سلبي على العديد من الملفات السياسية، ومنها احتمالية ظهور نظام سياسي سوداني قد لا يكون على توافق مع القاهرة، وهو ما سيؤثر على العلاقات بين الدولتين".

 

سد النهضة

وأكد سلمان أن "استمرار الصراع قد يحد من مواجهة الأطماع الإثيوبية، وإدارة ملف أزمة سد النهضة بشكل أحادي، خاصة أن القاهرة والخرطوم كانتا تعملان على تشكيل حائط صد، ولكن النزاع قد يعني توقف تنسيق المواقف ما بين البلدين، وهو ما ستستغله إثيوبيا لمزيد من التقدم في ملء السد والضغط على دولتي المصب".

 

بروز التنظيمات الإرهابية

ويبرز تخوف من أن تستغل تنظيمات إرهابية في المنطقة حالة عدم الاستقرار الأمني، لتعود وتنتشر في مدن سودانية، وهو ما سيشكل ضغطًا على الأمن القومي المصري حيث يوجد حدود برية طويلة بين البلدين، ناهيك عن التأثيرات على المنطقة، وفقًا لموقع "الحرة".

وأفاد تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن قائد الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، لم يُخف ميله نحو دعم قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، فيما عبر أكثر من مرة عن "ازدرائه لقوات الدعم السريع"، والتي لا يرى في تسلمها للسودان أمرًا مقبولًا.

 

زيادة التحديات الأمنية

ويقول المحلل السياسي، علي رجب مع سلمان، إن التحديات الأمنية "زادات بسبب المخاوف من استغلال مجموعات إرهابية لما يحدث في السودان للعبور لمصر".

وأضاف أن هذه التحديات الأمنية ودخول العديد من اللاجئين السودانيين يفرض تحديات اقتصادية كبيرة على مصر، والتي قد تصل إلى مرحلة تحتاج إلى دعم دولي من أجل مواجهة هذه التحديات.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه يعكف على تكثيف عملياته في ست ولايات على الأقل في السودان لمساعدة 4.9 مليون شخص معرضين للخطر، فضلًا عن مساعدة أولئك الذين يفرون إلى تشاد ومصر وجنوب السودان.

ويقول الخبير في الجماعات المسلحة، أحمد سلطان، إن هذا الصراع يستقطب "تدخلات ودعم من قوى كبرى، والتي ستؤثر المشهد الجيوسياسي للمنطقة".

وأكد أن القاهرة لن تتدخل بأي شكل من الأشكال في الصراع السوداني، وهي تدعم الجهود والمساعي للتوصل لحلول سياسية تجنب السودان، والمنطقة من استمرار المعارك التي يعتبر الشعب السوداني الخاسر الأكبر فيها.

ورغم التأثيرات التي ستطال مصر بسبب ما يحدث في السودان إلا أنها "لن تتدخل عسكريًا" بحسب سلطان، مذكرًا بأن الحالة الوحيدة التي تدخلت فيها مصر بنزاع إقليمي كان عندما وجهت ضربة عسكرية لداعش في ليبيا بعدما قتلوا 21 قبطيًا مصريًا في وقت سابق.

 

انعكاسات اقتصادية

ولن تقف التأثير على مصر عند الجانبين السياسي والأمني، إذ إن هناك "تأثيرات اقتصادية على اعتبار أن هناك العديد من المشروعات والتعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة في القطاع الزراعي، وفق المحلل سلمان.

ويرى أن زيادة أعداد اللاجئين القادمين لمصر سيزيد من الأعباء الاقتصادية في الوقت الذي تعاني فيه من مرحلة اقتصادية صعبة، والتي قد تتطلب تدخلات ودعم دولي في مرحلة معينة لاستيعاب حركة اللجوء.

ووفق تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست" يعتبر السودان شريكًا اقتصاديًا رئيسًا لمصر، فيما تقترب عائدات التجارة البينية مليار دولار سنويًا، ناهيك عن وجود مشاريع وخطط مصرية للاستثمار الزراعي في السودان.

وبحسب النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل العام 2021 -والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر في نوفمبر 2022- احتلت السودان المرتبة الأولى.

وصدرت القاهرة للخرطوم منتجات ومواد خام بقيمة 826.8 مليون دولار عام 2021 مقابل نحو 500 مليون عام 2020 بزيادة قدرها 65%، واحتلت المنتجات الكيميائية والبلاستيكية المرتبة الأولى في المنتجات التي استوردتها السودان من جارتها الشمالية بـ 271 مليونًا، ثم اللدائن ومصنوعاتها بقيمة 137.4 مليونًا، وتلتها المنتجات المعدنية بـ 67 مليونًا ومنتجات الغزل 56 مليونًا، وفقًا لـ"الجزيرة".

في المقابل، بلغت صادرات الخرطوم للقاهرة نحو 336.7 مليون دولار عام 2021 مقابل 225 مليونًا عام 2020 بزيادة قدرها 49.7%، وجاءت الحيوانات الحية واللحوم والأطراف القابلة للأكل على رأس الصادرات بقيمة 217 مليونًا، ثم الأعلاف والحبوب والنباتات الطبية بقيمة 70 مليونًا، وفي المرتبة الثالثة جاء القطن بقيمة 43 مليونًا.

الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يتوقع أن يهدد الصراع الدائر في السودان حركة التجارة بين البلدين، بما في ذلك تجارة الترانزيت.

وبيّن أن كل الصادرات التي تذهب من مصر إلى إفريقيا عبر السودان، سواء دول حوض النيل أو غيرها مثل الصومال وتشاد، ستتأثر سلبًا جراء الأحداث الجارية.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2021 نحو 2.262 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية.

 

هل تتدخل القاهرة عسكريًا في السودان؟

ويستبعد محللون أن تتدخل مصر بشكل عسكري في السودان، ولكن هذا لا يعني عدم انحيازها سياسيًا لأطراف في السودان، من دون التأثير أو تأجيج التوترات في البلاد.

وقد يؤدي التدخل المصري في السودان إلى "زيادة تعقد الأمور إذا تم استدراجها لمنافسة إقليمية" خاصة في ظل وجود خلافات ترتبط بإثيوبيا، بحسب تحليل نيويورك تايمز.

ويرى خبراء أن كلا من الجنرالين، البرهان وحميدتي، يعتقد أنه قادر على حسم المعركة عسكريًا، ولكنهما الآن متعادلان، ويراهن كلاهما على حرب طويلة، وليس على تسوية عبر طاولة المفاوضات، بحسب وكالة فرانس برس.

ويقول المحلل سلمان إن من القواعد التي تحكم السياسية الخارجية المصرية مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والقاهرة حريصة على هذا الأمر حفاظًا سيادة السودان"، مشيرًا إلى أن أفضل مثال على ذلك عدم تدخل مصر بالأزمة الليبية رغم التأثيرات التي طالت البلاد عبر الحدود.

وتابع أن هذا المبدأ لا يعني عدم الحفاظ على الأمن القومي المصري، وتأمين الحدود ومنع أي تسلل لعناصر إرهابية، والتي سيتم التعامل معها داخل الأراضي المصرية.

ويشرح سلمان أن هذا المبدأ أيضًا لا يعني أن مصر لن يكون لها "حساباتها الخاصة فيما يتعلق بتوازن علاقاتها مع الأطراف المختلفة، أو حتى بدعم طرف بشكل محدود بما ترى فيه حماية لمصالحها، ويدعم استقرار السودان".

ويشير المحلل رجب إلى أن سياسة مصر الخارجية قائمة على عدم التدخل في شؤون الداخلية للدول، خاصة فيما يتعلق بالتدخل العسكري.

وأعاد التذكير أنه خلال 3 عقود من حكم الرئيس المخلوع، عمر البشري، لم تتدخل القاهرة في الشأن السوداني، وحتى منذ 2019 ودخول الخرطوم في مرحلة جديدة من الصراعات، إلا أن القاهرة لم تتدخل أيضًا.